اللواء محمد الغامدي: نواخدة القطيف علّموني أسرار البحر ربطته علاقة قوية مع أهل المحافظة وطبيعتها ومزارعها وفنانيها وإعلامييها

القطيف: ليلى العوامي

آخر منصب شغله هو المتحدث الرسمي في قيادة حرس الحدود السعودي، تقاعد وهو برتبة لواء، مختتماً سيرة عسكرية امتدّت سنواتٍ طويلة، بينها 6 سنواتٍ قضاها في القطيف يومياً، ومعرفة بالمحافظة وأهلها سبقت حياته المهنية فيها.. فكيف يتحدث اللواء محمد بن سعد الغامدي عن القطيف؟ وعن أهلها؟

بحنين جارف؛ يتحدث اللواء المتقاعد محمد بن سعد الغامدي عن سنوات عمله في القطيف، عن بحرها، عن بساتينها، عن بيوتاتها، عن صياديها، عن «أيام لا تنسى ولا تسقط بالتقادم».

قدِمَ إلى القطيف وهو في العقد الثالث، اختلط بأهلها، فأصبحوا «أصدقاء مقربين»، لم يشعر فيها بالغربة أبداً. عشق بحرها؛ فتعلم من بحارتها الكثير من الأسرار، وأحب أرضها؛ فشارك شبانها وفتياتها الأعمال التطوعية، استهواه فنَها؛ فتعرف على فنانيها، تردد على محترف الفنان عبدالعظيم الضامن، وكان ضيفاً دائماً على معارض يقيمها. تجول بين مزارعها ليألف الماضي والحاضر فيها. كل هذا ساهم في تكوين صداقاته مع أبناء القطيف من مختلف الأجيال.

الغامدي في طفولته.

ابن الباحة في القطيف

في «خارجية» تاروت، في «ديرة» العوامية، وفي «نقا» سيهات، شعر هذا الشاب الذي تعود أصوله إلى الباحة، كأنه في غامد الزناد، أو العقيق، وربما بلجرشي، «فجميع هذه الأماكن تشكل وطننا، لذا لا يشعر المرء بالغربة في أي منها».

نعم؛ لم يشعر اللواء محمد الغامدي، بالغربة في القطيف، فهو من مواليد الدمام، المدينة القريبة من القطيف. يقول لـ«صُبرة» «كنت قبل تعييني أزورها، أتجول في مزارعها، لذا كان من السهل جداً علي أن أعمل فيها، وأكوّنُ صداقات مع أهلها، فتعرفت على عوائلها».

ولد الغامدي عام 1380هـ، والده سعد الغامدي، الذي بدأ حياته العملية موظفاً في الاتصالات السعودية، ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية قبل حوالى 60 سنة، حصل خلالها على عدة ترقيات، آخرها مديراً للهاتف في المنطقة الشرقية.

في مراحل مختلفة من خدمته العسكرية.

تنقلات على خارطة الوطن

بعدما أتم المرحلة الثانوية ابتعث إلى باكستان، وتخرج ملازماً عام 1405هـ.

عاد إلى أرض الوطن، وتم تعيينه في مجموعة الزوارق بمنطقة العزيزية.

وفي عام 1407هـ انتقل إلى العمل في ميناء الملك عبدالعزيز بجدة.

ثم انتقل عام 1410هـ إلى قيادة حرس الحدود في المنطقة الشرقية، حتى عُين مديراً للعلاقات العامة وناطقاً رسمياً في قيادة المنطقة، وبعدها عُين مديراً لمكتب قائد حرس الحدود عام 1413هـ.

انتقل إلى قيادة حرس الحدود في منطقة المدينة المنورة، لمدة ست سنوات.

ثم عاد ليبدأ عمله في القطيف عام 1419هـ، وحصل على الترقية ليصبح مساعداً لقائد حرس الحدود في القطيف.

وتم تعيينه متحدثاً إعلامياً لحرس الحدود في المملكة، وترقى إلى رتبة لواء عام 1435هـ.

في إحدى المناسبات.

نواخدة القطيف

ست سنوات هي المدة التي عمل فيها اللواء الغامدي في القطيف، مديراً لعمليات قيادة حرس الحدود في المحافظة، يقول «القطيف مدينة قديمة وتراثية، تمزج بين القديم والحديث».

اتاح له وجوده فيها «فرصة العمل بسلاسة» كما يقول، مضيفاً «كان عملي قيادة حرس الحدود في القطيف، وتشمل سيهات، ودارين، وبسبب هذه الشمولية تعرفت على العديد من الشخصيات، كما أن وجودنا على ساحل الخليج العربي، ومسؤولياتنا جعلتنا نتعرف على الكثير من بحارة المنطقة القُدامى».

مُشاركاً في إحد الاجتماعات الرسمية في الخارج.

صلات قوية وصداقات

شغفه بالإعلام كون له صلة قوية بإعلامي القطيف، ممن تعلم منهم، مثل: حبيب محمود، منير النمر وجعفر الصفار، وأيضاً شادن الحايك، فاطمة الحبيل وأفراح جعفر.

أما من يعرفهم من أهالي القطيف، فوصف عددهم «بالكثير الكثير ممن يصعب ذكر أسماءهم، ولكن عرفت مثلاً: من بيت الجشي، السويكت، الصفار، النمر، القيصوم والقطان، وغيرهم من الرجال اللذين تميزوا بالطيب، الكرم وحسن الخلق».

تعلم من نواخدة القطيف، الكثير من المهارات في الصيد ووسائله، يقول «تعرفت على وسائل الصيد المُستخدمة من بحارة القطيف، خصوصاً من ذوي الخبرة، وهم كبار السن الذين كانوا يستخدمون القوارب الخشبية قديماً».

في أحد اجتماعات العمل.

تطوير الذات.. عسكرياً وإعلامياً

الشاب الطموح لم يتوان يوماً عن تطوير نفسه وقدراته، كان يبحث دائماً عن الجديد، يقول «خلال فترة عملي التحقت في كثير من الدورات العسكرية، منها دورة الصاعقة، المتفجرات، المظلات، المشاة العسكرية والأسلحة، ودورات في الحاسب الإعلامي، القيادة الاستراتيجية للإعلام، وقادة الإعلام الجديد، وغالبيتها خارج المملكة».

الإعلام كان ميوله الأبرز، لذا ركز عليه. وبفخر يقول «كنت منافساً لبعض الإعلاميين والإعلاميات في مجال عملهم، فالكثير منهم لم يكن يعرف بأنني حاصل على دورات متخصصة في الإعلام وكتابة التقارير الإعلامية».

مارس الغامدي عمله الإعلامي في كتابة أخبار حرس الحدود، إلى جانب وظيفته الرئيسة، يقول «كانت الأخبار الواردة من حرس الحدود تجد سبيلها إلى النشر مباشرة، من دون أن تمر في أي محرر يتولى صوغها أو تدسيكها كما يُقال في لغة الإعلاميين المهنيين، فقد نفعني تخصصي الإعلامي في إرسال هذه التقارير إلى زملائي الإعلاميين والإعلاميات في كافة وسائل الإعلام».

مقارناً بين الأمس واليوم؛ يقول «في السابق كُنَّا نعتمد كثيراً على الصحف، بخلاف اليوم؛ فقد أصبح كل شخص في جيبه وسيلة إعلام، بحكم وجود الجوال ووسائل التواصل المختلفة، التي أصبحت سريعة في نقل الأخبار».

والد سعد الغامدي.

مؤثرون في المنزل والعمل

المؤثرون في حياة اللواء محمد الغامدي كثيرون، وأولهم والديه، يقول «للوالدين فضل بعد الله في التوجيه والتربية والرعاية، وهم من الشخصيات التي يراها الطفل فيكونوا له قدوة، فالأم بالرعاية والحنان، والأب بالحرص والتوجيه على التعليم».

مع الفريق زميم بن جويبر السواط (رحمه الله).

أمّا من خارج محيط الأسرة؛ فهناك شخصيات مؤثرة عليه، في العمل؛ قائد حرس الحدود في المنطقة الشرقية الفريق معجب بن محمد القحطاني، الذي استفاد من خبرته في بداية تخرجه وتجاربه، إضافة إلى المدير العام لحرس الحدود الفريق زميم بن جويبر السواط (رحمه الله)، الذي كان يعامل الضباط والجنود كأنهم أبناء له، وأهتم في تدريبهم وتعليمهم، وكان حريصاً على كل واحد منهم بأن يخرج بمهارات متعددة.

الغامدي (أقصى اليسار) في زيارة رسمية إلى أرامكو السعودية ابان رئاسة المهندس خالد الفالح.

أزمة احتلال الكويت

تجاوز اللواء محمد الغامدي وزملاءه الكثير من الصعوبات التي واجهتهم بعد التخرج من الكلية العسكرية، والبدء في العمل الفعلي وممارسته مع الناس.

أبرز ما واجهه أبان أزمة الخليج، يقول «المواطن السعودي في كل المواقف كان حاضراً ومسانداً، وأذكر موقفاً عصيباً واجهته أثناء أزمة الخليج عام 1990، خلال احتلال العراق للكويت، كنت برتبة ملازم أول، وكانت العوائل الكويتية تصل المملكة عبر منافذها البرية. كنا حينها على الحدود، وما رأيناه من مواقف مؤثرة لم تمحها الذاكرة إلى اليوم، خصوصاً العوائل التي كانت يعاني أفرادها من إصابات جسدية. كان الحر شديداً، إذ بدأت الأزمة في الثاني من أغسطس، في ذروة الصيف. كانوا يأتون من منفذي الخفجي والرقعي بأعداد كبيرة، فما كان منا إلا توفير الماء والأكل لهم، والأمن قبل أي شيء، وتعاملنا معهم تعاملاً إنسانياً، فالكثير منهم خرجواً من دون أن يؤمنوا احتياجاتهم الأساسية».

لجنة السلامة البحرية النسائية ساهمت في نشر الوعي.

لجنة نسائية للسلامة البحرية

يفخر اللواء محمد الغامدي بأنه من شكل أول لجنة نسائية مختصة في السلامة البحرية بالمنطقة الشرقية، وكان لها فرعاً في العاصمة الرياض، سُميت «اللجنة النسائية للسلامة البحرية».

كان ذلك عام 1430هـ، برئاسة الأميرة مشاعل بنت عبدالمحسن بن جلوي آل سعود، وعضوية عدد من السيدات، يذكر منهن: الدكتورة مها المزروع، الدكتورة نعيمة الغنام، الدكتورة إلهام الجناحي، المهندسة صفاء قوصيني، الاستاذة منال القحطاني، والاستاذة منى الطعيمي، مهمتها توعية الأمهات والبنات في أخطار البحر، وهي أول لجنة تمت الموافقة عليها من وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز (رحمه الله).

يتذكر أنه سُئِل حينما أسس فرعاً للجنة النسائية للسلامة البحرية في العاصمة: الرياض لا بحر فيها؛ فلماذا أسست فرعاً لهذه اللجنة هنا؟ فقال «معظم الذين يغرقون في المناطق البحرية، من أهل الرياض، فجئنا للعاصمة لتوعيتهم».

ساهمت هذه اللجنة في خفض حالات الغرق بين 70 إلى 80%، بعدما كانت عام 1430 تصل حالات الغرق إلى 45 حالة.

الزميل عمر المحبوب.

دقيق وشفاف

ودع اللواء محمد سعد الغامدي منصبه متقاعداً عام 1436هـ، لكنه ترك في قلوب كل من عرفه وتعامل معه ذكرى تفوح عطراً ومحبة، خصوصاً في أوساط الإعلاميين، الذين كانت بينهم صلات خاصة، بحكم عمله متحدثاً باسم جهاز حرس الحدود في المنطقة الشرقية، ولاحقاً على مستوى المملكة.

«صُبرة» سألت بعضهم عن انطباعاتهم عن اللواء الغامدي:

يقول الزميل الإعلامي عمر المحبوب «اللواء محمد الغامدي عرفته إبان عمله متحدثاً رسمياً لحرس الحدود في المنطقة الشرقية. هو شخصية هادئة حكيمة، شخصية تعرف كيف تتعاطى مع وسائل الإعلام. يدرك أهمية الإعلام، ويحرص بشكل دائم على التواصل مع جميع وسائل الإعلام، لإيصال المعلومة بشكل دقيق، وبكل شفافية».

يصفه المحبوب أيضاً بأنه «شخص معطاء ومحب للجميع، يتسم بالأخلاق الجميلة وحسن التعامل مع الجميع، ولا يبخل بمساعدة أي شخص. كان حريصاً على توثيق أطر التعاون والعلاقة بين حرس الحدود والإعلام، إيماناً منه بأهمية دور الإعلام في إيصال الحقائق. الجميع توقع له النجاح، بسبب أدائه غير الاعتيادي».

الزميلة شادن الحايك.

دبلوماسية وحنكة

أما الزميلة الإعلامية شادن الحايك، فتقول «البعض حتى بعد رحيلهم عن مناصبهم يتركون أثراً، بما انجزوه وما تركوه في نفوس من يتعاملون معهم».

تضيف الحايك «إن تحدثت عن تعامله (اللواء الغامدي) مع الإعلاميين؛ سترى التقدير للعمل الإعلامي، والسعي نحو التكامل في الأدوار، الدبلوماسية والحنكة، وتقديره الشخصي للأفراد بتقييم عالٍ جداً، يدل على الخبرة الحياتية. دائماً كنت اتواصل معه واتلقى الردود، اسأل وتصلني الإجابة، دقيق في مفرداته يختارها بأناقة متناهية، رجل له كل الاحترام والتقدير. إن غاب وإن حضر».

اللواء محمد الغامدي.

رجل العلاقات العامة والإعلام

تتذكر الزميلة الإعلامية زينة علي «قبل أكثر من 15 عاماً، كنت اخطو بداياتي في عالم الصحافة، وبحماس البدايات كنت التقط كل ما يمكن أن يكون مادة صحافية، التقطت صورة لمرسى سفينة الرحلات البحرية في جزيرة المرجان. كان عبارة عن قطع مرقعة من الأخشاب، وصور أخرى من داخل السفينة، وبها عدد من الكراسي لا تكفي حتى نصف الركاب، وفي يوم نشر الموضوع جاءني اتصال يشكرني على الموضوع، ويؤكد وقوفهم على الموقع، ورصد المخالفات، والزام صاحبه تطبيق اشتراطات السلامة، كان هذا المسؤول هو اللواء محمد الغامدي».

تضيف زينة «ليس تقليلاً من أي مسؤول، ولكن وقتها كان تواصل المسؤولين مع الصحافيين، ووجود متحدث إعلامي متجاوب أمر نادر، خصوصاً بالنسبة لصحافية في بداية تكوين شبكة مصادرها وعلاقاتها. وقتها كانت أخبار العلاقات العامة تصل عبر جهاز الفاكس، فأصبحت أخبار حرس الحدود تحول ليّ مباشرة، وكلما وصل خبر اتصلت في اللواء محمد الغامدي المتحدث الرسمي، الذي كان وقتها برتبة مقدم، فكنت اسأل وهو يجيب، واستفسر وهو يوضح، لم يعتذر عن الإجابة المباشرة إلا نادراً، ليجمع المعلومات ويتأكد منها، ويعطيني الرد المتكامل».

تتابع «كان وقتها متحدثاً رسمياً فريداً من نوعه، متعاوناً، متجاوباً، مسؤولاً، متحدثاً بارعاً ولبقاً، نشط إعلامياً في تواصله وتجاوبه. أعطى موقعه الذي يعمل فيه كل ما يمكن أن يعطيه مسؤول العلاقات العامة لمؤسسته: الصورة المميزة بإبراز الجهود، والتفاعل الجماهيري في الأنشطة الميدانية، والتوعية بنشر الإرشادات عبر الصحف أو النشرات الخاصة، والكثير من الأنشطة التي استمرت حتى بعد ترقيته، ليصبح المتحدث الرسمي لقيادة حرس الحدود في المملكة. هو مثال لمسؤول العلاقات العامة الذي ترك بصماته في مؤسسته، وقدمها بأفضل صورة يمكن أن تقدم إلى الجمهور والإعلام».

نجله سامي الغامدي.

نجله فيصل الغامدي.

نجله عبدالعزيز الغامدي.

تعليق واحد

  1. ماقصر الرجل في خدمة وطنة وبارك الله فيه ونتمنى له حياة سعيدة في حايتة القادمة بين اهلة ومحبيه

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×