الدرازي يستضيف آلاف النوارس والغربان على مائدة إفطار يومية حارس مدرسة أطلق مبادرة قبل 4 سنوات للحفاظ على النعمة
سنابس: ليلى العوامي
إذا كان بدوياً قدم الطعام لذئب ليلاً؛ فأصبح مضرب مثل في الكرم والشجاعة، فيقال «معشي الذيب»، فإن زكي حسن عبدالله الدرازي يقدم وجبة إفطار يومية لآلاف الطيور، فأصبحوا أصدقائه.
الدرازي، وهو صياد عاش حوالى 43 عاماً في البحر، ليس غنياً، هو مجرد حارس مدرسة، لكنه منذ أربع سنوات يعيش علاقة خاصة بالطيور. ينطلق فجراً من منزله المُطل على بحر سنابس، حاملاً أكياس، لإطعام النوارس والغربان والحمام وطيور البحر.
أحال فضاء الواجهة البحرية في كورنيش سنابس إلى مطعم خاص، بلا كراسي وطاولات، ولا حتى طباخين، وإنما رصيف ينتظر فوقه حتى تنتهي طيوره من الأكل، فيعود إلى منزله محملاً بسعادتين؛ الحفاظ على النعمة، وإطعام مخلوق.
برنامج يومي ثابت
ثمة سعادة أخرى، ولكنها ليست في نفس زكي، بل لدى زهراء الدرازي الفخورة بوالدها جداً، فسعادتها لا توصف وهي تسمع خطواته متجهة نحو باب المنزل بحب، حيث يجلس يومياً من الخامسة فجراً، ولا فرق لديه إن كانت إجازة أو دوام.
برنامجه لا يتغير، يسقي زرعه أولاً، ثم يعرج بسعادة غامرة على الواجهة البحرية في سنابس، لإطعام طيوره من الخامسة و45 دقيقة أو السادسة، قبل شروق الشمس، يتأملهم إلى أن ينتهوا، فيما المارة من الرياضيين الذين يرونه يتوقفون لتأمل جمال المنظر، وربما التصوير.
علاقته الحميمية مع الطيور لا تقتصر على الواجهة البحرية، ففي المنزل هناك الكثير منها، هو يعشقها، تتناول معه الطعام، وتجلس على كتفيه، وعائلته أيضاً تعشق ذلك.
هدف مزدوج
قد تكون المسافة بين بيته، والواجهة البحرية عدة دقائق، يقطعها في بضع خطوات، لكنها تعني إليه الكثير، يلخصها في حديثه إلى «صُبرة» في «الحفاظ على النعمة، وإطعام الحيوانات (الطيور)، إضافة إلى إدخال البهجة على نفوس الصغار والكبار».
يضيف أبو حسن «أجد متعة كبيرة وأنا أمشي من منزلي إلى الواجهة البحرية، حاملاً معي أكياس الطعام، لتقديمها لضيوفي الذين يأتون من كل مكان ليشبعوا ويدعو لي، هم ينتظرونني، وأنا أمشي على مهل حاملاً كيس طعام، وبين عيني أمنيات أريد منها الثواب والجزاء، وكأنني أشعر بهذه الطيور تريد أن تساعدني لكنها تعرف بأنني أريد إكرامها لا مساعدتها».
من 10 طيور إلى الآلاف
المبادرة بدأت منذ أربع سنوات، حينما فكر الدرازي أن يرمي بقايا الطعام في البحر، كي تأكله الأسماك، إلا أنه لاحظ بعد أيام أن الطيور موجودة في المكان الذي يذهب إليه، فقال في نفسه «لماذا لا أضعها للطيور؟».
بدأت القصة بـ10 طيور، واليوم آلاف منها تأتي للأكل، ومن لا يجد؛ ينتظر دوره. يرتب الطعام في مكان محدد في الأرض، وينتظرهم ينتهوا من تناوله. لا يستغرق منه ذلك وقتاً طويلاً، حوالى عشر دقائق فقط، يقف فيها على الرصيف ليراقبهم، وهو يبتسم متنهداً تنهيدة السعادة والفرح لما يراه، وينتهي كل شيء، يشبع من يشبع، ويبقى من يريد المزيد، ينظف البقايا ويعود إلى منزله حاملاً سعادته بين في قلبه.
أنواع الطيور التي تأكل ما يقدمه الدرازي كثيرة، لكنه يقول «إن أكثرها هو الغُوَاي الطائر البحري المشهور، وهناك الغن، والصر، والحفيفي، والمليحي، والغربان، والحمام، وطيور البحر ولكل واحد منهم أكلته الخاصة».
مساعدة الجيران والمتبرعين
ويصف الدرازي ما يراه أمام عينيه حينما تأكل الطيور «الطير مجرد ما أن ينتهي من الأكل يرحل. أما الحمام فموجود طوال 24 ساعة، وكذا الغربان موجودة بكثرة، وبيني وبينهم نغمة خاصة، ما أن أطلقها حتى يأتوا من كل الأنحاء. وطير البحر فله موسمه، وهو الشتاء، وما أن ينتهي؛ حتى يغادر المكان ليبحث عن آخر بارد».
يزيد عدد ضيوف الدرازي خلال الأمطار الخفيفة، ويقدرهم بـ4000 طير، بعضهم يأكل، ومن لا يستطيع الأكل؛ ينتظر رحيل الكبار، ليأكل المتبقي من الفتات.
لا يقتصر طعام ضيوف الدرازي على بقايا النعمة التي يأتي بها من منزله، فهناك ما يقدمه الجيران، ومن هنا وهناك.
يقول «حينما شاهدني الناس أقدم بقايا الطعام للطيور، قاموا مشكورين بمساعدتي بأن يأتوا ببقايا طعامهم للموقع، فجزاهم الله كل خير. ولكن بعضهم لا يعلم بأن هذه الطيور لا تأكل الورقيات، وبقايا البصل والبطاطا، فاضطر لفرز الأطعمة يومياً».
هاني القيصوم اقترح على الدرازي أن يساعده في تقديم بقايا الدجاج يومياً للطيور، فشاركه الثواب في ذلك.
مكان نظيف
يجدُ الدرازي متعة كبيرة في تنظيف المكان بعد أن تأكل الطيور ما تأكله، حتى يستمتع الناس بنظافة الكورنيش، يقول «حينما رأيت تفاعل الناس مع المناظر الجميلة؛ قررت تنظيف المكان بعد أن انتهي من إطعام الطيور، فهذا المكان يجب أن يبقى نظيفاً لمن يأتي إليه سائحاً أو مصوراً».
كل ما يتمناه الدرازي من أفراد المجتمع «أن يساهموا في تقديم أطعمتهم الزائدة إلى هذه الطيور، أو الاقتصاد في الأكل، للحفاظ على النعمة».
يقول «أنا مرتاح نفسياً، خصوصاً حينما يأتي الأطفال مع عوائلهم للتصوير، ومشاهدتي وأنا أقوم بتغذية هذه الطيور، وأتمنى أن أكون يوماً من الأيام قدمت خيراً، وعلمت هؤلاء الأطفال كيف يحافظوا على النعمة، فأنا أشعر بالسعادة لأني أحافظ عليها».
مديرة المدرسة: أبو حسن مُحِب للخير
زينب الزين، مديرة المتوسطة الأولى في سنابس، التي يعمل فيها زكي الدرازي حارساً، تقول لـ«صُبرة» «أبو حسن مُحِب للخير دائماً، تراه من الصباح الباكر يستيقظ من النوم ويقدم الأكل للطيور. وإذا لم يكن لديه بقايا طعام؛ يذهب إلى سوق الدجاج لشراء البقايا. كي يوفر حاجة الطيور للطعام».
تشعر الزين بالسعادة حينما تأتي إلى الدوام صباحاً باكراً «ونراه إما أنه يؤكل الطيور، فنستمتع بتصويره، أو يكون عائداً من الإطعام، فنشاهد الابتسامة مشرقة على محياه».