«نواعم» العوامية «وحوش» المشي.. بقيادة سمر الزاهر 40 فتاة قطعن 60 ألف خطوة خلال 10 ساعات
العوامية: معصومة الزاهر
قبل خروجها من المنزل؛ تقرأ وصاف أحمد آل سعيد أدعية الحفظ، سورة القدر وآية الكرسي، وتنطلق. أمام هذه السيدة مشوار طويل من الخطوات، ستمشيها برفقة زميلاتها اعتباراً من الدقيقة الأولى بعد منتصف الليل.
وصاف، وهي موظفة وأم لثلاثة أطفال، واحدة من فريق مشي نسائي في بلدة العوامية بمحافظة القطيف، تقودهن المُدربة سمر الزاهر. قررن في شهر صفر الماضي خوض تحدي مشي بمقدار 8 آلاف خطوة في اليوم، وهو الحد الأدنى الذي وضعته وزارة الصحة في تطبيق «صحتي».
قررت الفتيات رفع مستوى التحدي في شهر ربيع الأول، ليكون 20 ألف خطوة، وهكذا في كل شهر كن يرفعن عدد الخطوات وصولاً إلى 60 ألف خطوة، قطعنها خلال 10 ساعات قبل أيام.
القائدة سمر الزاهر
سمر الزاهر، بدأت التدريب بعد نيلها شهادة تأهيل أكاديمية، عام 2009. ورغم المسؤوليات المترتبة عليها، باعتبارها زوجة وأماً، كل ذلك لا يمنعها من ممارسة شغفها؛ الرياضة.
قالت لـ«صبرة» عن ماراثون المشي «لم نصل إلى هذا المستوى بين يوم وليلة، بدأنا من 8 آلاف خطوة، وتدرجنا فيها، نثبتها أحياناً، وننتقل إلى المرحلة التالية».
تحد يتلوه آخر
بدأت الفتيات تحدياتهن بـ20 ألف خطوة، والشهر الذي يليه كان 30 ألفاً، فـ40 ألفاً، ثم 50 ألفاً، والتحدي الأخير كان 60 ألف خطوة.
تشرح المدربة سمر حكاية الزيادة في التحديات «لمست حماس الفتيات، فكان التحدي يجرني إلى آخر. كنّ ينجزنّ المهمة، ولياقتهن في تحسن، وكان ذلك ملحوظاً في التمارين الأساسية التي ننفذها، وأيضاً من خلال النزول في أوزانهن، فبعضهن خسر حتى 20 كيلوغراماً».
لم تمر التحديات مرور الكرام، فالمدربة تشير إلى «انتقاد» تلقينه على الزيادة، ورأى المنتقدون أنها «فوق تحمل الإنسان، وأننا نهلك أنفسنا. وكنت أقول لا مانع من التجربة، ولا مشكلة لدينا في حال الفشل».
شهادة أكاديمية حصلت عليها سمر الزاهر في التدريب الرياضي.
تنافس وحماس منقطع النظير
لكنها لم تخف تخوفها «من عدم تحمسهن (الفتيات)، ولكنني جعلته تحدياً وسباقاً للفوز، وواقعاً؛ ابهرتني الفتيات بروح المنافسة التي لديهن، تنافسن بشكل وحشي، كل واحدة منهن تخاف أن تسبقها الأخرى، كن يبدأن خطواتهن بعد منتصف الليل، حتى يصلن إلى 40 ألفاً، وهو رقم التحدي».
تضيف الزاهر «انبهرت من قلقهن وجديتهن وحماستهن لإنجاز الخطوات المطلوبة في التحدي. شعرت بالغرابة والجمال في هذه الأرواح، حتى أن بعضهن لم يكن ينام».
في تحدي 50 ألف خطوة؛ قررت الزاهر جعل فتياتها يرتحن وينتظمن، تقول «أحب روح المنافسة، ولكن بشكل منتظم، فنسقت الجدول، وبدأت بالتحفيز النفسي والتشجيع، فـ50 ألف خطوة كانت في 24 ساعة، كل 6 ساعات عدد من الخطوات، تليها فترة راحة، وبرامج متنوعة. والفوز كان بالقرعة، وليس لمن ستنهي الخطوات أولاً».
التحدي الأخير
تحدي 60 ألف خطوة، الذي خاضته الفتيات قبل أيام، هو الختامي حتى الآن، فالمدربة سمر الزاهر لم تخطط لتحد جديد بعد، مع أنها تؤكد أن فتياتها «يستطعن أن يصلن حتى 100 ألف خطوة» بحسب قولها.
تضيف «قطعنا 60 ألف خطوة في 10 ساعات، ولم نحدد مسافة للانطلاقة، بدأنا 12 ليلاً من حي المشاري لمدة ثلاث ساعات، وتوقفنا لفترة راحة ونوم، واستأنفنا في السابعة صباحاً، وتوقف البعض في الـ11 صباحاً، فيما واصلت الأخريات إلى 12 ظهراً، والبعض بدأ من 12 ظهراً حتى السادسة مساءً، فيما الفريق الآخر استأنف في السادسة مساءً حتى الـ12 منتصف الليل، أي كل 6 ساعات 15 آلاف خطوة».
لياقة.. رشاقة.. صحة
بدأت الفتيات من الصفر، وبالتدرج؛ حتى وصلن الآن إلى «قمة اللياقة» كما تقول سمر، التي تتمنى «أن نخرج من مستوى لياقة المنازل إلى الشارع، لنساهم في نشر روح التحدي في المجتمع عموماً، خصوصاً بين النساء، لذا اقترحت على الفتيات أن تخوض كل اثنتين منهن تنافساً وتحدياً ثنائياً».
منذ 12 عاماً؛ تطمح هذه السمر إلى «خلق مجتمع رياضي وصحي، يحاول تغيير عاداته، فلا يجب أن نحرم أنفسنا ونعمل دايت قاسي ونرهق أنفسنا، ولكن يجب أن ننظر إلى المستقبل، إلى عشر سنوات من الآن، هذا مهم جداً».
وتؤكد على وجوب «أن نحافظ على صحتنا، لأنها أثمن ما نملك في هذه الحياة، وهي أساس لكل شيء، فحافظوا على صحتكم ولياقتكم، ولا تقصروا حياتكم على المقاهي والمطاعم، وتهملوا أهم جزء من أسباب بقائكم. ولعل هذا أحد الدروس التي تعلمناها من جائحة كورونا».
أمنيات الزاهر لا تتوقف، فهي تحلم «أن تشاركنا أخريات، ممن لديهن روح العطاء للمجتمع، حتى نملك روح التغيير والقدرة على تغيير المجتمع وقناعاته وعاداته الصحية».
كأس تكريمي قدمته الفتيات للمدربة سمر الزاهر.
بين الكورنيش والمنزل
إيناس جمال، عضو في فريق سمر الزاهر، وهي متزوجة وأم لثلاثة أبناء، وربة منزل. التحقت في الفريق قبل حوالى 10 أعوام، ولكنها انقطعت عن ممارسة الرياضة في ظل جائحة كورونا، وعادت بعدها إلى التدريب.
تقول «بدأنا من 10 آلاف خطوة في اليوم، وبالتدرج رفعنا عدد إلى 20 ألفاً، وصولاً إلى 60 ألف خطوة، والحمد لله».
تضيف «نقسم وقت المشي، فنبدأ بعد منتصف الليل مباشرة ونستمر إلى ما قبل منتصف الليلة التالية. ونمارس المشي في الكورنيش. وبما أنني ربة منزل، ولدي التزاماتي اتجاه بيتي وأولادي؛ لذا أكمل خطواتي في المنزل».
تشرح إيناس كيف قطعت الـ60 ألف خطوة «خرجت من المنزل 12 ليلاً، ومشيت حتى الثالثة والنصف فجراً، ثم عدت إلى المنزل ونمت. وفي اليوم الثاني مشيت من الثامنة والنصف صباحاً إلى 11 ظهراً بشكل متواصل، ثم بشكل متقطع أثناء قيامي بواجباتي المنزلية، ولم تأت الخامسة مساءً حتى أنهيت 62 ألف خطوة».
تحقيق المستحيل
تفخر إيناس بأنها مشت 60 ألف خطوة وأكثر خلال هذا الشهر 4 مرات. تقول «البداية كانت 10 آلاف خطوة. وكنا نعتقد أن من الصعوبة قطع هذه المسافة خلال يوم واحد، ثم تطورنا وتعودنا على المشي، وعندما وصلنا إلى 40 ألف خطوة، ظن الجميع أنه من المستحيل تجاوز هذا الرقم، ثم أخذنا الحماس الذي كانت المدربة سمر تبثه فينا، فهي تخرج معنا. والحمد لله حققنا ما كنا نظنه مستحيلاً».
تخطط إيناس أن تمشي 100 ألف خطوة في اليوم، مرة في كل أسبوع على الأقل، وتبرر ذلك بالقول «بعد الانتهاء من الخطوات؛ تشعرين بشعور غير طبيعي، وكأنك خفيفة كطفل يأتي ويذهب، المشي يجعلك أصغر في العمر، وتعودين أجمل».
برنامج غذائي.. ورياضي
البرنامج الصحي لإيناس لا يقتصر على المشي، فهو يتضمن برنامج غذائي، والتمارين الرياضية، والخطوات «من أجل التشجيع والتحفيز»، مضيفة أن «المدربة سمر جعلتنا نستمر وننجز ونبني على ما وصلنا إليه».
ربما لم تكن إيناس وزميلاتها يحلمن أن يمشين 60 ألف خطوة في اليوم، ولكنهن فعلنها، ومع ذلك هن لا يشعرن بالتعب، تقول «اكتشفنا أن هناك طاقة كامنة في دواخلنا، اوصلتنا إلى أبعد من أهدافنا».
وتستعرض بعض ما جنته من ممارسة هذا النمط الحياتي «منها نزول وزني خلال أربعة أشهر حوالى 13 كيلوغراماً، وتحسن نفسيتي ولياقتي، وثقتي في نفسي، وتوسع أهدافي في الحياة عموماً».
رسالة إلى كل أم
بين كل تمرين مشي وآخر؛ تجري إيناس لـ200 خطوة، وفي كل ليلة وقبل النوم تتلقى وزميلاتها في الفريق نظام الغد، تقول «تضع لنا المدربة نظام الفطور والغداء والعشاء، كما تضع لنا مهمة؛ مثلاً 20 ألف خطوة».
تضيف «أن هذا النمط ليس مهلكاً أو متعباً، وهي (المدربة) لا تضغط علينا، العكس؛ برنامجها غير نفسياتنا، التي تحسنت، وأصبحنا نشعر بالسعادة دائماً»، مؤكدة أن الرياضة والمشي «قلبوا حياتي كاملة».
وتوجه رسالة إلى كل أم «ان تثق في قدراتها، وتعيد جدولة حياتها، وتخصص وقتاً لنفسها. وهكذا ستحب نفسها أكثر وتنجز أكثر»، مضيفة «أنتِ قدها».
المشي: المحور الثالث
سابقاً؛ كانت حياة أنوار آل ربح (24 عاماً) تدور بين محورين؛ الأسرة، وتصوير الأطفال، لكن التحاقها في فريق سمر الزاهر قبل عامين، أضاف لها محوراً ثالثاً؛ المشي.
لأنوار بنت عمرها 5 سنوات، وولد 3 سنوات، تقول «مارست الرياضة حين كان عمر ولدي سنة. وانقطعنا قبل عام، إثر جائحة كورونا، واستمر الانقطاع 7 أشهر، حيث رجعنا نمارس الرياضة مع المدربة سمر».
بعد العودة؛ مارست أنوار وزميلاتها الجري في أول أسبوعين، بعد العودة «لنستعيد مستوى لياقتنا السابق قبل الجائحة، فلقد بدأنا من الصفر»، مضيفة «بعد أسبوعين وصلنا إلى مستوى اللياقة المطلوبة. وإضافة إلى المشي والرياضة كنا نطبق نظاماً غذائياً، هدفه خسارة الوزن».
وزن وكتلة جسم مثاليين
تشعر أنوار بسعادة غامرة، ففي غصون 5 أشهر وصلت إلى الوزن المثالي، وأيضاً كتلة الجسم المثالية، تقول «كان حلماً بالنسبة ليّ أن أصل إلى هذا الوزن، لم أكن اتخيل أن أصله في هذه المدة».
تضيف «في بداية الرجوع إلى الرياضة بعد الجائحة؛ كنت أقول للمدربة سمر: حلمي أن تصل خطواتي إلى 20 ألف خطوة في الساعة.. فقالت لي: ستصلين وبتشوفي أكثر».
تقطع أنوار اليوم 10 آلاف خطوة خلال ساعة و20 دقيقة. تكمل «بفضل الله وجهودها وصلنا إلى إنجاز كبير، وهو 60 ألف خطوة خلال يوم واحد، ومن دون تعب، كان كل شيء مدروساً، من تقسيم الخطوات، إلى النصائح، وكيفية تناول الوجبات، أنجزنا ذلك بكل خفة وحماس».
مشي وركوب الخيل
ترى وصاف آل سعيد، الرياضة من أولويات حياتها، تبرر ذلك «لأن اللياقة البدنية تساعدني على أن أبقى بصحة أفضل، وتمنحني الرياضة الطاقة الكافية للعمل المنزلي والوظيفي».
تقول «الحمد لله؛ فبتعاون أفراد أسرتي، وتنظيم الوقت تمكنت من أن استمر في النشاط الرياضي»، مضيفة «شاركت في كل التحديات، وكانت من أجمل التجارب في حياتي».
تشرح وصاف فكرة تنظيم الوقت، بالقول «أنا أم عاملة، متعودة على التخطيط المسبق، وإيجاد الخطط البديلة بسبب الظروف وضغط العمل. وزوجي أيضاً رياضي خيّال، وأشاركه هواية ركوب الخيل، وهو بدوره يشاركني رياضة المشي. ونتعاون مع بقية أفراد الأسرة في تنظيم وقت الرياضة وأداء الأعمال المنزلية والمذاكرة للأبناء».
رسالة شكر للمدربة سمر
توجه وصاف رسالة شكر وتقدير إلى «المدربة الغالية سمر الزاهر، على جهودها الكبيرة في تحفيزنا وتوجيهنا بكل ما تقدر عليه. وأنا أفخر فيها، واعتبرها قدوتي في الحياة، لأنها إنسانة قوية ومكافحة، بكل ما للكلمة من معنى، فمن اليوم الذي التحقت بفريقها شعرت بألفة وراحة. ولن أترك هذا الفريق».
مرت على وصاف «ظروف قاسية»، لكنها تقول «تحفيز المدربة سمر؛ مكنني من تجاوزها، والاستمرار في التدريب».
سوالف وعبادة وتصوير
رغم أن وصاف ورفيقاتها يمشين في أوقات متأخرة من الليل، لكنها تؤكد «لم نتعرض إلى مُضايقات مُطلقاً، سواءً من الرجال الذين نصادفهم أو الدوريات الأمنية، بل العكس، هذه التجربة عرفتنا مقدار الأمن الذي نعيشه».
وأكملت أنه «إذا كان زوجي معي فنستغل الوقت في السوالف، وإذا كنت بمفردي؛ فاقرأ قرآن كريم لبعض الوقت، واردد التسبيحات، وأكرر الصلاة على محمد وآل محمد، وأتواصل عبر سناب مع أهلي وصديقاتي، وفي غالبية الأوقات أمارس التأمل في الطبيعة، أو التصوير، فأنا أعشق المناظر والجمال والأشياء المميزة».
فقدان 23 كيلوغراماً
التحقت يسرى آل أحمد (30 عاماً)، في فريق سمر الزاهر قبل أقل من 7 أشهر، وتحديداً في 18 محرم الماضي، لكن خريجة الكيمياء، الأم لثلاثة أطفال، خسرت من وزنها خلال هذه الفترة 23 كيلوغراماً. وتقر بأن كل ذلك «كان بفضل المدربة سمر الزاهر».
تقول «بدأت مع سمر بعد فترة الحجر والانقطاع الطويل وزيادة الوزن، بدأت بجسم ثقيل ولياقة معدومة، وبفضل جهود هذه المدربة، وتحفيزها وصلنا إلى مستوى لم نكن نتوقعه في يوم من الأيام؛ لياقة وخفة في الجسم».
المهمة المستحيلة
كانت يُسرى ترى في قطع 10 آلاف خطوة «مهمة مستحيلة»، ولكنها قطعتها. وتدرجت إلى 12 ألفاً، و15 ألفاً، فـ20 ألف خطوة، تتذكر «مع كل رقم تحدده المدربة كهدف سنحققه غداً؛ كنا نقول لها: أكيد تمزحي، هذا مستحيل. وفي اليوم التالي كنا نحقق ما كنا نظنه مستحيلاً».
تضيف عن المدربة سمر «سارت معنا خطوة بخطوة؛ نظام غذائي وخطوات وتمارين. كانت التمارين خليط بين الكارديو والمقاومة، وكان ذلك مريحاً جداً لنا، خصوصاً في توزيع الخطوات لم نكن نضغط أنفسنا، كل شيء جميل».
ساعات المشي والرياضة الحالية ليُسرى كانت تقضيها قبل التحاقها في الفريق في «قعدة الجوال والتلفزيون» كما تقول، أما الآن «فنستغل وقت المشاهدة والسوشال ميديا ونحن نمشي، صرنا ما نقدر على عدد الخطوات القليلة أصلاً، نشعر أن اليوم فارغ إذ انقضى من دون تحقيق أي هدف».
علاقة حميمية بين الفريق
تمشي يُسرى نصف المسافة اليومية المُحددة جماعياً مع الفريق، ويمضين الوقت في «السوالف»، تقول «أصبحنا صديقات وبيننا علاقة حميمية بسبب المشي المشترك وتحدي الخطوات».
عن هذه النقطة تحديداً تقول إيناس جمال «يتصرم وقت المشي الجماعي سريعاً مهما طال، والسبب أننا نمضيه في الضحك، وتبادل الهموم والمشاغل».
وتلفت إلى تطور نظرة المجتمع إلى ممارسة النساء رياضة المشي، وتقبله، تقول «ينظر لنا الرجال نظرة استغراب، خصوصاً إذا كنا نمشي جماعياً، لأن طريقة مشينا تشبه الهرولة، ونحرك أيادينا. ولكنني ورفيقاتي لم نتعرض لأدنى مضايقة خلال ممارسة المشي من الرجال الذين نصادفهم».