صورة من الماضي.. من ذكريات ليالي الشتاء في قرية قطيفية
سيد طاهر الفلفل
ليست هناك مسافة بين المنزل وروافد وجداول المياه التي تغذي بساتين القرية، وكذلك المصرف الزراعي (السد) لم يكن بعيدا فهو متاخم للبيوت أيضا.
في ليالي الشتاء حيث يسكن الهدوء أرجاء وزوايا القرية تتسلل أصوات الحيوانات فتخترق الجدران وتداعب أسماع النائم لتمتزج مع الأطياف الحالمة وتضفي عليها شيئا من المؤثرات الصوتية لزيادة الرعب في الكوابيس، أو زيادة الرومانسية في الأحلام الوردية.
في كلِّ فصل شتاء يكون الموعد الرسمي لإقامة مهرجان للزواج الجماعي بين الضفادع؛ حيث يتوافد الذكور والإناث المتبرجات من كل ساقية وجدول ماء على القاعة الكبرى للاحتفالات (السد)، فيرتفع صوت ذكور الضفادع بالنقيق كالأهازيج العذبة الممزوجة ببحة العشاق الحزينة.
كما يتسلل أيضا أصداء نباح الكلاب من أقصى البساتين فيتناغم مع عزف الجنادب الشجي في معزوفة موسيقية هي غاية في الجمال والإبداع الموسيقي الطبيعي.
لولا بعض الأصوات النشاز التي تدخل فجأة على أنغام المعزوفة من غير إذن؛ كنهيق حمار استيقظ مفزوعاً بسبب كابوس مرَّ بخاطره من وشوشات إبليس الرجيم يُصور له أن أتانه (أنثى الحمار) الجميلة والحبيبة في علاقة مشبوهة مع حمار من القرية المجاورة، أو تأوهات تيس في حظيرة قد ألهبت نار الشوق قلبه بعد فراق حبيبته الماعز التي باعها صاحب الحظيرة مضطراً بسبب الحاجة للمال .
كما يفسد السمفونية الموسيقية ارتفاع وتيرة المواء للقطط عندما يتشاجر اثنان من المجموعة بسبب الخلاف على قطة حسناء أو برميل قمامة أو زعامة الحي (الفريق) حيث يبدآن في تبادل الشتائم و من ثم التفاخر بالنسب والسلالة ثم ارتجال شعر الحماسة قبل أن تبدأ المعركة و القتال المميت.