محمد العباس: الرواية السعودية نجحت مضموناً لا شكلاً.. والنُّقاد مستهدفون إعلامياً المتشددون أشاعوا فكرة الطرح الجنسي فيها ضمن المواجهة بين التيارين الديني والليبرالي
الدمام: بتول محمد
قدم صالون أدبيات الافتراضي ليلة البارحة ندوة نقدية بعنوان “واقعيات جديدة للرواية العربية” الأستاذ محمد العباس وبإدارة الدكتور إبراهيم سعيد أطلق فيها الناقد العباس العديد من التصريحات حول واقع الرواية والروائيين في المنطقة العربية وفي السعودية.
جاءت الندوة على قسمين، الأول تناول الرواية العربية الحديثة وواقعياتها الجديدة متمثلة في انزياح الموضوعات، ولانزياح الزمني من الحداثة والتجريب الروائي العربي.
أما في القسم الثاني فقد تحدث عن الواقع المعاصر للرواية السعودية ثم عن دور الناقد وموقعه من المؤسسة الثقافية العربية.
تأثير متبادل
بدأ مدير الندوة بمقدمة تعريفية مختصرة عن الناقد العباس ثم باستجلاء موضوع الندوة بالسؤال عن الاختلاف بين الواقع الحقيقي والواقع الفني للرواية. وأكد العباس تمازج هذين الواقعين وعدم إمكانية الفصل بينهما، فالرواية العربية بعد أن رسمت معالم الواقعية العربية في مرحلة التأصيل مع نجيب محفوظ والطيب صالح وغسان كنفاني وغيرهم ووجهت العقل العربي للقضايا الأساسية التي كانت الرواية تتحرك ضمن سسيولوجياتها بحسب كل قطر (في النضال السياسي والاجتماعي والتحرري)، هذه المعالم تعرضت لزحزحة في النص الروائي الحديث حيث لم يعد الروائي الحالي ينطلق من تلك الموضوعات، بل ربما تصادم معها بسبب تغير مناخات الواقع العربي. أما عن منطلق التأثير المتبادل بين الواقع والطرح الروائي؛ فيرى العباس أن الواقع في حقيقته ليس سوى مجموع تخيلات عن واقع معين قابلة للكسر والإزاحة بطرح مغاير في رؤيته لهذا الواقع.
واقعية جديدة
وانتقالاً من انزياح الموضوعات لخلق واقعيات جديدة إلى الانزياح الزمني وقدرة الكاتب على الكتابة عن أحداث مستقبلية وموقع تلك الروايات من الواقعيات الجديدة، ذكر العباس أن الإزاحة الزمنية وحدها لا تمثل واقعاً جديدًا للرواية، فهذه الآلية في الكتابة مطروحة سلفاً في الأدب الكلاسيكي المصري كما في روايات محفوظ، ويلجأ إليها الروائي بسبب مؤثرات عديدة لكن السبب الأهم هو شعور الكاتب العربي مؤخراً باليأس من إحداث تغيير سياسي حقيقي.
كما قال: ليس من ضمن طرح واقع روائي جديد أن يتنبأ الروائي بما سيحدث، ولكن أن تكون لديه ذخيرة معرفية وحدس جيد يساعدانه على قراءة الواقع قراءة تحليلية؛ لطرح الحاضر واحتمالاته بطريقة مقنعة.
التجريب
وحول التجريب وعلاقته بالواقعيات الجديدة يرى العباس أن التجريب في الرواية العربية مازال ضعيفاً، وذلك نتيجة الارتباط البنيوي بين الحداثة كأسلوب حياة والطرح الروائي الحداثي، فالعربي لم يعش حداثة حقيقية، سواء على مستوى التشريعات وحق التعبير أو على مستوى السلوك، لذلك ليس بإمكانه التعبير عن موضوعات حداثية. ومازال الكاتب العربي يتحدث بيقينية عن الهوية والذات والوطن برغم الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي يعيشها.
وقال إن الرواية الحديثة منشغلة بموضوعات كثيرة غير مطروحة عربياً مثل الذات وتشظيها، وامتزاج الهوية، والهويات العمياء ضمن الحس الفرداني اللايقيني للكاتب. فالتجريب ـ وإن ظهر على المستوى الشكلاني في الرواية العربية ـ يبقى عاجزاً عن التوغل كعمق في المضمون والتركيب الفني والبناء.
أما آلية استخدام الخيال التاريخي في معالجة الحدث المعاصر فهي في الرواية العربية مجرد إعادة رواية للحدث التاريخي وليس تلبساً حقيقياً وحضوراً ذاتياً في اللحظة التاريخية، إلا ما ندر كما في تجربة كمال داوود “مورسو تقرير مضاد.” لمحاكمة ألبير كامو ودوره المتخيل (ضمن روايته) في الاستعمار الفرنسي.
الحداثة ليست زمناً
ورداً على مداخلات الحاضرين، قال إن الحداثة الروائية لا ترتبط بزمن ظهور الرواية فروايات محفوظ تقرأ اليوم كروايات حداثية تقوم السينما بإعادة اكتشافها، فيما يسميه دريدا بالمعنى المؤجل الذي يبرز دور المتلقي كطرف مهم في التجربة الأدبية.
وهناك روايات معيارية في كل مجتمع تحولت لقوالب يصعب تجاوزها غير أن التغير في الحدث الواقعي فرض الخروج على موضوعاتها ضمن سسيولوجيا المضامين التي تنبني عليها الرواية. كما لفت الانتباه إلى أن هناك رهانات تجريبية أثبتت فشلها مثل موت الحبكة والشخصيات التي تأكل نفسها وإلغاء الزمان والمكان وإنما نجحت عند البعض بسبب إبدالات فنية حافظت على البناء الروائي.
الرواية السعودية
في القسم الثاني من الندوة انتقد العباس الرواية السعودية بشدة، فظهورها كان كمواجهة لمرحلة الصحوة والتيار الديني الذي أغلق الفضاء الاجتماعي، بالإضافة إلى محاولة إيجاد رواية مجاورة للرواية الرسمية في وقت تعززت في الفردانية وظهرت محقونة بجرعة عالية من الدعوة لليبرالية وعلمنة الفضاء الاجتماعي، فشكلت نجاحاً على مستوى المضامين دون الشكل.
تلتها مرحلة فوضى، وبدأ الجميع يكتب رواية بلا تقاليد للكتابة أو خبرات حياتية أسفرت عن إنتاج بلا قيمة. بل وحتى من نجح في مرحلة الطفرة دخلوا في مرحلة تقليد أنفسهم. أما عن موضوعات الرواية السعودية فالمتشددون أشاعوا فكرة كثرة الطرح الجنسي في محتوى الرواية السعودية ضمن المواجهة بين التيارين الديني والليبرالي، أما الكتابة السياسية فإنها تبقى غير مكتملة. والمعضلة الكبرى الآن هي محايثة اللحظة الراهنة والإمساك بخيوط التحول البنيوي في السعودية والتعامل معه روائياً وتجاوز الكتابة المناطقية إلى الكتابة المكانية.
إقصاء الناقد
وعن دور النقد والنقاد، صرح العباس بأن هناك قصدية في محاولة إقصاء النقاد وتجاهلهم وتوجيه مختلف التهم إليهم لأسباب متعلقة بالمؤسسة الثقافية العربية رجوعاً إلى المؤسسة السياسية والاجتماعية. هي محاربة للنزعة العقلية التي يمثلها الناقد باستهدافهم النقاد إعلامياً. فبينما يتم تقديس الروائي وتقدم له الجوائز، يتم التغافل النقاد ومهاجمتهم حين يتعرضون للنقد اعتماداً على العمل الروائي لا على اسم الكاتب؛ في غفلة أو تغافل عن تفاوت مستوى منتجه الأدبي من رواية لأخرى. هذا الأمر مازال سبباً في قلة الإسهامات النقدية للنقاد الأكاديميين إلى جانب عدم تقدير العمل النقدي من قبل الروائي نفسه.