دعم المشايخ لنادي “مُضر” يوسّع المفهوم الضيّق لمصروفات الأموال الشرعية الجارودي: المشايخ سباقون.. الفرج: تحصين للشباب.. الصفار: مثل التبرع للمساجد

القطيف: معصومة الزاهر

فتح ما أعلنت عنه إدارة نادي مضر في القديح قبل أيام، باب تساؤل وجيه حول ما يصرفه ويقدّمه المشايخ من أموال شرعية، لدعم مؤسسات الشاب الرياضية تحديداً.

خمسة من رجال الدين في القطيف؛ تجاوزوا المفهوم «الضيق» لأوجه إنفاق الحقوق الشرعية، وقدّموا دعماً «مالياً سخياً» لنادي مُضر في القديح، لمساعدته على تنفيذ أعمال صيانة لملاعب النادي، الذي يحقق لاعبوه بطولات كُبرى على المستوى الوطني.

وفي الوقت نفسه؛ تعاني خزينته من قلة مواردها، كما هو حال أندية أخرى في محافظة القطيف.

هناك أموال يتلقّاها المشايخ من الناس، بعضها أموالٌ شرعية من الخمس والنذور والهبات، وما شابه، وبعضها أموال شخصية، والمفهوم التقليدي لأوجه الصرف ـ المعلنة على الأقل ـ تُشير إلى أن الفقراء وطلاب العلوم الدينية هم أهم المستفيدين من أوجه الصرف.

السيد طاهر الشميمي

لكنّ ما أخذ يتنامى، لدى مشايخ في القطيف، هو توجيه بعض أوجه الصرف لمشاريع اجتماعية نوعية، ودعم الأندية التي تُعاني مالياً واحدٌ من هذه الأوجه..

“صُبرة” فتحت التساؤل أمام تجربة نادي مضر الأخيرة في تلقيه الدعم المالي من بعض مشايخ القطيف، وخرجت بهذه الحصيلة:

الجارودي: سباقون لدعم الخير

رئيس النادي الدكتور سعيد الجارودي، عدد في حديث لـ«صُبرة»، المشايخ والسادة الداعمين، وآخرهم السيد طاهر الشميمي، الذي قدم دعماً مالياً لنادي مسقط رأسه القديح.

إضافة إلى الشيخ حسن الخويلدي، الشيخ حسن الصفار، الشيخ محمد العبيدان، الشيخ علي الفرج، والخطيب الحسيني سعيد العبيدان، وكذلك «جمعٌ من الأهالي من محبي دعم مشاريع الشباب».

الدكتور سعيد الجارودي

الجارودي، الذي احتفل ناديه قبل أسابيع بحصوله على كأس الأمير سلطان بن فهد لكرة اليد في نسخته الـ43، للمرة الثالثة، أوضح أن الهدف من التبرع كان «صيانة ملاعب النادي التي تحتاج إلى أعمال صيانة كبيرة، كي تخدم الأجيال المقبلة التي ستستنفع من هذه الملاعب».

وثمن رئيس نادي مُضر هذا الموقف، وقال «نحن نثمن ونقدر ونشكر وقوف السيد طاهر الشميمي، والمشايخ الآخرين، لأنهم لم يقصروا، وهم دائماً يقدمون المساعدات للنادي، والشكر  لأفراد المجتمع عموماً. كما نشكرهم على هذه الرسالة، التي يوجهوها إلى الآخرين، كي يستثمروا في عمل الخير المجتمعي بالكلمة والدعم المادي، وهم لا يقصروا، وشهادتنا فيهم مجروحة، هم دائماً سباقون في خدمة المجتمع ببذل المال والنصح والإرشاد».

الشيخ حسن الخويلدي

الخويلدي: حسب رغبة المتبرع

الخطيب الشيخ حسن الخويلدي، أوضح أن المساهمة التي قدمها إلى نادي مُضر «كانت لأجل روح الوالد»، وقال «نحن نعمل هذا لأجله بين فترة وأخرى، فهو رجل محب للخير».

وعن إنفاق أموال الحقوق الشرعية، قال الشيخ الخويلدي «لو جاءت أموال مخصوصة للفقراء؛ فسنذهب بها إلى الجمعية أو إلى العائلة المحتاجة. ولو خصص متبرع أمواله إلى النوادي؛ فلا بأس، فهي أموال يحدد المتبرع بها أوجه صرفها».

ولا يرى الخطيب الحسيني الخويلدي بأساً في تقديم التبرعات إلى النوادي الرياضية في مختلف المناطق، فهي «منشأة تضم الشباب وتحتويهم، وتبعدهم عن الانحراف»، بحسب قوله، مضيفاً أن «احتواء النادي فئة الشباب محبي الرياضة يُسهم في ضمهم وصقل مواهبهم ودعمهم، ما من شأنه أن يرقى في مستوى البلد».

الشيخ علي الفرج

الفرج: شيء عقلائي

الشيخ علي الفرج قال إن «الأموال من الحقوق، ويوجد في الفقه باب «السبق والرماية»، وهما شيئان شرعيان، ويجيز الفقهاء إعطاء الحقوق الشرعية للمتسابقين، فنفهم من ذلك سراية جواز إعطاء الحقوق الشرعية للمسابقات الجائزة، وما شابه ذلك، فهذا ممكن».

أضاف الشيخ الفرج «لو كانت المباراة بين الإسلام وغير الإسلام؛ فتعد ترويجاً للدين بأي وجه كان، خصوصاً أن شبابنا إذا لم نحصنهم عن المغريات غير الشرعية سنعتبر جزءاً من أسباب انفلاتهم، فيكون تشجيعهم وإعطاؤهم جزءاً من الحقوق الشرعية لا شك أن هذا يعتبر شيئاً عقلائياً راجحاً».

الشيخ محمد العبيدان

الملا سعيد العبيدان

الصفار: التبرع للنادي لا يقل ثواباً عن الإنفاق على المساجد

الشيخ حسن الصفار

تعاني أغلب أندية المنطقة من عجز مالي، فبعض الأندية وخاصة التي لا تمتلك منشأة لم تعد قادرة حتى على تسديد إيجار مقرها، فضلاً عن رواتب الموظفين، ومستلزمات النشاط الرياضي، مما يهدد بعضها بالانهيار والإغلاق.

وقد أثر هذا العجز المالي على نشاط مختلف الأندية، وفي الوقت الذي نأمل فيه مضاعفة الاهتمام من قبل الحكومة بهذه الأندية، لما لضعفها وتراجعها من انعكاسات سلبية على الأمن الاجتماعي، فإن على رجال المال والأعمال في المجتمع أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذه الأندية، ولا ينبغي أن تكون كل أعبائها على كاهل الدولة، وفي الوضع الحاضر عليهم أن يمدوا يد الدعم والإنقاذ لتستمر الأندية الرياضية في أداء دورها الاجتماعي الخطير، بل هي بحاجة إلى إمكانات كبيرة، لتطوير نشاطها، بما يتناسب مع تصاعد التحديات أمام أجيال الشباب.

وفي بعض مناطق الوطن تحظى الأندية الرياضية بدعم جيد من القطاع الخاص، وهذا ما نطمح إلى حصوله في منطقتنا إن شاء الله.

إن كل ناد رياضي بحاجة إلى هيئة أعضاء شرف، تتكون من رجال الفكر والأعمال المهتمين بمصلحة
المجتمع والوطن، لتصبح هذه الهيئة ظهراً وسنداً للنادي في احتياجاته المادية، ومصدراً للتوجيه والرعاية والدعم المعنوي.

إننا نقرأ في النصوص والأحاديث أن الرسول (ص) كان يبذل المال في سباق الخيل، كما ورد عن الإمام علي بن الحسينE: «أن رسول الله (ص) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضة»^[1].

وفي رواية أخرى عنهE: «أن رسول الله (ص) أجرى الخيل وجعل فيها سبع أواقي من فضة»^[2].

وعن الإمام محمد الباقرE: «أن رسول الله (ص) سابق بين الخيل وأعطى السوابق من عنده»^[3].

وحينما يتحدث الفقهاء عن المكافأة والعوض الذي يجعل في السباق، يذكرون أن المكافأة إما أن تكون من أحد الفريقين، أو تكون من الإمام شخصياً، أو من بيت المال.

قال ابن قدامة في المغني: «إن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين، لم تخل إما أن يكون العوض منهما أو من غيرهما، فإن كان من غيرهما نظرت فإن كان من الإمام جاز، سواء كان من ماله، أو من بيت المال…»^[4].

وجاء في فتاوى السيد السيستاني: «يجوز أن يكون العوض المقرر في السبق أو الرماية عيناً، وأن يكون ديناً، وأن يبذله أجنبي أو أحد الطرفين، أو من بيت المال…»^[5].

ويبدو لي أن التبرع للنادي الرياضي، في إطار رعاية أبنائنا واستقطابهم وحمايتهم من الانحراف، هو من أفضل موارد الإنفاق في سبيل الله تعالى، ولا يقل عن ثواب الإنفاق على المساجد والأعمال الخيرية الأخرى، لأن الشباب هم المنطقة الأكثر خطورة وأهمية في هذا العصر، وما يبذل من أجل هدايتهم وإرشادهم، أنفع وأجدى.

من ناحية أخرى فإن المأمول من علماء الدين ورجال الفكر في المجتمع، أن لا يبخلوا على الأندية الرياضية بدعمهم ورعايتهم، لتفعيل الجوانب الأخرى من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وينبغي تجاوز الهوة والحاجز بينهم وبينها، فعالم الدين من أولى مسؤولياته الهداية والإرشاد، وخاصة لمن هم أحوج إليها وهم الشباب، وحضور عالم الدين في أوساط الشباب، وضمن تجمعاتهم يجعله أقرب إلى نفوسهم، وأكثر تأثيراً على توجهاتهم. فهناك شريحة من الشباب لا يلتقي بهم عالم الدين في المسجد أو المجلس، لكنه يجدهم في النادي، ومنه يمكن استقطابهم إلى المسجد والأجواء الدينية.

بقي أن نشير إلى ضرورة تفعيل العلاقة بين النادي والمجتمع، بتواصل إدارة النادي، أو لجنة العلاقات فيه، مع الساحة الاجتماعية، من علماء دين ورجال أعمال، ومثقفين ومؤسسات أهلية، وكذلك بالمشاركة والحضور في المناسبات الاجتماعية العامة، وتطوير الأداء الإعلامي للنادي.

———————–

^[1]  الحر العاملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث 24519، الطبعة الأولى 1993م، مؤسسة آل البيتB لإحياء التراث، بيروت.

^[2]  المصدر السابق، حديث رقم 24538.

^[3]  المصدر السابق، حديث رقم 24537.

^[4]  ابن قدامة: عبدالله بن أحمد بن محمد، المغني، ج13، ص408، الطبعة الثانية 1992م، هجر للطباعة، القاهرة.

^[5]  السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، ج2، ص160، مسألة 570.