الوباء الغريب

هناء العوامي

1- الرياض ، أكتوبر ٢٠٥٦

مجموعة من الأطفال يلعبون في ريع الثمامة

هكذا بدأ كل شي…..

كان الأطفال الستة لعائلتين ذهبتا للتخييم في هذا المنتزه الصحراوي، يركضون هنا وهناك غير بعيدين عن مكان أهليهم، أولاد عم هم، ولكن.. ما هذا الحجر الغريب؟ لونه يتبدل كل دقيقة من الأزرق الى الأصفر، يصعب تبين اللون الغريب من بعيد لكنك إذ اقتربت منه.. أعطني إياه أيها الغبي أنا رأيته قبلك ومن حقي الاحتفاظ به، آه هناك واحد آخر.. هناك… صاح طفل آخر، إنه أكبر من هذا، وبالتالي تراكض الأطفال الخمسة متسابقين لرؤية ما قد يكون أعجب مما وجدوه، تاركين حسن وحده يتفحص كنزه الصغير متعجبا.

بعد أسبوع بدأت الأعراض…

حمى مع آلام في البطن، قيء وإسهال

والأم توبخ الأب على إطعام ابنها من ذلك المطعم الجديد غير النظيف، ثم ظهرت الأعراض نفسها على الأطفال الاخرين.

بعد شهرين من ذلك..

سعاد تتململ في سيارتها حيث وقفت في طابور الانتظار الطويل لشراء الموكاشينو من شباك ستاربكس،  منذ انتهى حظر التجول بسبب الوباء الغريب الأخير وشراء كل السلع يتم من خلال نوافذ مخصصة في المتاجر، تفتح جهاز التكييف ثم تقفله، تكتب رسالة لفاتن على برنامج واتساب توبخها على.. لا يهم، تتذكر بداية الأحداث، طبيعة المرض الوبائية وعدم معرفة كيفية انتقاله حيرت الأطباء، هو يستجيب أحيانا للمضادات الحيوية، لكن يبدو أن البكتيريا المسببة له تتحور بسرعة ولا تشبه أي سلالة بكتيرية نعرفها، هذا كل ما فهمته سعاد من شرح أخيها الطبيب حول الموضوع، بعدها فقدت القدرة على التركيز حول أي شيء قاله، لكن الجميع لاحظ ان كل شيء بدأ منذ رؤية ذلك النيزك. 

٢-الرياض أكتوبر ٢٠٥٧

كان خالد جالسا وحده يتأمل اللهب المتراقص أمامه، لا شيء يحسن المزاج ويصفي الذهن أكثر من نزهة صحراوية وحدك، هنا تتخلص من صخب المدينة، من الروتين، من سلسلة المجاملات والمشاحنات والمساومات التي يفرضها التعامل مع البشر، هنا تحصل على الاسترخاء والراحة وجو الشجن الملائم لكتابة الشعر والاستماع الى ألحان أبو نورة..  ولكن ما هذا الذي أراه؟ فرك خالد عينيه وقد حسب نفسه يهلوس، شيء أصفر كبير وبعيد يشبه مبنى وزارة الداخلية لو أنه قرر أن يتعلم الطيران على سبيل التغيير، خاصة وأن الشتا حولك وما إلى ذلك.

ثم اختفى

عاد خالد إلى دلة القهوة وقد نسي الأمر برمته

أو قرر نسيانه

لقد مر زمن طويل منذ أن اتخذ قرارا بأن لا يشغل نفسه أبدا بالتفكير في أي أمر لا يسعه فعل شيء بصدده، وبدأ تطبيق ذلك القرار بصرامة .

طبق طائر؟ هنا في الرياض؟ يا للفضيحة، ليست المشكلة أنهم سيقولون أنك قد جننت، المشكلة هنا أن هذا الصنف من الجنون غير مناسب هنا، عليك أن تجن بامرأة مثلا ومن ثم تهيم على وجهك في الصحراء وتقرض الشعر، أما الأطباق الطائرة فعليك أن تزعم رؤيتها حين تكون مبتعثا في أمريكا مثلا، أما هنا فلا… غير مسموح.

٣-الرياض،  فبراير ٢٠٥٨

انتهى الوباء فجأة، الوباء الذي شغل العالم كله لكن حالات قليلة جدا خرجت من الحدود، السبب هو الإجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة على مشاريع السفر والتنقل والتجمعات والحج..إلخ، الغريب أنهم وجدوا ما يشبه المضادات الحيوية في دماء الناجين، مضادات لم يحقنهما أحد لهم قط! ولها بدورها طابع الانتقال الوبائي!

ثم بدأت ظاهرة الخطف

بعض الأطفال يختفون في أماكن لا يفترض أن يضيع فيها طفل! غالبا في أماكن التنزه الخلوي في البر، وبالتالي امتنع الجميع -على مضض- عن نزهات البر هذه

ثم كثرت الأقاويل عن رؤية أطباق طائرة:

ايه وكيف كان شكله؟ عيونه مشقوقة بالطول وآذانه كبر جوالك وخشمه فتحتين وطالعه من راسه قرون؟ هههههههههه.

علي يكلم سلطان على جواله وهو يضحك بعد زعم هذا الأخير وهو يخبره في رعب أنه رأى كائنا غريبا أثناء نزهة في البر..

زين أنا مصدقك بس ليش باقي الربع ما احد شافه بس انت؟ هههههههههه زين ليش قلت مخلوق فضائي مو يمكن جني؟  يعني عادي تشوف جني هنا بالرياض أما كائن فضائي لا، عيب، مو تبع ثقافتنا ده، طيب طيب لا تعصب، بس روق شوي وحاول تنام واشرب قهوتك واستريح، بعدين حاول ترسم ده اللي شفته وخل نشوف ش السالفة، أنا بكرة أروح معاك نفس المكان اللي تقول انك شفته فيه

٤-الجزء الأخير

في مجرة تبعد ثلاثمائة سنة ضوئية عن الأرض، في كوكب الزطاريخ، الذي يدور حول نجمين توأمين بحجم الشمس، والذي لعيون سكانه جلد بسمك راحة يدك، لابد من ذلك لكي يقدروا على النوم نظرا لأنه لا ليل فيه، وفي مبنى الأبحاث العلمية الذي يشبه الى حد ما بيضة مقلوبة، يتجول مجموعة من العلماء بمعاطفهم الطويلة ذات اللون السلموحي،  وهو درجة لونية تحت حمراء لا تراها أنت، وبأجسامهم النحيلة التي تشبه مكنسة مقلوبة، مع أفواه كمنقار البطة، أوقفهم رئيس مجلس العلماء لاجتماع عاجل وأعلن:  أن اللقاح الذي سهرتهم طويلا عاكفين على صنعه، قد تمت تجربته بنجاح على الحيوانات، كما تمت تجربته بنجاح على كائنات فضائية في كوكب بعيد يبدو أن سكانه يسمونه الأرض لو أن وسائلنا في الترجمة ناجحة، وما دام اللقاح آمنا فعالا لتلك الكائنات العجيبة التي أصيبت بمرض نشأ وتكون في بيئة أخرى بل في مجرة أخرى فلا بد أنه أكثر أمانا وفاعلية لسكاننا.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×