من ممرات “العناصيص” إلى الطرق “الشريانية”.. 12 حكاية وراء شوارع القطيف ملوك وبسطاء وأسماء تاريخية.. الصفيان لـ"صُبرة": تسمية شارع بيتك لها معايير
القطيف: نداء آل سعيد
“الشوارع حواديت” هكذا عبَّر الشاعر المصري صلاح جاهين، عن حكايات الشوارع المخلدة، التي ليست أسماؤها مجردة من كل شيء، فالشوارع تحمل هوية مثلنا تماماً، وتحتل جزءاً من ذاكرتنا، ففيها حكايات ملهمة ومدارسنا منذ الصغر وأشخاص أثروا فينا، ومخاوف من شوارع بعينها لا تتحملنا أبداً وأخرى احتوت مخاوفنا كأنها تقسو علينا مثل أمهاتنا، وشاهدة على ضحكات صبايا تعلو وفجأة تخفت خجلاً.
محافظة بحجم القطيف تبلغ مساحتها 611 كيلومتراً مربعاً، حسب خرائط “غوغل”، وتضم المحافظة 5 مدن، هي: القطيف الأم التي تكوّنت من مجموعة قرى؛ هي: القلعة، الشريعة، الكويكب، ميّاس، الدبابية، الشويكة، المدارس، باب الشمال.
وهناك مدن: سيهات، صفوى، عنك، وكذلك جزيرة تاروت التي تضم أيضاً سنابس، الزور، دارين، الربيعية.. إضافة إلى الأحياء الحديثة.
وهناك قرى وبلدات أخرى: الجش، الملاحة، أم الحمام، الجارودية، الخويلدية، التوبي، الأوجام، أم الساهك، حلة محيش، البحاري، القديح، العوامية، النابية، أبو معن، الخترشية، الرويحة، الدريدي.
ويصل عدد الشوارع والطرق في محافظة القطيف إلى 4142 شارعاً و158 طريقاً رئيساً، لكل منها حكايته، لكننا اكتفينا بالإشارة إلى 15 شارعاً، قد يقع فيها بيتك أو مدرستك.
خالد الفرج
حسب إفادة الباحث عدنان العوامي؛ فإن أقدم طريق “شرياني” بالمفهوم البدائي؛ هو الطريق الذي شقّه رئيس بلدية القطيف خالد الفرج، بين القطيف والدمام. وبظروف أربعينيات القرن الماضي؛ فإن كل ما عملته البلدية، وقتها، هو توسعة طريق ريفي، وإزالة النتوءات من أرضيته “العناصيص” التي يمكن أن تؤذي الناس.
وهذا الطريق لم يعد مستخدماً اليوم. وفي 6 أكتوبر 2018؛ نشرت “صُبرة” تقريراً مفصّلاً عنه بعد جولة ميدانية، ويمكن الاطلاع عليه من الوصلة التالية:
[رحلة مصوّرة] صُبرة تعبر أقدم طريق “شرَياني” ربط القطيف بسيهات والدمام
من “الملك عبد العزيز” إلى القدس.. تسمية الطرق الرئيسية
لكنّ أول طريق حقيقي ما زال مستخدماً حتى اليوم، هو طريق الملك عبدالعزيز الذي يخترق مدينة القطيف من حي الشويكة جنوباً حتى حيّ الناصرة شمالاً، وهو طريق على طريق التطوير، ضمن مشروع واسع جداً.
طريق الملك عبدالعزيز الآن، في صورة جوية للمصور علي أبو الليرات. ويظهر حي البستان يميناً وحي البحر يساراً
بدأ العمل بهذا الطريق في بداية الستينيات الميلادية، وتطلّب تنفيذه إزالة سوق قلعة القطيف الغربي، وهو يمتدّ من الشويكة إلى نقطة التقائه ـ اليوم ـ بطريق أحد.
طريق الملك عبدالعزيز في أوائل الثمانينيات، والسيارة الحمراء قادمة من الموقع المعروف اليوم ميدان القلعة. من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات.
وكأن التاريخ اجتمع ليتفق على أن تطل قلعة القطيف الأثرية، وأرض طريق الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، في هذا المشهد الذي يجمع التاريخ القديم والدولة الحديثة.
الطريق داخل المدينة نعم.. لكنه طريق شرياني ربط القطيف بعنك وسيهات.. ليصل إلى شارع الملك سعود في الدمام.
وهو اليوم يتقاطع مع شارع الرياض وشارع أحد في القطيف، بالتوازي مع شارع الملك فيصل وطريق الخليج، وهو شارع تجاري، كما يمر بميدان معروف بقلعة القطيف الأثرية والجزء المتبقي منها حتى الآن، كما يمر بفرع المؤسسة العامة للري.
طريق الملك عبدالعزيز في الثمانينيات.. عن اليمين موقع صيدلية الشفاء، وعن اليسار معرض شرّوفنا. من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات
طريق الملك عبدالعزيز في الثمانينيات من الجهة الآتية من دوار اللؤلؤة. من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات.
طريق الملك عبدالعزيز من مدخل حي الشويكة، متقاطعاً مع طريق الرياض. من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات، أثناء تنفيذ مشروع توسعة مدخل مدينة القطيف أواخر الثمانينيات.
طريق الإمام علي بن أبي طالب
والإمام علي بن أبي طالب، يتجلى شارعه في هدوء مثل طباع حامل اسمه وصبره، حتى يبلغ الصبر منتهاه للتمشية في “أطول طريق في القطيف” مثلما يشعر المارة، ممتداً من صفوى ثم العوامية وصولاً للقطيف.
طريق الإمام علي الآن بتصوير جوي من علي أبو الليرات.
هذا الطرق هو الثاني في طرق القطيف الشريانية، بعد طريق الملك عبدالعزيز، وقُصِد من إنشائه أواخر الخمسينيات ـ أو بدايات الستيينات ـ ربط القطيف بالقرى الشمالية وصولاً إلى صفوى، ومن طريق راس تنورة. ولعقود طويلة كان هذا الطريق جزءاً أساسياً في شبكة المواصلات الممتدة من الظهران إلى راس تنورة، إلا إذا التفتنا إلى الطريق المعروف بـ “طريق الكويت القديم”.
طريق الإمام علي في السبعينيات من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات. والنخيل الظاهرة في الصورة حي شمال حي باب الساب، وعن اليسار حي الوسادة.
طريق الإمام علي شرق بساتين بلدة القديح، وفي آخر الصورة يظهر مسجد “أبو عزيز” في قرية البحاري. الصورة قديمة من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات.
طريق الإمام علي اليوم في آخر جزء منه داخل مدينة القطيف، من تصوير نداء آل سعيد
طريق الملك فيصل
ما إن تطأ قدمك شارع الملك فيصل بن عبدالعزيز، الرئيسي، الذي يبلغ عرضه 60 متراً، حتى تستمع لمزيج من الأصوات بين طلاب المدرسة المتوسطة بالقطيف، وباعة المحال التجارية، ومستشفى يظل هادئاً، يتقاطع هذا الشارع الحيوي مع شارع الملك عبدالعزيز شرقاً الممتد إلى سيهات.
لسنوات طويلة عُرف هذا الشارع باسم “شارع المحيط”، وهو يقع غربيّ مدينة القطيف، وقد نُفّذ بين جانبي مصرف زراعي عميق “سد”، وهو يمتد من نقطة التقائه طريق الرياض حتى طريق أحد عند قرية البحاري، وفي المستقبل؛ سيتمدّ هذا الطريق ليكون جزءاً من الطريق المعروف بـ “شارع التحدي”، مروراً بالبحاري والقديح والعوامية، وصولاً إلى صفوى.
صورة قديمة طريق الملك فيصل المعروف بشارع المحيط، في نقطة تقاطعه مع طريق الرياض. على اليسار حلة محيش وعلى اليمين الشويكة. من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات.
صورة جوية من الوقت الراهن.. اليسار شارع الملك فيصل ، اليمين شارع الملك عبد العزيز (الشويكة)، من تصوير علي أبو الليرات.
شارع القدس
إذا كنت ترغب في شراء بيت أو أثاث لمنزك أو أجهزة إليكترونية، فستقصد شارع القدس، هذا الاسم الذي أطلق عليه نسبةً إلى قدسنا الفلسطينية، ليصبح بدوره أهم شارع في تاريخنا العربي وتاريخ أسماء شوارع القطيف في ذات الوقت، يبلغ عرضه 60 متراً يتقاطع مع شارع أحد ثم شارع الرياض إلى شارع سلمان الفارسي في مدينة عنك.
بدأ إنشاء الشارع في الثمانينيات، ليبدأ عند نقطة التقائه طريق أحد، وينتهي عند نقطة تقاطعه ـ اليوم ـ بطريق الرياض. لكن التنمية وظهور حي المجيدية مدّت الطريق إلى مدينة عنك جنوباً.
شارع القدس في بداية الثمانينيات، يلتقي به شارع الجزيرة. وعن اليمين حي البحر، وعن اليسار المنطقة الخامسة والمزروع (هـ). من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات.
صورة جوية لشارع القدس اليوم، من تصوير علي أبو الليرات.
صورة جوية لشارع القدس من نقطة بدايته والتقائه طريق أحد
طريق أحد
قصة هذا الطريق عجيبة وغريبة، بدأ إنشاؤه أواخر الخمسينيات، ضمن مشروع ربط القطيف بجزيرة تاروت. لكن التنمية جاءت بما لم يكن الناس يتوقعون. ففي أواخر السبعينيات بدأ يمتدّ غرباً من نقطة التقائه شارع القدس، حتى آخر قرية البحاري، في نقطة التقائه شارع الملك فيصل.
وفي أواخر التسعينيات جاء مشروع تأسيس مدخل القطيف الجديد، لتُزال جميع النخيل الواقعة في امتداده، وصولاً إلى كوبري الآوجام الآن. ويُعرف الجزء الغربي من الطريق بـ “شارع الهدلة”،نسبة إلى بستان أزيل من أجل تنفيذ المشروع.
الطريق الذي حمل اسمه تخليداً لذكرى غزوة أحد، يمتدّ إلى نهاية جزيرة تاروت. ولموقعه الجغرافي المميز اختارته العلامات التجارية والمطاعم ليكون مقراً لها بالقطيف.
طريق أحد في بداية الثمانينيات، والطريق القادم من يمين الصورة هو شارع القدس الآن. وعن يسار الصورة البحر المدفون لصالح حيّ المشاري الغربي. من تصوير الحاج علي أبو الليرات.
طريق أحد في بداية الثمانينيات، وعن يمين الصورة متنزه القطيف في موقع قرية القطيف الترفيهية اليوم، وعن يسار الصورة حيّ الحسين وأحياء الناصرة. من تصوير الحاج علي أبو الليرات.
طريق أحد في بداية الثمانينيات، وعن يمين الصورة موقع عمارة المرزوق في حي الحسين اليوم، وعن يسار الصورة مجمع “سنتر بوينت الآن”. من تصوير الحاج علي أبو الليرات.
طريق أحد في بداية الثمانينيات، وعن يسار الصورة مجمع “سنتر بوينت الآن”. وفي آخر الصورة يتوقف الطريق عند نخل “المسافري” بقرية البحاري، قبل تنفيذ “طريق الهدلة”. من تصوير الحاج علي أبو الليرات.
طريق أحد في بداية الثمانينيات، وعن يمين الصورة سور متنزه القطيف، موقع قلعة القطيف الترفيهية الآن، وعن اليسار أحياء الناصرة الآن بعد دفنها، وقبل إنشاء المنازل فيها. من تصوير الحاج علي أبو الليرات.
صور جوية لطريق أحد الآن، من تصوير علي أبو الليرات.
طريق الرياض
لم يكن طريق الرياض أطول من المسافة الفاصلة بين شارع الملك فيصل وآخر المنطقة الخامسة في مدينة القطيف. لكنّ الصورة التي هو عليها الآن تسرد قصة أطول بكثير، فقد امتدّ إلى الضفة الأخرى من جزيرة تاروت، في حي الشاطيء، وواصل امتداده إلى آخر الجزيرة في طريق سنابس دارين، اليوم.
في عام 2006؛ تمّ إنشاء ثاني جسر يربط المدينة بالجزيرة، ليشكل إضافة حيوية لشبكة النقل في محافظة القطيف كلها.
طريق الرياض في الثمانينيات، من تصوير الحاج عثمان أبو الليرات
جسر طريق الرياض اليوم، من تصوير علي أبو الليرات
طريق الخليج العربي
تخليداً لساحل اللؤلؤ ساحل الخليج العربي، كان طريق الخليج العربي الذي يربط بين طريق الرياض في القطيف وطريق الملك بن عبدالعزيز في الدمام.
كورنيش القطيف جزء من طريق الخليج
شارع الشيخ محمد الجيراني
على بُعد 600 متر من مدرسة الربيعية الابتدائية، و1.2 كم عن مسجد الإمام الحسن، يقع شارع الشيخ محمد الجيراني رحمه الله، في حي الربيعية في تاروت بالقرب من منزل الشيخ الراحل، لكن لهذا الرجل قصة يتذكرها أهالي القطيف، ولد ببلدة الربيعية، وعمل قاضياً بدائرة الأوقاف والمواريث بالقطيف، عُرف بعمله الوطني لكن انتهت قصته بقتله قتلة شنيعة على أيدي إرهابيين.وقد أكرمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
شارع الجيراني، من تصوير نداء آل سعيد
شارع الحاج عبد الله المطرود
بحلول عام 1956 أسس الحاج عبد الله المطرود، أول جمعية خيرية سعودية، وأنشأ أول دار مسنين في المملكة، يتوارث أهالي القطيف حكايته فخراً بما فعله لخدمة مجتمعه، ولإنشاء مشاريع رائدة بالمجتمع، مثل تأسيس أول مغسلة بالخليج والسعودية، أول مصنع لإنتاج الألبان والعصائر، أول مخبز لحبوب الإفطار، تأسيس مزرعة أبقار، ظلت الحكايا عن أعماله الريادية تنتقل من جيلٍ لجيل، وبمحبة غامرة أحاطت المطرود، وثقت أمانة المنطقة الشرقية اسمه على شارع خلف منزل عائلة المطرود بسيهات.
شارع الشيخ جعفر أبو المكارم
ولأول مَن أقام بالناس لصلاة الجمعة بالقطيف، محبة أخرى، حيث أطلق اسم عالم الدين الشيخ جعفر أبو المكارم، على أحد شوارع مدينة سيهات، تخليداً لذكراه.
شوارع داخل الأحياء
وهي الشوارع الرئيسية داخل الحي الواحد، التي لا يقل عرضها عن 25 متراً، وتختار أمانة المنطقة الشرقية لها أسماء معتبرة مثل أسماء الأمراء والصحابة والتابعين والشخصيات العامة مع مراعاة أهمية الشارع:
شارع الأرقم ابن الأرقم
في كل بلدٍ عربي توجد “دار الأرقم” لتحفيظ القرآن، نسبة للصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم، الذي اتخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بيته مقراً للدعوة ومجلساً لتعلم القرآن والشريعة، شارك في كل الغزوات مع النبي الأكرم، هاجر من مكة للمدينة ومات بها في سنة 55 هجرية، على بُعد 350 متراً من الشارع توجد مدرسة حذيفة بن اليمان المتوسطة ومدرسة جعفر بن أبي طالب الابتدائية.
من تصوير نداء آل سعيد
شارع المتنبي والرازي
في حديقة الناصرة؛ ستشعر بالارتياح لمجرد الإطلالة البهية اليومية على شارعي المتنبي وأبو بكر الرازي، الأول الشاعر العراقي أبو الطيب المتنبي الذي حلف بشعره واستشهد بـ”الليل والخيل والبيداء” على محبته، بينما الثاني شغلته علوم الكيمياء والرياضيات والفلسفة، أبو الطب وجالينيوس العرب ومؤلف كتاب الحاوي في الطب.
من تصوير نداء آل سعيد
كيف يختار المسؤولون أسماء الشوارع؟
محمد الصفيان، المتحدث الرسمي بأمانة المنطقة الشرقية
تطبق أمانة المنطقة الشرقية أنظمة متطورة في تسمية وترقيم الشوارع، من خلال إعطاء الشوارع باتجاه الشرق: أسماء صحابة أو تابعين، شعراء، أدباء والمفكرين، علماء وأئمة، بالاعتماد على تصنيفات معجم وزارة الشؤون البلدية والقروية، كما أن هناك معجم مدن ومواقع جغرافية وصفات، وتختار الأمانة أسماء موحدة للحي الواحد مثلاً صحابة فقط أو علماء فقط أو مدن.
فيمّا تعطي الشوارع المتجهة من الشمال إلى الجوانب، أرقام متسلسلة، مثل 1، أو تضيف أحرف مثل: 1 أ، 1 ب، 1 ج، وهكذا.
وقال المتحدث الرسمي لأمانة المنطقة، محمد الصفيان، لـ”صُبرة” “إن آلية اعتماد الأسماء الحديثة غير مذكورة بالمعجم المعتمد من وزارة الشؤون البلدية والقروية، لكنها تتطلب دراسة من لجنة التسمية والترقيم والعرض على نظر أمين المنطقة الشرقية والأخذ برأي إمارة المنطقة الشرقية للموافقة والاعتماد”.
وبيّن الصفيان، أن هناك معايير عند تسمية الشوارع “يتم مراعاة عدم ازدواجية الأسماء في شبكة الطرق ضمن الحي الواحد في المدينة”.