محمد السنان.. حاربته الصحوة.. وكرّمته الجامعة العربية رائداً موسيقياً عزف الكمنجة في أرامكو بعد السماح بالموسيقى.. ويحلم بتأسيس أكاديمية

القطيف: ليلى العوامي

هل تستطيع الموسيقى إنقاذ أحد؟ ربما هذا أثر الفراشة خفيف لكنه قوي، وهذا ما فعلته المقامات الموسيقية بمسامع الموسيقار محمد السنان، الذي يؤرخ للحياة قبل عام 1960 وبعد عام 1960، حين انتقلت المملكة من عقوبة السجن لمدة أسبوع لمن يمسك آلة؛ إلى عزف الموسيقى في مهرجان شعبي بالمنطقة الشرقية.

مشوار طويل بدأه منذ عام 1962 حين عزف للمرة الأولى على آلة الكمان، في تليفزيون شركة أرامكو، حتى المشاركة في عروض مسرح الدمام، لكن مثلت الثمانينيات والتسعينيات بداية العطاء الحقيقي.

حتى أصبح رائدًا من رواد التلحين في المملكة، ليحصل على تكريم جامعة الدول العربية في مهرجان الرواد العرب عام 1999.

تأثر السنان في طفولته بمطربين مصريين وعراقيين احتضنوه بصوتهم، حتى شعر أنه منهم، يتذكر منهم: شادية ومحمد فوزي وصباح وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، ومن العراق حضيري أبو عزيز وداخل حسن وزهور حسين وعفيفة إسكندر.

حاورنا الموسيقار، محمد السنان، ليؤرخ للموسيقى في الخليج، ويفتح لنا قلبه كاشفاً عن إحباط البدايات ومعاودة الأمل إليه، وإلى نص الحوار:

من خلال تجربتك الموسيقية.. كيف تصف لنا الاهتمام بالموسيقى قديماً؟

كنت أحلم أن أكون مطرباً، لكن كانت الموسيقى حينها منكر، وكل من يضبط بحوزته آلة موسيقية يؤمر بوضعها على رأسه طوفاً في الأسواق، ثم ينتهي به المطاف إلى السجن لمدة لا تقل عن أسبوع،  استمر هذا الوضع حتى عام 1962.

اختلف الأمر بعد عودة الملك سعود من رحلة علاجية، كانت هناك استعدادات غير مسبوقة في المنطقة الشرقية، من إنارة وتشجير الشوارع، وكانت المفاجأة الأقرب لقلبي إقامة حفل في حديقة البلدية، غنى به الفنان السعودي جميل محمـود، ومن اليمن يوسف الزبيدي ومن البحرين محمـد زويد، لثلاث أيام، ورغم أنها كانت صدمة لجماهير المنطقة الشرقية، أن تكون الموسيقى في العلن.

 

مع كل هذه السرية التي تحيط بالموسيقى.. كيف انطلقت أولى الفرق الغنائية؟

فوجئت بتحرك الفنانين في مدينة الخبر الذين مارسوا الموسيقى سراً، اغتنموا هذه الانفراجة وأطلقوا “أوركسترا الخبر”، التي ضمت مجموعة من الموسيقيين بقيادة المايسترو الأردني توفيق جاد، وهو عازف محترف لآلة الكمان، عبد الرحمن الرويعي عازفاً لآلة العود ويعقوب الخليوي على الإيقاع ومنذر توفيق جاد على آلة البيانو وعلي التميمي “منولوجست”، وفتح النادي الأهلي بالخبر للفرقة أبوابه لهم آنذاك.

مطرباً أم عازفاً.. ما نقطة بداية الملحن الموسيقي محمد السنان؟

كنت أدندن لعبدالوهاب سمعني الرويعي وطلب مني الانضمام كمطرب للفرقة، التي قدمني لقائدها كي يسمعني بنفسه، بعد يومين قبلت بالفرقة كعازف كمان وليس مطرباً، شعرت بالإحباط وقبلت على مضض، وقلت لنفسي ربما هذه نهايتي كمطرب.

احكِ لنا  محطة الانطلاق البارزة في تاريخ الفرقة والظهور في تليفزيون أرامكو؟

كان تلفزيون أرامكو هو الثاني على الشرق الأوسط بعد تليفزيون بغداد، لكنه لا يتعدى بثه خارج المنطقة الشرقية، بدأت تزداد شعبية الفرقة  وبدأت أكبر معها كعازف كمان، حتى دخل علينا مدير العلاقات العامة في النادي “حسن الملا” برفقة أحد العاملين بتلفزيون أرامكو، وأخبرنا بأنه يرغب في استضافة الفرقة لتسجيل بعض أعمالها لأرامكو، فرحنا جميعاً لهذا العرض سنكون مشهورين بالمنطقة الشرقية.

 

اعتبرت هذه الفرقة تمرداً كبيراً على العادات فكيف كان ذلك؟

بعد التسجيلات لأرامكو، بدأ جني الربح المادي، واتخذنا قرار بتغيير اسم الفرقة من “أوكسترا الخبر” إلى الفرقة الفضية، وأصبح لنا زي موحد سراويل ومعاطف حمراء زاهية و”البابيون” الرجالي، كما جددت الفرقة دمائها بدخول العازفين، كان بينهم الفنان المعتزل الأستاذ صالح العباد والمغني عبد العزيز التمار، وأخي حسن السنان، الذي تعلم العود، وفريق الكورال المكون من فتيات تتجاوز أعمارهن 11 عاماً، وشجعنا إحداهن على الغناء “صولو” لأم كلثوم.

شاركتم مع مطرب الروك الشهير كيني روجرز.. اروِ لنا “كواليس” المشاركة؟

تعاقدت أرامكو مع الفرقة لإحياء حفلات رأس السنة بالظهران من  1963إلى 1965، وفي العام الأخير  شاركت فرقة أمريكية للمطرب الشهير “كيني روجرز – Kenny Rogers”، وكنا نتبادل الأدوار ساعة بساعة.

كنت شاهداً على أولى حفلات المطرب محمد عبده، فما قصة ذلك؟ 

كانت فرقتي تحي حفلات كل 3 أشهر، لنادي الضباط بمطار الظهران الجوي، وفي إحدى الحفلات عام 1964 فوجئنا بدخول رجل أسمر برفقة شاب لم يتجاوز السادسة عشر من عمره، وكلا منهما يعتمر غترة أو طاقية بدون عقال، وقد قدمهما الى قائد الفرقة أحد الضباط المسؤولين في النادي، وهما الفنان والملحن القدير عمر كدرس والمطرب الصاعد آنذاك محمـد عبده،  فحمل الأخير العود فيما أمسك عمر بالكمان وشدا عبده بأولى أغانيه. 

ما سبب تفكيك “أوركسترا الخبر”؟

في منتصف عام 1996 تقريباً، تفككت الفرقة الفضية وذلك لأنها مكونة من الطلبة الذين أنهوا المرحلة الثانوية، وبعض أعضائها من موظفي أرامكو الذين حصلوا على بعثات خارجية لاستكمال دراستهم.

سمعنا أنك أسست فرقتك الموسيقية في بداية السبعينيات.. فما صحة ذلك؟

في تلك الفترة كانت تأسست فرقة موسيقية أطلق عليها فرقـة تلفـزيون الدمـام الموسيقيـة، وذلك لأنها ارتبطت بتقديم فقرات موسيقية لبرنامج ثقافي حديث اسمه “ثوانـي و أرقـام ”  والذي كان يقدمه الإعلامي الأستاذ، فهمي بصراوي في الفترة من 1969 الى 1970،  فاتصل بي أحد الإخوة وطلب مني الانضمام للفرقة عـازف كمـان، فوافقت وشاركت في جميـع حلقـات البرنـامج .

في عام 1969م  أسست فرقة ” الأمل الموسيقية ” في مدينة القطيف، وكان أول أعمالها إحياء حفـلاً كبـيراً سـاهراً للفنـان السـعودي الكـبير “عبـد العـزيز الهزاع ” وذلك على خشبة مسرح نادي البـدر “الترجي حاليـا” بالقطيف. وكان ذلك بمناسبة دمج فريقي الشاطئ والبدر بعد سنين طويلة من التشاحن بين الناديين ليكونا فريقا واحداً تحت إسم (الترجي). وكانت تضم مجموعة من الموسيقيين الهواة، مازلت أتذكر بعض منهم: حسن السنان (شقيقي) – على آلة العود، حسن الزاير – على الكمان، عبد الله الزاير – على الكمان، سعيد آل ناس – على الكمان، سيد محمد المعلم – على الكمان، فريد الحداد – على الناي، غالب الحجي – مغني.

كانت الفرقة بمثابة خبر مولد ملحن سعودي في العالم العربي.. فكيف انطلقت بعدها؟

حلت الفرقة نفسها بعد عام واحد من تأسيسها، بسبب الظروف السياسية المتوترة التي كانت تعصف بالشرق الأوسط، بعدها تم تنفيـذ هاتين الأغنيتين ضمن ألبوم مشـترك مع المطربة “أنغـام” تحت عنـوان “شـايفاك” الذي أنتجتـه شركـة الخيـول.

 

 

كانت لك تجارب عالمية.. احكِ لنا عنها؟

على فترات متقطعة بدءاً من عام 1969، ألفت قطع موسيقية، كما لحنت مجموعة من الأغنيات والقصائد التي لم يكتب لها أن تسجل على اسطوانات أو أشرطة كاسيت، حيث أنتجت وشاركت في صنع لحنين لثنائي فلبيني يعرف بـ”ETCETERA”،الأغنية الأولى بعنوان “DANCER KA BA” والأغنية الثانية “DI MAGAWA”  وذلك في عام 1982.

 

لكل فنان فترة نضج فني.. فهل تعتبر التسعينيات فترة نضج محمد السنان الفني؟

في عام 1992 أيضاً، لحنت أغنيتين (باللهجة المصرية) للمطربة “أنغام” من كلمات الشاعر الغنائي/ عـزت الجندي، وهما: 1)  شايفاك 2)  عين الهوى

في عام 1994م شاركت في الألبـوم الأخـير للفنـانـة المصرية عفاف رضا، الذي ضم أربع أغنيـات، ثلاث من تلحيني، والرابعـة من تلحين الأستاذ/ أحمـد ناصـف، كما لحنت نشـيد “المنتخب عـز الوطـن”، بمناسبة مشاركة المنتخب السعودي في كأس العالم لكرة القدم سنة 1994.

كما لحنت أغنية إنسانة  للمطربة السعودية “الجوهرة” للمشاركة في “مهرجان القاهرة الدولي الخامس للأغنيـة”، عام 1999، حتى جاء عام 2001 حيث طرح ألبوم نغم و طـرب 2001 الذي لحنت فيه أغاني خليجية ومصرية لسوزان عطيه والمطربة سمرة والمطربة السعودية نجلاء محمد.

كنت خير ممثلٍ للوطن في مهرجانات فنية عربية.. احك لنا عن دورك فيها؟

لقد شاركت في مهرجـان القاهـرة الدولي الثـاني للأغنية عام 1996 بأغنيــة ” باحلـم بالنـور”، وعام 1998 كنت عضو في لجنة تحكيم حلقتين من برنامج “نجوم العرب” المُذاع على القناة الأولى المصرية، ومثلت المملكة في ” مهرجان النيل الدولي الأول لأغنية الطفل” الذي انطلقت فعاليـاته في سـبتمبر 1998م.

 

 

وعام 1999 شاركت في مهرجان القاهرة الدولي الخامس للأغنية، بلحنين لأغنية ” يابن آدم” كلمـات الشاعر/ علـي عسيري، وأغنيـة ” غربـة” وهي من كلماتي.

وعام 2000، عضو لجنة التحكيم في مهرجان “أوسكار الأغنية المصـورة ( فيديو كليب)”، و شـاركت في مهرجان القاهرة الدولي السادس للأغنيـة، بلحـن أغنية ” أنا إنسانة “، كما كنت عضو اللجنة العليا لمهرجان العود الذهبي للأغنية العربية وكذلك عضو للجنة التحضيرية.

كما تم اختياري الأمين العـام للجنـة العليـا في ” مهرجان الرواد العرب” 2002، وعضو في لجنـة التحكـيم ” مهرجان أوسكار الأغنية المصـورة الثــاني ( فيديو كليب ) “،2001 وكذلك المهرجان الرابع عـام 2003 والدورة الثامنة عـام 2007

ما مصير فرقة كورال الأطفال التي أسستها؟

قبل حوالي خمس أعوام سعيت إلى إنشاء فرقة كورال للأطفال بالتعاون مع إبنتي روان التي تكفلت بتدريب أصواتهم على الصولفاج ليتم اختيار الأصوات المناسبة واستبعاد الأصوات غير المناسبة. وقد تقـدم لهذا المشروع ما يزيد عن ستة عشر صوتاً تم اختيار ثمانية أصوات، وكانت أولى تجاربهن ملتقى الإبداع الثقافي في منزل الفنان التشكيلي الأستاذ عبد العظيم الضامن بمناسبة يوم السلم العالمي.

لم يتوقف عطائك على التلحين بل كانت لك مشاركات ثقافية، كيف تمت؟

بالفعل الحمدلله شاركت في العديد من الفعاليات الثقافية، حيث ألفت كتاب “الموسيقا والحضارة” عام 2016، بتكليف من جمعية الثقافة والفنون، وعام 2013 كنت عضو في في اللجنـة الاستشارية لجمعيات الثقافة والفنون في المملكـة، قسم الموسيقى، هذا إلى جانب تأسيس مدرسة السنان لتعليم الموسيقى للجنسين، لسن فوق 18 عاماً.

كما كلفتني الإدارة العامة للجمعية السعودية للثقافة والفنون، لترأس الوفد السعودي للمشاركة في جمعية اللحن من أجل الحوار بين الحضارات في مقر منظمة اليونسكو في باريس والولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2007.

وكلفني مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، لأكون مستشار للبحث الذي ستقدمه أحد الباحثات لفصل الموسيقى.

صورة رقم (36)

ماذا تفعل حالياً؟

 أعكف حالياً على تأليف كتابين، الأول منهج أكاديمي متكامل لتعليم العزف على آلة الكمان، أما الكتاب الثاني فهو لتعليم العـزف على آلة العـود.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×