[تعقيب] شهادة عوامي.. نُعاركهم في “اللبّانية” ويرحّبون بنا في “الوادي” القرمز نوع من العلاج نستخدمه لـ "حقاريص" التراخوما..!
حسن العوامي
قرأت التقرير الذي نشرته صحيفة “صُبرة” تحت عنوان “ملحان القديح.. كيف غيّرت الرياضة دلالة الإهانة إلى مصدر مفاخرة”..
وقد أثار هذا التقرير ذكريات كانت مدفونة في قعر الذاكرة، حين كنا أطفالاً في الحادية عشرة أو دونها. في مثل ذلك العمر كنا نذهب زرافاتٍ الى جنوب العوامية قاصدين العين المعروفة بـ “اللبّانية”، وهي من أشهر عيون القطيف الجوفية وأكثرها ازدحاماً بهواة السباحة، خاصة في الصيف.
كانت العين محاطة بجنة من النخيل، ولم يكن هدفنا السباحة في الماء الصافي فقط، بل بقطف اللوز وأكله من أطراف النخيل القريبة من العين، أو الواقعة في طريق العين.
والنخيل المحيطة بالعين غالباً ما كان يعمل فيها أبناء القديح، وحين تجمعنا الصدفة ببعض الصبية أمثالنا؛ فإننا نختلق أسباباً للعراك معهم. كنا أطفالاً لا أكثر، وتتضاعف حماستنا إذا وجدناهم دوننا عدداً وسنّاً وعدة..!
كانوا يتمتعون بجرأة على قلتهم وحداثة أعمارهم، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة، وبعد اشتباك بالأيدي و بـ “التلّة”، لا يطول يهرب خصومنا فنشعر بالزهو، ثم نردد عليهم: أهل القديح يا الملحان، عواوي تحت الحضران..!
فيردون علينا: يا اهل العوامية يالمقرمزين، حقاريص في عواينكم..!
هم “مِلحان” أي سُمر البشرة، ونحن “مقرمزين” أي نضع “القرمز” في أعيننا علاجاً لـ “الحقاريص”. والحقاريص هي الحبيبات التي تظهر في العين من مرض “التراخوما” الذي كان شائعاً في القطيف. وهو المعروف ايضاً باسم “الرمد”. ومعنى الملاسنة بيننا وبين خصومنا الذين تعاركنا معهم هو أننا نعيرهم بسُمرة البشرة، وهم يدعون علينا بـ “حقاريص” العمى..!
إنها شقاوة أطفال أقرب إلى البراءة منها إلى الخصومة.
وبالمقابل؛ حين كنا نذهب من العوامية إلى سوق الخميس في القطيف؛ نضطر إلى عبور قرية القديح، وأحياناً نمرّ من الموقع المعروف بـ “الوادي”، وهو سوق القرية المزدحم.
وعندها نلتقي مصادفة بمنافسينا الذين عاركناهم عند عين اللبّانية، فتتحول نظرات التحدي الى ابتسامات متبادلة ونسمع منهم: انتوا في القديح.. تفضلوا..!
عندها نشعر بالخجل والامتنان ونكمل طريقنا قاصدين سوق الخميس وآثار الخجل لا تبارح نظراتنا.
كنا نسير من فريق الفتيّة في العوامية الى وادي القديح، وكأنه سفر طويل لطفل في العاشرة من عمره قبل خمس وخمسين عاماً.
كنت وما زلت معجباً أشد الإعجاب بكرم أهلنا في القديح الحبيبة وتميزهم العلمي والثقافي والرياضي، على الرغم من محدودية انخراطهم في السياسة..!
اقرأ أيضاً
مِلْحان القديح.. كيف غيّرت الرياضة دلالة “الإهانة” إلى مصدر “مفاخرة”..؟!