حصافة الزوجة وضعت حداً لخسائر عبدالله العيد في فخّ الـ “الفوركس” المزيَّف انخدع بنصّاب أوهمه بالربح السريع.. أودع أموالاً.. ثم "طارت الفلوس"
سيهات: شذى المرزوق
بعد سلسلة من الإيداعات النقدية؛ تدخّلت الزوجة، ونبّهت زوجها إلى التفكير جدياً في المشكلة التي وقع فيها. أخذ “عبدالله” برأي زوجته، وأوقف عملية التحويل الأخيرة، ووضع حدّاً لخسائره التي كادت تتضاعف.
بداية الاحتيال
لم تكن المكالمة التي تلقاها عبدالله العيد ذات يوم، في صيف 2018 مكالمة عادية، بل كانت بمثابة بداية لعملية نصب كبرى، رسمها ببراعة موظفو وهميون يدعون أنهم من شركة “فوركس”.. نصبوا فخاخهم، تحت شعارات الأرباح المغرية والسريعة.
ويتذكر عبدالله، وهو موظف وأب لطفلين، تفاصيل المكالمة التي ورطته، وقال “استقبلت المكالمة وكانت من بريطانيا، وهي تعود لشركة فوركس غير مرخصة، اعتادت النصب والاحيتال، شرح المندوب فيها، وهو لبناني الجنسية، تفاصيل الاستثمار الواعد، ومنحني كل وسائل الاطمئنان، حتى أثق في كفاءة هذه الشركة الناجحة عالمياً على حد قوله”.
وكان عبدالله متردداً في بادئ الأمر، إلا أن إصرار المندوب ومحاولات الإقناع المؤثرة كانت قوية، فلم تستغرق سوى ساعة ونصف الساعة، ليجد عبدالله نفسه موافقاً على المساهمة في الشركة، وفتح محفظة سوقية باسمه على أساس أن يكون هو المتحكم في عمليات البيع والشراء من خلالها، ومربوطة بايميل ورقم سري خاص، حفاظاً على الخصوصيته وأمان العمليات.
واليوم، يقر عبدالله بذكاء المندوب التسويقي وأسلوبه المتميز في الإقناع، خاصة بعد أن بسط التجربة في جملة مقنعة واحدة مفادها “استثمر بمبلغ بسيط، فإن ربحت تستطيع الاستثمار بمبلغ أكبر، ليكون العائد أكثر، وفي كل الأحوال محفظتك عندك، تستطيع أن تسحب نقودك منها متى شئت”. وهو مازاد من شعور عبدالله بالأمان والراحة في استكمال إجراءات الاستثمار.
ويكمل “لوهلة، وجدت أن لا عذر لي، وليس هناك ما يمنع أن أخوض التجربة التي بدت وكأنها مفتاح رزق واسع من الله، فقررت الاستثمار بمبلغ 2500 ريال”.
وأضاف “كنت أجهل آلية تحويل مبلغ سعودي إلى المحفظة، التي لابد من ايداع المبالغ فيها بعملة الدولار، فوجهت السؤال للمندوب عن الكيفية، وكان جوابه “سيتم ارسال حساب شخص سعودي له تعاملات كثيرة معنا، وهو محل ثقة، وسيتولى مهمة تحويل المبلغ من حسابه إلى محفظتك”.
وتابع “شرح لي أن العملية تمت بسهولة، وتم ايداع المبلغ في المحفظة، بعدها توالت المكالمات من الشركة من أرقام بريطانية مختلفة، بقصد الاجتماعات الدورية لمتابعة المشاريع السوقية التي نساهم فيها، ونكسب منها الضعف، وكان العائد من 3 مساهمات 500 دولار في كل مرة، ما شجعني على المضي قدماً والاستمرار في هذا الاستثمار الرابح إلى الآن”.
وقال عبدالله “في أغلب الإجتماعات، كنت أستمع لصوت التصفيق والهتافات الحماسية، ويعلل المندوب سببها بنجاح صفقة كبيرة لأحد العملاء”.
موقف مريب
ويسترجع عبدالله اللحظة التي كان فيها على وشك المساهمة بمبلغ كبير يصل إلى 18 ألف ريال، بعد أن باشر بتقديم طلب قرض بالمبلغ من شركته، ليدخل بقوة في عمليات الشراء والبيع القادمة.
في هذه الأثناء، دخلت زوجة عبدالله على الخط، واستمع لنصيحتها، خاصة أنها لم تكن على قدر ثقته هو في الشركة، واستمرت في الالحاح عليه بالاكتفاء بالمبلغ الصغير الذي بدأ منه (2500 ريال)، وما جنيه من أرباح، هذا الإلحاح منها، دفعه أن يوقف تفكيره في عمليات الاستثمار كلها من جهته، وقرر أن يعلن انسحابه من الشركة مكتفياً بما حصل عليه، خاصة بعد أن عاد بذاكرته لموقف بدا له مريباً ولم يكن قد التفت إليه حينها.
وسرد عبدالله الموقف قائلاً “في إحدى المرات، طلب مني المندوب الدخول على المحفظة لانهاء عملية شراء في مساهمة بالذهب، ولصعوبة التقيد بالتوجيهات الهاتفية، لم أجدني متمكناً من إنهاء إجراءات البيع، ولحل الاشكال الحاصل، واقترح المندوب أن يدخل هو على جهازي واتمام الصفقة، وذلك عن طريق إعطائه كود التفعيل المُرسل على رقم هاتفي، وبالفعل تم الأمر، وتمت الصفقة التي كانت كما اعتدت ناجحة، وبربح مقداره 500 دولار أخرى. وهذا الموقف جعلني أكثر إصراراً على التوقف، والاكتفاء عند هذا الحد”.
هناك شركة حقيقية.. ولكن هناك نصّابين يدعون أنهم تابعون لها
مكالمة المندوب
ويُكمل عبدالله “تلقيت مكالمة من المندوب صباح اليوم التالي، وأنا في طريقي للعمل، وأخبرته بما أنوي عليه بترك الاستثمار في الشركة، وكما المعتاد بدأ يعدد ميزات الشركة والربح السهل الذي سأخسره في حال التوقف، مشدداً على مدى نجاح الاستثمار وفاعليته، ومُصراً على المساهمة بمبلغ أكثر لأربح، وأتوقف إذا شئت بعدها، ونصحني أن أدخل إلى الحساب وأجري صفقة ناجحة”.
وما حدث بعد ذلك كان صادماً لعبدالله، الذي تحجج بعدم وجود ماكينة صرف آلي قريبة في المكان الذي هو فيه، ولكن الرد المفاجئ من المندوب كان بوصف موقعه وموقع أقرب صراف له، وحين استفهم عبدالله مندهشاً، أجاب الأخير أن التواصل معه بالرغم من أنه تواصل دولي من بريطانيا، إلا أنه يحدد لهم أيضاً موقعه الجغرافي، ويظهر لهم ما حوله من منشآت كذلك”.
اصرار المندوب وإلحاحه المحرج، دفع عبدالله للتأكيد أن لامال لديه حالياً، وهو في حاجة المبلغ الموجود في محفظته الاستثمارية، ولكن بفعل إلحاج المندوب، عاد عبدالله ليوافق على المساهمة في آخر مشروع، والمقرر أن يكون العائد منه 4000 دولار في حال الربح.
ولأنه اعتاد الربح، ما كان ليظن عبدالله أن الفخ في العملية الأخيرة، التي خسر فيها 1500 دولار، ورغم ذلك، لم تتوقف الشركة عن مواصلة الاتصال به، ومحاولة اعادة ثقته في المساهمة من جديد.
الصدمة الكبرى
ويشرح عبدالله الطريقة التي تم فيها اتمام البيع في الصفقة الأخير “كنت لازال في طريقي للعمل، وأخبرته بعدم تمكني حالياً من الدخول للموقع لاتمام العملية، ولكنه فاجأني بأن كل ما علي هو إعطاء الموافقة لقسم المحاسبة الذي سيتواصل معي بعد مكالمته، حتى يتمكن القسم من اتمام البيع دون أي تدخل مني، وقلت لهم أن هذا بحد ذاته يعد أمرراً غريباً جداً، لعلمي أنه لا أحد يمكنه الدخول لمحفظتي وحسابي غيري، ولكن كان مُبررهم أن لهم طرق تعامل مع بعض الحالات الاستثنائية تستدعي تدخلهم إذا احتاج الأمر”.
وأردف “أعطيتهم الإذن، لكن شعوري بعدم الراحة، جعلني أباشر بالدخول للموقع والمحفظة بمجرد وصولي إلى مكتبي، وهنا الصدمة، مبلغ الـ1500 دولار تناقص وأصبح 12 دولاراً فقط”.
الغضب والقهر
وتحدث عبدالله عن مدى الغضب والقهر اللذين شعر بهما بعد أن اكتشف أن تجربة الاستثمار في شركة غير مرخصة ما كانت إلا نوعاً من أنواع الاحتيال. وقال “برغم معاودة الاتصال منهم باصرار لاستكمال المشروع، واتمام صفقات أكثر نجاحاً على حد تعبيرهم ، إلا أن الرفض كان جوابي في كل مرة”.
ونوه أن “المضايقات لم تتوقف، بل استمرت الاتصالات بأرقام بريطانية ومحلية وحتى برسائل إيميل، وبعد سنة من هذه الفوضى والإزعاج، وجدت أرقاماً محلية جديدة تتصل بي للمساهمة في شركة استثمار جديدة، شرحت لي المندوبة أنهم على علم بخسارتي في استثمار شركة فوركس، مبينة مزايا شركتها التي تدعي أنها أفضل من سابقتها”. وقال “لكن الرد الثابت مني بعد هذه التجربة هو الرفض، مقفلاً باباً أمام هذه التلاعبات باسم الاستثمار السريع”.