بعد غارات “العُرَيْس” في الجارودية.. لا “صخّ” الفريق.. ولا ماتت “الشَّرّية” "نمس" فتّاك.. دخيل على البيئة.. حملته سفن تجارة الهند.. واختفى منذ ربع قرن

القطيف: أمل سعيد

بعد أن اختفى اسمه سيء الذكر تماماً، ولأكثر من 20 عاماً، من ألسنة المزارعين، وعُدّ ضمن ما انقرض من حيوانات واحة القطيف؛ ظهرت بوادر تنقض فرضية الانقراض. وكأن المثل القطيفي القائل “صخّ الفريق وماتت الشرّية” صار معكوساً.. فلا “صخّ الفريق” ولا “ماتت الشرّية”..!

ظهر حيوان ابن عرس المعروف في القطيف بـ “العُرَيْس”، في الأيام القليلة الأخيرة، في بلدة الجارودية الريفية، مذكّراً الناس بقاتل لا يأكل ما يقتل ولا يشبع من القتل.

حتى يوم الأربعاء الماضي؛ كانت فرضية الانقراض قائمة، إلى أن وصلت “صُبرة” صور ومقطع فيديو، من صاحب مزرعة، لحيوان غريب، استطاع أن يسرق هدوء المزارعين في الجارودية مؤخراً. وتمكن إبراهيم الموسى من الإمساك به ميْتاً، بعد وضع سمٍّ له بقرب قن الدجاج في مزرعته.

ولم يكن الموسى يعرف جنس الحيوان أو نوعه. وبدورها عرضت “صُبرة” الصور والفيديو على مختص في البيئة، للتعرف على الحيوان، وما إن شاهد المقطع حتى أكدّ أنه (العريس)، والصور تدل على أن غريم المزارعين القديم مازال موجوداً ولم ينقرض..!

العُريس النافق في مزرعة “البدرية” في الجارودية

محمد الزاير

النمس الهندي

وبحسب الناشط البيئي محمد الزاير الذي عرف الحيوان بعد مشاهدة الفيديو؛ فإن هناك روايتين لوجود العريس في واحات القطيف:

“الأولى وهي الأقرب إلى الصحة؛ أنه انتقل إلى المنطقة في مراحل التبادل التجاري مع الهند، والرواية الثانية أنه من الحيوانات الموجودة في المنطقة منذ آلاف السنين”.

ويتناول الزاير الروايتين وما يؤكدهما وما يدحضهما، واصفاً ذلك بأنه “موضوع كبير جداً، لكنه سنعرض للرواية الأولى، وهي الانتقال؛ كونه دخيلاً على المنطقة، وأنه آت من الهند.

وبتفصيل دقيق يشرح الزاير طريقة وصول النمس الهندي ـ أو العريس ـ إلى المنطقة بقوله “في القوانين الطبيعية لانتشار الأنواع هناك بيئات مناسبة جداً من حيث توفر الغذاء، وملائمة الجو والبيئة لبقاء حيوان معين”. ويكمل “النمس الهندي ينتشر في شمال وغرب شبه القارة الهندية، أي في أجزاء من باكستان والهند وبنجلادش، وعندما نحدد خريطة انتشاره عالمياً نجده ينتشر في الرقعة الجغرافية في الجزيرة العربية.. فقط في القطيف، والبحرين، وله تسجيل في قطر والإمارات ولكنه قليل جداً، وبالمقابل فهو موجود في منطقة بوشهر الإيرانية، ولو نظرنا في خريطة إيران فلن نجد أي وجود للنمس في شمال وشرق وجنوب مدينة بو شهر”.

ويطرح الزاير تساؤلا منطقياً: لماذا ينتشر هذا الحيوان في هذه المناطق تحديداً (شبه القارة الهندية/ منطقة القطيف والبحرين/ بو شهر)؟.

هل جاء العريس من سفن الهند إلى الخليج..؟

ومقابل هذا الاستفهام الكبير يعرض الزاير احتمالات الأجوبة:

“لم يبت علماء الحيوان في إجابة هذا السؤال، لكن بالتمعن في الاحتمالات الواردة يمكننا ترجيح أحدها”. ويكمل “الاحتمال الأول وهو اتحاد القارات وأنها كانت كلها كتلة واحدة ثم انفصلت، وهذا يفسر لنا وجوده في القطيف والبحرين وكذلك بو شهر، بحكم أنها متقاربة ولا يفصل بينها إلا مياه الخليج العربي، لكن ذلك لا يفسر إطلاقاً وجوده وانتشاره الكبير في الهند، لذا نعود للنظرية الأساس وهي أن الحيوانات وجودها كأصل يعتمد على وجود الغذاء والبيئة المناسبة، والنمس الهندي، بغض النظر عن تسميته، التي يأخذها الحيوان من المكان الأول الذي اكتشف فيه، هو حيوان أصيل في القارة الهندية، وأنه دخيل على منطقة الخليج وإيران كاحتمال ثان وهذا ما أركن إليه”.

خريطة وجود النمس الهندي.. في الهند وضفتيْ الخليج العربي (ويكيبيديا)

وعن كيفية وجوده في المنطقة يقول “القطيف والبحرين وكذلك بو شهر كلها موانئ قديمة، وعلى متن السفن جاء النمس الهندي إلى المنطقة في عمليات التبادل التجاري مع الهند”، ويضيف “أكثر الأدلة تشير إلى أنه جاء إلينا قبل مئة سنة كحد أدنى، ويصل في حده الأقصى إلى 400 سنة”.

في بيئة القطيف

الحال أن أي إضافة أو نقص في أي نظام بيئي لا بد له من أثر يحدثة في ذلك النظام صغيراً كان أم كبيراً، وبما أن النمس الهندي كائن دخيل على حيوانات المنطقة فلابد أن يكون له تأثير في البيئة التي يوجد فيها، يقول الزاير “قانون التوازن البيئي الذي ينص على أن كل نظام بيئي يحتوي على كائنات معينة موجودة بتوازن معين، فلا يؤثر مكون حي في النظام البيئي على مكون حي آخر، بحيث تبقى أعداد الفرائس والحيوانات المفترسة ضمن حدود معينة، تضمن الاستقرار البيئي في النظام؛ بشرط أن تكون جميع الحيوانات الموجودة في النظام هي حيوانات أصيلة”.

ويكمل “عند إدخال أي حيوان غريب على بيئة ما، فإننا سنحصل على أحد احتمالات 3 وهي:

1-أن يفشل الحيوان في بيئته الجديدة، وذلك نتيجة عدم ملائمة البيئة، أو عدم توفر الغذاء، فيموت الحيوان ويختفي.

2-أن ينجح ويكون مؤثراً في البيئة بشكل سلبي.

3- أن ينجح ويكون مؤثراً في البيئة بشكل إيجابي.

 وبنسبة 99% من حالات إدخال حيوان على نظام بيئي؛ يكون التأثير سلبياً، ويسبب خللاً في النظام البيئي، يؤدي إلى غياب عنصر من العناصر الأساسية في النظام”.

يعيش العريس في الأماكن المهجورة

دخول النمس الهندي

يقول الزاير إن “المدة الزمنية لدخول العريس إلى المنطقة مهم جداً، وذلك أن بعض الأنظمة البيئية في حال دخول حيوان غريب عنها وتأثرها، وحصول الإختلال؛ تتعافى بعد مدة، وتعود إلى الاتزان حتى مع وجود الدخيل، وهذا لا يحدث في كل الحالات، إنما في أغلبها، ويحتاج النظام البيئي إلى فترة طويلة جداً لحصول ذلك”.

ويضيف الزاير “بالنسبة للنمس الهندي، وعلى نظرية أنه دخل إلى المنطقة منذ ما يقارب الـ100 سنة، إلا أننا لا نستطيع الجزم بتصنيف دخوله، هل كان سلبياً أم إيجابياً، إذ لا توجد دراسات تبين لنا حجم المشاكل البيئية التي تسبب بها، كما أنه تزامن مع دخوله

دخول حيوانات جديدة، كالجرذان الكبيرة، ومنها الفأر النرويجي، ونوعين من الفئران الهندية أيضاً، وتعتبر هذه الفئران من الطرائد المهمة للنمس الهندي”.

و “كما هو معروف فإن تكاثر الفئران سريع جداً، وفي حال غياب العدو الحقيقي لها أو المفترس، قد يشكل وجودها خطرا على النظام البيئي، واحتمال أن هذا من الأمور التي سببت توازناً لوجوده في فترة من الفترات، بحيث لم يشكل وجوده مشكلة في النظام”.

يتغذى النمس الهندي على الأفاعي والفئران ويأكلها بشراهة

النمس في الهند

يستعرض الزاير حسنات وجود النمس في بيئته الأصلية (الهند) “لهذا الحيوان الكثير من الفوائد، بل له أهمية كبيرة في بيئته الطبيعية، وله دور كبير في عملية التوازن البيئي فهو:

يتغذى على الثعابين، وكما هو معروف بأن الهند بها وفرة من هذه الزواحف، وأغلبها سام.

وأيضاً يتغذى على الجرذان والفئران، والحشرات كبيرة الحجم وكثيرة العصارة، وهذا النوع من الحشرات لا توجد في بيئتنا”.

يفتك العريس بالدواجن ويقتل بلا توقف

مساوئ وجوده في القطيف

كما أن للنمس في بيئته حسنات جمة؛ فله عندنا مساوئ جمة أيضاً “للنمس الهندي سمعة سيئة في المنطقة بسبب هجومه على الدواجن، وأكل بيضها، وأيضا هناك بعض الحالات، وإن كان لا دليل عليها، أنه يغير على الأغنام الوالدة ويأكل المواليد الصغيرة، التي تكون غير قادرة على الحركة، كما يأكل المشيمة.

وفي دراسة عُملت في فترة التسعينيات عن اختفاء نوع من الأفاعي الأصيلة في المنطقة (الحنش)، المعروف بشراسته وأعداده الكبيرة، يقول الباحث الذي نشر هذه الدراسة أن أحد أهم أسباب انقراض هذه الأفعى هو وجود العريس”.

 سلوك النمس

يعرف النمس والكلام للزاير بأنه “ينشط في الليل، وهو حيوان نهم، وعنده غريزة القتل لأجل القتل، فلا داعي لوجود مبرر أو حاجة لكي يقدم على ذلك، كما أنه حيوان جسور، فإذا شعر بتهديد فإنه يهاجم مصدر الخطر حتى لو كان حجم الحيوان المهاجم أكبر منه،

ويفضل النمس الآجام، أو الأماكن التي بها كثافة شجرية عالية، أو مخلفات زراعية، والغيران الرملية، كما يفضل المزارع القديمة والأماكن المهجورة”.

هل انقرض النمس/ العريس..؟

السؤال الأهم في هذا الموضوع هو: هل انقرض العريس/ النمس فعلا؟، ويجيب الزاير “كان العريس موجوداً بكثرة إلى ما قبل 25 سنة تقريباً، وكان ناجحاً جداً في البقاء، ولكن مع تراجع المساحات الزراعية في المنطقة، وانفصالها عن بعضها البعض، وغياب الغطاء الزراعي عن مساحات كبيرة، أدى ذلك إلى تراجع أعداده ووصولها إلى الحضيض، بعد أن كان موجوداً بأعداد كبيرة جدا وخاصة ما بين الجارودية والحلة، وجزيرة تاروت، وما بين القديح والعوامية وما بين القديح وحي الحسين.

بالإضافة إلى أن الكتلة الزراعية الجديدة تشكلت خارج السور الأخضر، وبفواصل جغرافية عبارة عن صحراء، فلم يكن بمقدور الحيوان الانتقال إلى المنطقة الزراعية الجديدة، كأبو معن، وخريص ومزارع الجبيل” ويكمل “لم يعد يسجل له تواجد في المنطقة، وآخر حالة تم تسجيلها له كانت في عام 1415، ثم بدأت تظهر آحاد الروايات عن رؤيته بدون أن تتوفر مادة أو صور تدل على وجوده في المنطقة، أو أنه مجلوب من البحرين، حيث أنه مازال يسجل وجوده بأعداد قليلة في البحرين، والإمارات وقطر، هذا إلى وصلتنا الصور عبر “صُبرة” من مزارع قام بتسميم حيوان اعتدى على مزرعته، وهي بلا شك للعريس، وهذا يدل بصورة قاطعة على أن العريس مازال موجوداً ولم ينقرض”.

تعليق واحد

  1. وردنا من الأستاذ السيد عدنان العوامي التعقيب التالي:
    من أين جاء العريس؟
    عدنان السيد محمد العوامي
    قرأت بتاريخ الأحد 21 نوفمبر الجاري( ) الموضوع الممتع الذي نشرته صحيفة صبرة الإلكترونية، ذا العنوان: (بعد غارات العريس في الجارودية – لا صخَّ الفريق ولا ماتت الشرية)، إعداد الإعلامية الرائعة أمل سعيد، وزاده روعةً المعلومات العلمية الغنية التي قدمها المهندس محمد الزائر عن هذا الحيوان الأصيل/الوافد، وبما أنني سبق أن نشرت – في مجلة الواحة – سلسلة مقالات تحت عنوان (أخطاء وأوهام شائعة)، وفي الحلقة الرابعة من السلسلة( )، وتحت عنوان (في الجيولوجيا – عيون الأحساء والقطيف والبحرين هل هي من عمل العمالقة؟) وفيه عرضت بعض النظريات الجيولوجية حول (نشوء الخليج العربي والبحر الأحمر، ومنها نظرية الانزياح القاري “Continental drift)” تلك التي ترى أن المنطقة كانت مغمورة بالمياه، ونتيجة للترسبات الطينية أثناء حركة نشوء الجبال في المنطقة التي كان يغطيها بحر تيثس- Tethys sea – وهو بحر قديم كان يغمر منطقة واسعة تمتد من موقع البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب غرب إيران، مارًّا بشمال العراق، وهو العصر الذي تكونت خلاله جبال طوروس وزاجروس وبنطس وعمان(.
    اعتمادًا على هذه النظرية، والله أعلم، يمكن احتمال اتصال الرقعة التي تشغلها القطيف، لا بالأرض الإيرانية وحسب؛ بل بالقارة الهندية أيضًا، فالأرض الإيرانية متصلة بالقارة الهندية، ولا فاصل طبعيًّا بينهما سوى الأنهار كنهر السند.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×