“أبو الوفاْ”.. أيقونة عوامية عاشت في الهامش 60 سنة.. وشاركت في رفع راية “السلام” مهاجم "العز" وحارس "النجم".. عاصر مجالس إدارة النادي قبل التأسيس

العوامية: معصومة الزاهر

لم يتسلّم منصباً إدارياً، ولم يشغل موقعاً قيادياً، وربّما عاش على الهامش عقوداً طويلة،لكنه ـ بالتأكيد ـ  احتلَّ وجدان أجيال متعاقبة في العوامية، وحاز احترام مجالس إدارات نادي السلام، وأحبّه الرياضيون وروّاد النادي، وأبناء البلدة، وحرصوا على تكريمه وحضوره في محافل المؤسسة الرياضية.

علي حسن علي حسن الزاهر، لو عددت اسمه خماسياً في مسقط رأسه، فربما لن تجد من يدلك عليه، ولكن ما إن تذكر اسم «أبو الوفا» حتى يرشدك إليه سكان البلدة مباشرة.

وفاء ليست مجرد كنية اكتسبها هذا الثمانيني من ابنته البكر «وفاء»، فبين الزاهر ونادي بلدته السلام «قصة وفاء» عمرها يربو على 60 عاماً، وفاء يقوم على حب متبادل من الطرفين. الزاهر يعتبر النادي بيته الثاني، فيما ينظر كل لاعب وإداري ومدرب في نادي السلام إلى الزاهر نظرة احترام وتقدير.

على سريره الأبيض؛ يمر شريط الأحداث في ذاكرة حسن علي حسن الزاهر، يتذكر مباريات لعب فيها مهاجماً في فريق العز، ثم حارس مرمى في الفريق الخصم؛ النجم، قبل أن يندمج الفريقان تحت مسمى «الاتحاد»، ليتغير اسمه لاحقاً إلى «السلام»، وذلك عام 1383هـ.

عاصر “أبو الوفا” كل الإدارات التي مرت على النادي منذ تأسيسه، وصولاً إلى إدارة الرئيس السابق فاضل النمر، عاش لحظات الانتصار بتحقيق البطولات والانتصارات، كان حاضراً مع كل الفرق في مبارياتها، حتى خارج حدود الوطن.

حسن الزاهر (الثاني من اليمين) خلال زيارة الكابتن عادل أحمد في الاسكندرية.

بناء في بيوت الطين

بحسب السجلات الرسمية؛ ولد أبو الوفا في الأول من شهر رجب عام 1357هـ، وتاريخ الولادة يوماً وشهراً هو تاريخ ولادة كل السعوديين الذين أبصروا النور قبل التسجيل الدقيق للولادات، أما ميلادياً فبحسب السجلات الرسمية من مواليد 26 أغسطس عام 1938.

دخل المدرسة لعدة أيام، ولكنه تركها للعمل في بناء بيوت الطين، يقول عن تلك الفترة «في السابق كنا نرغب بالعمل».

حصل على أول وظيفة رسمية مع المقاول السويكت، براتب يومي يقدر بـ4 ريالات، كان العمل في الظهران، في مجال البناء واللحام.

وكان إضافة إلى عمله يُدرب، ويعطي للمتدربين شهادات اللحام، تمهيداً للالتحاق في شركة «أرامكو»، لكنه رسب في اختبار النظر للدخول في الشركة.

أجرى عمليتي ليزر مختلفتين في عينيه مؤخرا، وركب عدسات، وهو ما جعل نظره اليوم أفضل من السابق، وكأن لسان حاله يقول لمن رفضه «تعال شوف نظري الحين».

من «الستبليزر» إلى «الدوبة»

أكمل الحاج علي الزاهر العمل لصالح مقاول آخر؛ محمد بن مقبل، يعمل كذلك مع شركة «أرامكو» في غرب العوامية، وتحديداً في «الستبليزر».

انتقل بعدها مع نفس المقاول للعمل في «الدوبة» في البحر، حيث كانوا يقومون بتكسير الجبال والصخور البحرية المعترضة لسفن نقل البترول، ونقل الصخور عبر «الدوبة» إلى أماكن متفرقة من البحر.

وبعد انتهاء العمل في «الدوبة» بانتهاء المشروع؛ تم فصله مع بقية العمال لانتهاء العمل. لم يثنه الفصل عن العزم في الاستمرار في العمل، فبدأ مع مقاول آخر، وأيضاً في مجال البحر، والعمل في «الدوبة».

يقول الزاهر لـ«صُبرة» «العمل كان متواصلاً، ولمدة 18 ساعة يومياً، زاملني في هذا العمل أبو علي العبدالجبار، وعلي حبيب الزاهر أبو أحمد».

تعرض فريق العمل إلى حادث حريق أثناء وجودهم داخل البحر، وأصيب الحاج علي الزاهر إثر هذا الحادث بعدة حروق، نوم إثرها في المستشفى، ثم قرر ترك العمل مع المقاول.

أبو الوفا (أقصى اليسار) في إحدى المناسبات الاجتماعية.

بداية المسيرة الرياضية

بعد حادثة الحريق؛ اتجه علي الزاهر لعالم الرياضة، وهو العالم الذي يهيم به عشقًا، فالتحق بنادي السلام أولاً بإكمال تسجيل اللاعبين وتنسيق تسجيلهم، وتجديد بطاقة تسجيل اللاعب لدى الرئاسة العامة لرعاية الشباب.

قبل ذلك، بدأ الزاهر سيرته الرياضية لاعباً مع فرق الحواري في بلدة العوامية، تحديداً مع «العز» و«النجم» الذي ساهم في تأسيسهما.

يقول «كنت مع العز مهاجماً، بعدها أصبحت حارس مرمى، تحديداً عندما التحقت في النجم».

يُعد الزاهر من أوائل من لعب مع السلام، النادي الذي تكون بصفة رسمية باندماج فريقي العز والنجم.

فاضل النمر.

والد الجميع

رئيس الاتحاد السعودي لكرة اليد، رئيس نادي السلام سابقاً فاضل علي النمر، يقدم شهادته في حق حسن علي الزاهر، قائلاً لـ«صُبرة» «أبو علي، المعروف أيضاً بكنية أبو الوفا، هو فعلاً رجل في قمة الوفاء لنادي السلام، فهو مرتبط به منذ التأسيس عام 1383 هجري، 1960 ميلادي، وله الآن اكثر من 58 عاماً موجوداً ومعاصراً لكل إدارات النادي، من أول إدارة للنادي حتى الإدارة التي ترأستها».

يلفت النمر، إلى أن الزاهر شهد الكثير من الإنجازات الرياضية والتحولات ومراحل تحول النادي وانتقاله إلى مبان ومحطات كثيرة، فقد كان النادي سابقاً في بيوت متنقلاً من واحد إلى آخر، وقد عاصر هو جميع هذه التحولات.

عن متانة علاقته في النادي، يضيف «أبو علي أقدم موظف في النادي، ويحب هذا الكيان بشكل غريب، موجود يومياً، ولا يغيب يوماً عنه، الا عندما أقعده المرض، أو ظروف أخرى».

ويرى النمر أنه «مثال للرجل المخلص والحريص على الحضور في أول الوقت، وآخر من يخرج، وفي بعض الأحيان نجلس لوقت متأخر بعد الـ10 مساءً، وأخرج لأجده مازال موجوداً، فيقول: أنا واحد منكم وفيكم، لا أخرج الا حين تخرجون من النادي».

وأكد حرصه – رغم كبر سنه – على تطبيق النظام، والعمل والانضباط بشكل كبير، يقول «هو حريص على كل ما يتعلق في النادي، سواء شؤون رسمية أو رياضية، وهو يرافق الفرق الرياضية إلى غالبية المباريات، على ملاعب النادي أو خارج العوامية. وهو يشارك اللاعبين فرحة الفوز، ويشارك دائماً في الحفلات التكريمية، ويعتبره الجميع أباً لهم، بمعنى أنه لديه من الحنان والرعاية والتعاطي الشيء الكثير تجاه اللاعبين والنادي».

سند قبض دفعه الزاهر لنادي الاتحاد الذي تحول اسمه لاحقاً إلى السلام. 

ويستشهد النمر بحادثة حصلت مؤخراً «قبل فترة جاء النادي واعطاني وثيقة قديمة جداً، عبارة عن سند قبض لاشتراكه الخاص في نادي الاتحاد، قبل تغير اسمه إلى السلام، وكانت قيمة السند 4 ريالات سنوياً، وذلك في عام 1966، ولا يزال يحتفظ بالوصل الذي سدده للنادي».

يختتم النمر شهادته بالدعاء للحاج على الزاهر «الله يحفظه، ويطيل عمره، هو يحب ويعشق النادي، ونحن حريصون على حضوره في النادي، وهو يعتبر النادي الان مكاناً لسلوته في هذا العمر، وإلى ملء وقت الفراغ، ونحن من ناحية الوفاء حريصون على حضور أبو علي، وألا يغيب، لأنه يوم يغيب فإن الجميع يسأل عنه، وغيابه ملحوظاً وله أثره. ‎أتمنى له طول العمر».

إبراهيم السعيد.

منارة السلام

أما الرئيس الحالي لنادي السلام إبراهيم السعيد، فتعرف إلى حسن علي حسن الزاهر، منذ كان طفلاً، عندما كان لاعب جمباز، يقول «عاصرت فترة عمله في مكتب رعاية الشباب بالمنطقة الشرقية، وكان يحضر عصراً للعمل في النادي. كان مسؤولاً عن مستودع الملابس والأحذية الرياضية، وكان موجوداً في البطولات والمباريات التي يخوضها نادي السلام كلما سمح له الوقت والظروف بذلك».

يضيف «عرفته رجلاً ذو أخلاق عالية، يعرف الجميع ويعرفونه. ولا زال هذا الرجل ينير نادينا بوجوده ومواصلته الحضور، رغم تقدم سنه، فتحية له من القلب لما قدم ويقدم. واسأل الله أن يطيل في عمره، وأن يديم عليه الصحة والعافية».

حسين الفرج.

من العضوية إلى الأمانة

الاستاذ حسين الفرج، اسم معروف على الصعيدين الاجتماعي والرياضي في العوامية، يقول عن الزاهر «عمل في النادي في موسم 1395-1396هـ، كان عضواً في البداية، ويدفع رسوم اشتراك كذلك، ثم بعدها أصبح أميناً للنادي، وكان مؤتمناً عليه، فارتباطه في النادي قبل أن يصبح أميناً».

يضيف «عمل في شركات عدة قبل النادي، وبسبب إصابات اثناء العمل في فترة رئاسة جعفر سعود الزاهر، تعاقد رسمياً وأصبح أميناً، كان يتردد كثيراً على مكتب رعاية الشباب الرئاسة العامة لرعاية في المنطقة الشرقية مراسلاً للنادي، وولفت جهده مدير المكتب عبدالله فرج الصقر، ووظفه هناك».

الزاهر (يمين) مع رئيس نادس السلام الأسبق المرحوم جعفر الفرج.

عن حضور الزاهر في النادي ومع اللاعبين، يعدد الفرج «رافق الفرق في جميع المباريات، خصوصا كرة القدم. كما رافق فريق تنس الطاولة، وكان من ضمن المرافقين عام 1396هـ في تصفيات كرة الطاولة في الرياض على مستوى المملكة في أول رحلة للفريق»، لافتاً إلى أنه «يلاقي محبة كبيرة، خاصة من اللاعبين الذين يحبوه جداً. كذلك رافق المرحوم جعفر الفرج في فترة رئاسته للنادي، في رحلة إلى الكويت، لشراء مستلزمات النادي من أدوات رياضية وأحذية وألبسة وكور».

يشير الفرج إلى دور إنساني لعبه أبو الوفا، من خلال العلاقة القوية التي ربطته بالكابتن عادل أحمد المصري، «كان هذا الكابتن أفضل مدرب مرّ على البلد، ولقي محبة كبيرة، وكان الوحيد الذي استطاع أن يستقطب محبة الجميع له. وعلاقة أبو وفا به كانت علاقة عائلية، ربطت النساء، فكانت أم وفا مع أم وسيم زوجة الكابتن عادل على علاقة طيبة».

حنون على الجميع

إذا كانت هذه هي صورة حسن علي الزاهر في العوامية ونادي السلام، فكيف هي صورته في منزله؟ تقول ابنته وفاء الزاهر «والدنا العزيز أبو الوفا، اسم نعتز ونفتخر فيه طول حياتنا. هو مثال على الطيبة والحنان، صاحب قلب كبير يغمر الجميع بحبه وحنانه، يسأل عن الجميع، يفتقد الصغير قبل الكبير».

تشير وفاء إلى ظروف «صعبة قوية» مرت على والدها وعليهم أيضا «فقد الوالدة الغالية أم علي الله يرحمها، وبعدها بعدد من السنين فقد اخونا محمد الله يرحمه ويغفر إليه. ولكنه كان دائماً شاكراً حامداً لله. «الحمد لله على كل حال» كلمة يرددها دائماً»، مضيفة «مرت هذه الفترة، رغم صعوبتها على الجميع وعليه خصوصا، هذه الأحداث ما افقدته حبه وعطفه علينا».

عن علاقة والدها في نادي السلام تؤكد وفاء أنه «جزء لا يتجزأ من حياة الوالد اليومية، منذ الطفولة وحتى قبل أن نولد إلى الآن. والوالد يعتبر النادي ومنسوبيه، صغاراً وكباراً، عائلته، وبيته الثاني، يسأل عن هذا ويرعى ذاك. يحب الجميع. وفي المقابل؛ يحظى من الناس بكل الحب والاحترام والسمعة والمعاملة الطيبة».

تضيف «ربطتنا علاقة طيبة وقوية بعائلة المرحوم الكابتن عادل محمد أحمد، أول مدرب كرة القدم في السلام. وبحكم وجود الوالد في النادي؛ كانت علاقته بالمرحوم الكابتن عادل قوية. كان يشكو حال زوجته المغتربة ووحدتها، فالوالد «الله يحفظه» تكلم مع الوالدة لتقوم مع الجارات العزيزات بزيارة زوجة الكابتن، وفعلاً تمت الزيارة، وصارت العلاقة قوية بين العائلتين، واستمرت حتى الآن».

علي الزاهر ابن أبو الوفا.

استقطاب المواهب

من داخل منزله أيضاً، يقول ابنه علي الزاهر «الوالد الله يحفظه كان ولازال يعد نادي السلام بيته الأول، عاصر أجيالاً سابقة، وكل رؤساء النادي حتى اليوم. وشهد كل بطولات ألعاب النادي المختلفة منذ تأسيسه إلى اليوم».

يتذكر علي أن والده كان يأخذه معه ليشاهد المباريات في مختلف الألعاب ومرافقة اللاعبين، يقول «شجعني على الانضمام إلى النادي لاعباً. وفعلا لعبت مع فريق تنس الطاولة بتشجيع الوالد. حتى مرة جاء الوالد وتمرن معنا، وتفاجئنا بمستواه المميز لشخص لم يمارس اللعبة، وفي مثل عمره».

يذكر له أيضاً عدداً من المواقف الخاصة في النادي «من توجيه الصغار وتحفيزهم على الانضمام إلى النادي، وفي أحيان كثيرة من البنية الجسمانية للاعب يقول له: أنت تنفع مثلاً تلعب كرة سلة، أو كرة قدم أو غيره، فكان له دوراً فعالاً في استقطاب المواهب».

مكرماً أحد أشبال النادي.

الأب والمربي

وعن البيت يروي علي الزاهر «كان دائماً موجوداً، ويؤدي دوره أباً ومربياً. كان له دوراً كبيراً مع الوالدة «الله يرحمها»، في توجيهنا وتدريسنا داخل وخارج المملكة، وحصلنا على أعلى الشهادات، ولله الحمد».

رزق حسن الزاهر بتسعة من الأبناء، البنات: وفاء، رحاب، فاتن، رنا، ناهد ودعاء. ومن ‎الأولاد: ‎علي، المرحوم محمد وأحمد.

خضع الزاهر لعمليتين مختلفتين لتبديل عدسات العين،  وهو ملتزم تناول أدويته. كما ظهرت لديه مشكلة في الظهر مؤخراً، إذ تعرض إلى شرخ في إحدى الفقرات، إضافة إلى خلع في الكتف.

شكر خاص: تتقدم صحيفة «صُبرة» بشكر خاص للأستاذ حسين الفرج ونادي السلام في العوامية، على تزويدها بالصور الواردة في هذه المادة.

تعليق واحد

  1. نسأل الله سبحانه وتعالى الصحة والعافية للرجل الطيب حسن الزاهر أبو علي. هو فعلا رجل ينبض بالوفاء لمجتمعه من خلال عمله في السلك الرياضي. عندما أراه أرى الوفاء يمشي على رجلين، الله يحفظه ويرعاه.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×