بعد 25 عاماً.. “نحلة” مركز تاروت الصحي ابتسام الحبيب تغادر إلى منزلها "ملاك الرحمة" خدمت مرضاها ربع قرن وآن لها أن تستريح

تاروت: ليلى العوامي

في الخامس من إبريل عام 1997، التحقت ابتسام الحبيب، في مهنة التمريض، وتحديداً في مركز تاروت الصحي. “التمريض مهنة إنسانية عظيمة”، هكذا تشعر ابتسام نحو مهنة صاحبت بداياتها قبل 40 عاماً “وصمة”، لكنها الآن في نظر مرضاها “ملاك الرحمة”.

لكن ابتسام تقول اليوم برأس مرفوع “إن خدمة الناس شرف وفخر عظيم لي، سؤال المراجعين عني في غيابي من أعظم النعم التي من الله تعالى علي بها”.

لكن مثل كل وظيفة تنتهي بالتقاعد، لقد آن الوقت كي تستريح بالتقاعد من الجري إلى غرف المرضى ورعايتهم، ألقت ابتسام النظرة الأخيرة على مكتبها الذي احتواها لمدة 25 سنة، في مركز الرعاية الصحية الأولية بتاروت، شهادات تقديرية ضمها مثلما ضم بكاء ابتسام على مريض وافته المنية وفرحتها على مريض تشافى.

تصف فنية التمريض الحبيب سنوات عملها “كانت عظيمة بحلوها ومُرها، ستبقى ذكرى سعيدة في حياتي”، تتذكر لحظات التشجيع في عين جدها وجدتها، نظرة الفخر في عين والدتها حين قررت دراسة التمريض.

مكتب ابتسام الحبيب قبل تقاعدها.

الزملاء جزء من العائلة

فضلت “أم حسن”، كما يناديها زملائها، البقاء في المركز وعدم التنقل، متذكرة مديري المركز “عملت في مركز صحي تاروت ممرضة للأمراض المزمنة والعلامات الحيوية والغيارات، وكان مديرنا في بداية المسيرة الوظيفية الدكتور شفاعات، ثم الدكتور محمد محيميد ثم الدكتور أمجد عبدالستار، الذي يدير المركز حالياً”.

يد الله طالما كانت على قلب ابتسام، حيث أهدتها الرحمة “كنت أقدم الإرشادات الصحية عن الأكل والرياضة لأحد المراجعين في فترة عملي، لكنه لم يكن يعيرني الاهتمام”.

تروي الحبيب قصة هذا المريض قائلة “قدر الله في أحد الأيام تنوم المريض في المستشفى، بسبب وعكة صحية. ومن ضمن المُنوَمين معه في الغرفة كان مصابين بالسكري، وبعدما خرج من المستشفى جاء إلى المركز مباشرةً، وقال لي: كانت تراودني كلماتكِ طوال فترة بقائي في المستشفى، وأنا أرى حال المرضى العصيب من مضاعفات المرض، فأصبح بعد هذه الوعكة من المحافظين على مواعيدهم والمنتظمين في علاجاتهم، واستقرت حالتي بفضل من الله”.

تعتبر الحبيب زملائها جزءاً من عائلتها الثانية، مروا معاً بلحظات فرح، مثلما تمنوا أن تمر لحظات القاسية مثل الجائحة كالبرق، كان الامتنان شعورها تّجاه عائلتها الثانية، موجهة لهم رسالة عبر “صُبرة”، قائلة “شكراً من القلب إلى كل زملائي الأعزاء، كنَّا فريقاً واحداً، نعمل لنجتاز مشقات العمل، خصوصاً في الفترة الأخيرة، مع كورونا، والتي كان لها تأثير قاسٍ على كل الكادر الصحي، محاطين بالخوف من أن ننقل الوباء من مقر عملنا إلى بيوتنا وأطفالنا”.

قلب “أم حسن” في التكريم يدق سريعاً، لكن ما يهدأه وصول الأحبة، الذين وصفتهم بـ”أبطال مركز صحي تاروت”، مضيفة “شكراً من القلب إلى الدكتور بدر، وإلى رئيس التمريض خلود آل مطر، وإلى مشرفة الأمراض المزمنة فاطمة الصيود، كان لحضورهم يوم تكريمي أثراً عظيماً في قلبي، وأشكر كل فرد من أبطال مركز صحي تاروت”.

الدكتور أمجد عارف

محبة

يشعر مدير مركز تاروت الصحي، الدكتور أمجد عارف، بأنه يفتقد وجود “أم حسن”، قائلاً “ابتسام الحبيب من أعمدة مركز صحي تاروت، ومن الكوادر المؤسسة لنشاط هام جداً، وهو رعاية مرضي الأمراض المزمنة في القطيف، وهي تتميز بإحساسها الإنساني بالمرضى، ومراعاة الله عز وجل في كل خطواتها.. سنفتقدها كثيراً ونتمنى لها التوفيق في حياتها”.

شهادة مجروحة

“عشرة” ممتدة منذ 10 سنوات بين الحبيب والدكتورة فضيلة الحبيب، طبيبة الأسنان، مدة عملهما معاً في المركز، قائلة “شهادتي في ابتسام مجروحة، كونها قريبتي، ولكن عملنا معاً في نفس المركز عرفني أكثر عليها، وقربني أكثر منها، عملنا معاً قرابة 10 سنوات، وما لمسته خلال هذه السنوات من إخلاصها وتفانيها في العمل زاد من إعجابي وافتخاري بها”.

وأضافت “هي بحق مثال للموظف المعطاء و الأمين، لقد تركت بصمة في مركز صحي تاروت، سيفتقدها كل من عرفها وعمل معها، فجزاها الله خيراً، ووفقها في حياتها، وجعل كل ما قدمت في ميزان حسناتها”.

زهير الصايغ.

قدوة للجميع

18 عاماً هي فترة الزمالة بين المسؤول الإداري عن المركز، زهير الصايغ، وزميلته ابتسام الحبيب، يقول عنها “يخجل قلمك ويجعز لسانك عندما تصف شعورك تّجاه موظفة زميلة لك، هي بمثابة الأخت، لم أتذكر يوماً أني اختلفت معها، أو ضايقتني في شيء، أو سمعت من مديرها غير المدح والثناء عليها، ومن رئيساتها كذلك، فهن دائماً يضربن المثل بها، ويرددون يا ليت كل التمريض بمستوى وعطاء الممرضة ابتسام. دماثة خلق واهتمام وعناية في مرضاها، لم يسجل عليها يوماً تأخير أو غياب، بل كانت تحضر قبل دوامها بربع ساعة طيلة فترة عملها، دائماً الأولى في منادتها المرضى”.

وأضاف الصابغ “المركز بفقدها خسر أحد أعمدته الأساسية التي يرتكز عليها، عوضنا في التمريض ممن امهتنوا المهنة مؤخراً بأن يحدوا حدو ممرضتنا ام حسن، وان تكون لهن مثلاً وقدوة. الكل يتقدم لها بالشكر، من الإشراف في الإدارة إلى كادر المركز والمراجعين. أخيراً مهما كتبت فلن أوفيها حقها. أتمنى لها حياة أسرية سعيدة، وان يجزيها الله خير الجزاء الأوفى على ما قدمت وأعطت”.

احتواء 

احتواء وصداقة بين الممرضة حميدة الزريقي وابتسام الحبيب، تقول “قضيت مع أختي الغالية ابتسام ما يقارب 21 سنة، بعد نقلي من مركز الدخل المحدود، ولقد احتوتني بحبها وحنانها، فكانت لي الأخت والصديقة. عملت معها في العلامات الحيوية؛ فكانت متعاونة ومتميزة ومخلصة في عملها، ويعجز اللسان والقلب عن التعبير عن مدحها، لطيبتها وإخلاصها وسماحتها، فقلبي يدعو لها بالتوفيق والسعادة”.

موظفة مثالية بدرجة أخت ومعلمة

فيمّا قالت رئيسة التمريض، فاطمة الزين، مخاطبة زميلتها السابقة الحبيب “أسال الله أن يجعل كل ما عملتيه لخدمة أهالي تاروت والمجتمع في ميزان أعمالك. أختي ومعلمتي ابتسام كنت مثالاً حياً للموظف المثالي من كل النواحي، اجتهاد وتميز أداء وحسن الخلق، كنت مدرسة للأخلاق والتواضع والاجتهاد”.

وأضافت “كم هو جميل عندما يجتمع العلم، المعرفه، والتواضع. مواقفك الجميلة لا تحصى أم حسن. لم تكن ممرضة عاديه فحسب، كانت مدربة لكثير من ممرضات قطاع القطيف في برنامج الأمراض المزمنه، من دون كلل أو ملل”.

موظفة دؤوبة

طيلة الـ 20 عاماً التي صاحبت فيها الممرضة زهرة الزوري “أم حسن”، وهي ترى “مثالاً حياً للتفاني لموظفة دؤوبة”، قالت “كانت تتحلى بطيبة القلب والسمعة الطيبة بين طاقم العمل ومراجعي المركز. سأفتقدها كثيراً، وستظل ذكرياتنا خالدة في القلب، فهي بمثابة الأخت والصديقة الحنونة. هنيئاً لكِ غاليتي”.

عامان فقط هي مدة وجود الممرضة فاطمة آل ماجد في مركز تاروت الصحي، لكن جذبها تفاعل الحبيب مع ثقل المهام وصعوبات كثيرة، ولكنها قادرة على التعامل معها بثقة وهدوء. تقول “متسامحة مذللة للعقبات أمام كل تحد. لم تتذمر من الصعوبات وحجم العمل الذي كُلفت به من بداية عملها إلى آخر يوم كانت معنا فيه. يحفظها الرحمن، وتملئ السعاده قلبها”.

“نحلة”

نبهت نائبة رئيسة التمريض، رنا شوكان، إلى أريحية “أم حسن” في التعامل، قرابة 10 سنوات من الزمالة بينهما، قائلة “كانت لا تبين تعبها. وعند الطلب منها الرجوع إلى المنزل؛ ترفض ذلك، رغم الضغط الهائل الذي يتطلبه البرنامج، حرصاً منها على تأديته على أكمل وجهه. هي دائماً كانت النحلة المجتهدة بين العيادات مساعدة للأطباء”.

يصعب على بعض الأشخاص التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن الحبيب لها، بشهادة شوكان “تتقن التعامل مع ذوي الهمم بطريقة لافتة، ولقد دربت مجموعة كبيرة من قطاع القطيف في المراكز الصحية، وذلك بشهادة المشرفين ورؤساء الاقسام، لأهليتها، فكانت علما بارزاً تتباهى به إدارة المركز والطاقم”.

اقرأ أيضاً:

أول ممرضة قطيفية: حتى النساء كنّ يرفضن الممرضة السعودية

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×