[قراءة] “نداءٌ” هادي رسول.. إيقاع التذكر ومجاز الصورة
محمد آل عمير
ما الصورة الذي نفتقدها في الصوت..؟ هل الصوت مبعث لإيقاع النفس في عروج البوح..؟ أم أنه إيصال معنى حول جدوى وجودنا..؟ ما هو التكثيف المرئي الذي نريد أن نراه..؟
حينما تصدر أفواهنا الموجات الصوتية؛ هل النداء صوت مرئي في تصور الشعور..؟ أم أن النداء ضمير يتصل بالواقع..؟ وتقدير هذا الضمير بوح لا ينقطع عن الصورة..؟
هذه الأسئلة منطلقة من نواحي الدلالات الاستقرائية للواقع.. هل نحن فعلا قادرون على إيصال المعنى بهمس أو نداء..؟
وإذا اكتشفنا عمق وتفاصيل الأجوبة؛ فإننا نريد أن نسبر غور الجواب، ليكون سؤالا آخر بمفاهيم أخرى، تلتقي هذه المفاهيم بذاكرة نعيشها وتعيش بدواخلنا.
لماذا نسأل عن الصوت وهمسه وندائه..؟
لأننا ندرك بأن الأشياء إذا تحدثنا إليها فإنها تتصل بنا، سواء أكان هذا الاتصال محرض للتغيير، أو اتصال من أحلام المنام واليقظة.
هذا الاتصال سيكثف علاقتنا بالوجود والإدراك بأهمية ترك أثر حقيقي..!
السؤال الآخر متعلق بطبيعة رسائلنا التي نريد إيصالها لمن حولنا وممن يهمهم أمرنا..!
و نسأل: هذه الرسائل هل ستبقى بعدما نرحل عن هذه الحياة..؟ أم أن النسيان سيصبح ظلها الخفي..؟
كيف نجعل من الذاكرة طريقا لتخليد الرسائل لتكون ضمن أبدية تعالج أسئلتنا بأصوات مرئية تبتكر أمواجا من المسافات اللغوية والدلالية..؟
هل نحن قادرون أن نكون ضمن عمق الذاكرة..؟ أم على حافة الأفق تمسك بنا الأبدية تارة ويتصل بنا النسيان تارة أخرى..؟
لذا جاء النداء ليكون مبعثا للتذكر وقوة لتخليد رسائلنا وقيمنا التي نريدها أن تظهر على آمالنا وتطلعاتنا ويظهر أثرها على أفراحنا وأحزاننا.
هذا الاختزال المستخدم في بعض النصوص يجعلنا نعيد صياغة المعنى بأكثر من زاوية..
يقول الشاعر هادي رسول:
“في “سماواتُ الفرح
“لم نصعد سطحًا مرةً، إلا وهبطنا منه ونحن نتقدم داخل زمننا بإدراك مختلف…”
وهو كان يتحدث عن السطح العلوي في المنزل
ويقول: في ذات العنوان
“… دافعنا قد يكون تأمليًا، أو عزلة بسيطةً نذهب إليها بدوافع اللاوعي…”
تخرج إليك الفكرة الذي يكتبها الشاعر في أقصوصة تجعلك تستعد للإنصات إليها وأنت تستحضر عمق مشاعرك بمخيلة بصرية لا تغادر إيقاعات شرايينك..
يقول هادي رسول وهو يتحدث عن العتمة التي كانت في أعماق الجنين قبل خروجه من رحم أمه:
“العتمة مختبر الروح، فيها يتشكل صلصال الذات
ويُعجن طينُ البشرية “
يربط الأمكنة بحنين لا يغادر مرافئ الوقت، وأحيانا يصف الأمكنة بأنسنة تتجلى في كنف الحكاية / حيث كان يقول بأن
“البحر، إنسان سائل
الفجر لسان الطبيعة/
القرية تسأل أهلها أسئلة التكوين/
ولا تنتظر إجابة”
يغفو حلم هادي رسول بأسئلة وجودية، وقد يستيفظ السؤال عن الحياة بسدرة، نعم السدرة الشجرة المعمرة التي كانت تدرك لغة الآباء والأجدات وعلى ثمرها وجذورها نمت حكايات وذكريات.. يقول في عنوان “سدرة المنتهى”:
“قطن كث تكاثر من صلب الأسلاف
وترائب السنين الغابرة
رأيتك والأبواب المفتوحة للأعلى
ربما شرفة
ربما سدرة …
ربما منتهى”
يمزج هادي المجازية الذي يتخليها بأحاسيس دلالية واقعية ترسخ معنى أن يكون لك ذاكرة وحنين.. يقول الشاعر هادي رسول:
“كلما اقتربت من إدراك حقيقة وجودية ما،
فأنت تتعمق في حالة تأملية، تفرض عليك الولوج إلى ذاتك، وربما ولوج ممتزج بأسىً غريبٍ
قد لا تفهمه..”
ويقول في عنوان “دهشة الزمن الهارب”:
“الدهشة تسير الآن حافية القدمين
تتوسلُ المسافات بأن لا تنتهي”.
وهنا أصل إلى نهاية تأملي في النص وأقول إن خلف مرايا الدهشة ظلالاً تريد أن تكتب وجودها بآهات من نور، وبشائر من أمل، وطاقة من أغصان سدرة ترسخ في الذاكرة، عمق الأصالة بتحليق الحنين في تغاريد الوقت..