أحمد الضبيكي.. أول نصف دكتور في القطيف…! "مقاني".. أمّي تعلم الكشف والحقن وخلع الأسنان.. وواجه 3 أوبئة عالمية

القطيف: ليلى العوامي

أحمد الضبيكي.. أو “الدكتور مقاني”…! ربّما لم يكن شخصية لامعة، لكنّه مثّل الجيل الأول من العاملين في الصحة، في القطيف. لم يعرف القراءة والكتابة، مع ذلك؛ تدرّب على الكشف على المرضى، وحقنهم بالإبر، وخلع الأسنان، وعاصر ثلاثة أوبئة اجتاحت العالم ووصلت إلى المنطقة الشرقية. وأمضى عقوداً طويلة في مستشفيات القطيف، من أول مستشفى فيها في قرية الشريعة، إلى مستشفى القطيف المركزي.

عمره من عمر القطيف وهي في الحكم السعودي، ولد أحمد الضبيكي بعد انضمام القطيف إلى حكم آل سعود بأربع سنوات، تحديداً عام 1334 هجرياً “1917 ميلادياً”، وبقي شاهداً على تاريخ مدنها وقراها وتحولاتها بشخوص وأماكن ووظائف اندثرت وأخرى أحيت من جديد.

لمدة 77 عاماً، عاصرَّ الضبيكي الشهير بـ”مقاني”، تحولات المملكة ونشأة أرامكو في ، واختتم حياته بسيرة طيبة ليتذكره أهل القطيف حتى يومنا هذا.

كانت “التابعية” جواز سفره وعبوره إلى الأماكن الحكومية وبطاقة هويته؛ ليظهر على الجانب الأيمن بوجهه  المميز لمثل هذه البطاقات.

“كان مساعداً للجميع، تحت أي ظروف وفي أي وقت”، مثلمّا يقول ابنه زكي، دون تفرقة غير مبالٍ بمناصبهم أو تقديرهم على أساسها، لديه العديد من الألقاب بين الضبيكي ومقاني، كان مقصداً الجميع.

56 عاماً من الطب وحب الطهي

بخفة يد في إعطاء الحقن وخلع الأسنان، ويد تحنو على الجروح أثناء مداوتها، امتهن الطب وعمل مراقباً صحياً، وفي نفس الوقت مسؤولاً عن تسليم الموظفين رواتبهم، لمدة 56 عاماً كانت كفيلة ليكون مصدر الفرح الأول؛ حيث كان شريكاً في لحظة شفاء المريض.

كان بارعاً في الطبخ هوايته التي ينفس فيها تعب يوم طويل وشاق بين خدمة المرضى وبين مهنته التي أحبها؛ مشوار طويل بدأه في العشرينات من عمره، وقته كان موزع بين المستشفى والسكن غير المستقر، بسبب التنقلات الكثيرة في بداية حياته؛ من الكويكب مكان الولادة إلى القلعة، لينتقل بعد “القص” إلى حي الدخل المحدود؛ والسكن في منزل بالإيجار لمدة أربع أشهر، ثم الانتقال إلى شارع أحد، لينتهي به المطاف إلى منطقة الخامسة ولم شمل أسرته التي أرهقها كثرة التنقل.

“ليشركهم في أمره”

رزقه الله بـ 10 بنين و10 فتيات، ليشركهم في أمره سنداً له في الكِبَّر ودعوة صادقة من أبناء صالحين عند الممات، هم: عبدالعزيز، زكي، مهدي، علي، خالد، حسين، أسامة، محمد، حسام، منير، أما السيدات، هن: نجاح، دلال، نوال، ياسمين، هند، زهراء، هدى.

 

في العراق مع بعض أبنائه

صداقات الضبيكي

سيرته الحسنة تعبر إلى قلوب الآخرين، هادئ الطلة وطيب المعاملة، ما جعله صديقاً ومحظياً بالمحبة التي ألقاها على قلوب أصدقائه من الأطباء حاملي الجنسية المصرية والفلسطينية؛ بينهم: الدكتور نصَّار، عبدالغفور، عبدالحكيم، فيما كونَّ خلال سنوات عمله في الرقابة الصحية الأصدقاء التالي ذكرهم: مجيد الزاير،  الحاج علي بن جاسم من الخويلدية، أحمد كويس، أحمد الليرات “في الصيدلية يقوم بعمل البراهم”، السيد حسن السماك،  عطا الله  الطبيب الفلسطيني الذي عمل مديراً للوحدة الصحية “المستوصف” آنذاك.

من “الصفاري” إلى الطب

من تلميع “الصفاري” بسوق القطيف؛ الكائن في شارع بدر حالياً، وصناعة قدوراً وتنظيفها، هذه الطريقة التي شقَ بها مقاني طريقه، مصطحباً ابنه الأكبر عبدالعزيز، الذي قال: “كانت مهمتي تحريك الحصيات الناعمه داخل القدور بدل “الليفه” كي تصبح لامعة”.

لكن اتخذت حياته مساراً آخراً، ليعمل بالمستوصف المطل على قلعة القطيف آنذاك، 3 غرف كانت كفيلة لاستقبال المرضى، لكن مع قلة عدد العاملين بالمستشفيات كان الضبيكي يداوي الجروح وطبيياً للأسنان في ذلك الوقت.

 

قال الابن الأكبر، عبدالعزيز الضبيكي “والدي كان ممرضاً يدق إبر ويخلع أسنان، وتوظف في المستشفى بالخبرة والتدريب ومنه أخذت المهنة، توظفت بالمستشفى الذي كان بالقرب من مدرسة الحسين بن علي بحي القلعة”.

أضاف: “والدي كان من مهامه توزيع رواتب الموظفين  بالإضافة إلى كونه ممرض  وطبيب أسنان وكان راتبه بالمستشفى  700 ريال من الفضة كان لها قيمتها، عمل معه ممرضات بالمستوصف مصريات وفلبينيات أما بالمستشفى فقد عمل معه ممرضات كثيرات”.

كان مروره على المستشفيات مرور الكرام، حيث عمل بالوحدة الصحية بالساحل لخمس سنوات، يتذكر المديرين ويحكي عنهم لأبنائه الذين يتذكرونهم حتى يومنا هذا: “مديره عبدالحكيم ثم أُنشأ مستشفى الشويكة، وكان آخر مدير للمستشفى شوقي المسلم حتى تم افتتاح مستشفى القطيف المركزي بالجش”.

في صفوف المواجهة

 

عام 1967  اجتاح الجدري العالم للمرة الأولى، كان أخطر وباءً في ذلك الوقت، طفحاً جلدياً وبثوراً وعدوى تنتشر بسهولة من شخص لآخر، ورغم عدم توافر الإمكانيات الطبية للكوادر الصحية وقتها، إلا أنهم واجهوا الإصابات، كان من بينهم الضبيكي يهرول مسرعاً بين الحالات، وبيدٍ منكشفة عارية تماماً من القفازات و”الجوانتي” كان يطيب الآلام المُحمرة بالمراهم الطبية، وقال عبدالعزيز؛ إن والده واجه مرض الجدري والطاعون والحصبة، على حد قوله، إذ كان المستشفى يعاني زحاماً شديداً. 

يتذكر الابن الأكبر أيامه مع وباء الكوليرا وموجاته المتتابعة، منذ عام 1961 حتى 1975، حين كان يقف على أبواب مستشفى القطيف العام بالشويكة؛ مستقبلاً المرضى وفي يده اليمنى الماء واليسرى الدواء؛ مضيفاً: “كنا نجلس عند بوابة المستشفى نستقبل الناس كي نقدم لهم أقراص الدواء والماء”.

كان يتحتم عليهم الوقوف من الفجر وحتى الظهيرة؛ ثم العودة من الرابعة إلى السابعة مساءً: “كان العلاج قديماً دقيقاً وكان والدي يقوم بتعقيم الإبر بإستخدام الماء المغلي”.

ما قصة مقاني؟

يروي زكي، الابن الثاني، قصة طريفة عن التسمية، التي ترجع لأحد أجداده: “لأن أحد أجدادنا كان جالساً في أحد المجالس وقام من مكانه وعندما رجع وجد شخصا جالساً في مكانه فقال له قوم عن “مقاني”، وهو لا يجيد النطق فصار الناس يسمونه مقاني ومشت على العائلة

كانت آراؤ موضع ثقة، وفقاً لزكي “كانت له علاقة وطيدة مع المسؤولين سواء في الإمارة أو الشرطة، حتى مع مسؤولين كبار في الصحة، أتذكر حين كنت معه، عندما يأتي الدكتور الشككلي في وزارة الصحة، مدير مستشفيات الشرقية وكان يسمع له”.

وأضاف: “رغم أن والدي لم يكن يعرف القراءة، لكن علاقاته الكثيرة كانت تمكنه من خدمة القطيف”، مشيراً إلى نصح الدكتور الشككلي له بدراسة الابتدائية.

 

“الدكتور مقاني” هكذا يتذكر الابن الأوسط زكي، مجلس العشاء في بيتهم، الذي طالما كان مفتوحاً لمسئولين بالإمارة والشرطة وأصدقائه، بحكم كونه ممرضاً من الطواقم الأوائل بالقطيف، بخفة يد في إعطاء الحقن وبتركيب قالب للأسنان وخلعها دون حدوث مضاعفات لمرضاه امتلك قلوب الجميع.

يروي زكي: “ذات يوم؛ قال لي  أحد أصدقاء أبي، يعقوب الأصمخ  عليه الرحمة: زكي هالبلد ظلمت أبوك وما عطته حقه”.

 

عمل “مقاني ” مراقبًا صحياً مع لجنة من الشرطة والإمارة والبلدية، أضاف زكي: “كنت أخرج معاه وكان شديداً ويتبع النظام لمراعاة صحة المواطن، ومسؤولاً عن مستشفى القطيف الشويكة، وكلمته ليس عليها كلمة عند المسؤولين”، بعدما تولى صالح الخنيني إدارة المستشفى تواصل معه المقاني لتوطيد العلاقات.

سمعَّ الضبيكي بأمر إغلاق مستشفى الشويكة، فهرع مسرعاً إلى الشيخ عبد الحميد، كانت إشارته بالتمسك بقوة بالمستشفى لموقعه بالقطيف، ثبتته على موقفه بعدم ترك المشفى لأنه يخدم أكبر عدد من أهالي المحافظة، هكذا يروي زكي الضبيكي.

عام 1994 فارق الضبيكي الحياة، لتنعاه إدارة مستشفى القطيف العام في الصُحف المحلية، راجية إليه الرحمة ومرسلة إلى ذويه الصبر والسلون.

 

 

‫6 تعليقات

  1. الله يرحمك ياجدي، تاريخ مشرف ومخلد بالذكريات الجميلة بكل فخر
    ابو محمد الضبيكي

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×