[6] تأمّلات في جماليات سورة “الأنسان” شراب الكافور
مدينة أحمد البوري
آية اليوم السادس:
﷽
{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}
كما للكافرين عقابهم، فإن للمؤمنين الذين أحسنوا إيمانهم واختاروا طريق الهداية وأخلصوا لله العبودية جزاءهم الجنة بطيباتها.
وشرابها الطيب البارد الممزوج بالكافور أول المكآفات التي أنعم الله بها على الأبرار.
(إن الأبرار)
• من هم الأبرار؟؟
الأبرار: جمع بر وأصله الأتساع وأطلق البر على الصحراء لإتساع مساحتها،لذا اطلقت على المؤمنين الصالحين لكون نتائج اعمالهم واسعه بالمجتمع
والبر: هو من عرف الله وحده فأطاعه وتقرب إليه،فالأبرار مؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر،قدموا إرادة الله على إرادة أنفسهم ،وعملوا لله واخلصوا العبوديه له،وصدر عنهم البر بقصد واختيار،لذا كلمه البر تستبطن معان واسعه بالغه الدقه،من ضمنها الشكر الذي وصف بها الله الإنسان في الآيه السابقه (أما شاكرا وأما كفورا).
(يشربون من كأس)
• لماذا الشراب وليس الطعام؟
ان الله سبحانه وتعالى حين ذكر جزاء الأبرار بدء بالشراب، وذلك لما ثبت من طرق الشيعه من أن أول علامات النجاة يوم القيامه هي الشرب من حوض الكوثر من يد إمام المتقين والابرار ،وقسيم الجنة والنار الامام علي “ع” حيث هو الساقي يوم العطش الأكبر. بالإضافه لبعض الروايات التي تذكر (:إن آخر ما يحاول فيه إبليس أن يضل به الأنسان هو أنه حين يحضره الأجل يعطش عطشا شديداً، فيعرض عليه إبليس قدحاً من الماء قائلا له: إن سجدت لي أسقك منها، فإذا سجد له، لم يسقه أيضا ويموت كافراً).
• فلمَ قال ( من كأس) ولم يقل يشربون كأس؟
كنايه عما في الكأس من شراب، وليس الإعتبار بالكأس،فالكأس إذا كان فارغا لايسمى كأس، بل زجاجه أو إناء، لذا الأبرار يؤتى لهم بكأس ممزوجة بالطيب من الطعم ،وكلمة( من) هنا تفيد التبعيض والإيحاء بأن المشروب لن ينفذ من ذلك الكأس،وايضا اختيرت كلمه كأس لأجل بيان حالة الوجدان المستمر والدائم لما يشربونه، وعليه فالأبرار يعيشون -لذة الشرب.
– لذة الأطمئنان لاستمرارية مشربهم.
(كان مزاجها كافورا)
• ماذا تفيد (كان)؟؟
كان تدل على الكينونة والتحقق، فمزاجها كافوراً، ليس مزاجا عارضا يمكن أن يزول، بل هو أمر باق، فما يشربه الأبرار بالجنة باق مزاجه وطعمه الشبيه بصفات الكافور الحسنة من برودته وبياضه ورائحته.
قال سعيد بن قتاده: (تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك)، وقال مقاتل :(ليس بكافور الدنيا ولكن سمى الله ماعنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب).
تهتدي له القلوب لما له من لذة على الفم بطعمه، ورائحته الطيبة في أنفه بشمه.
• لماذا قال (مزاجها كافورا) ولم يقل ممزوجة بالكافور؟؟
لأن التمازج هنا أصيل في نشأة حقيقة الشراب، فيما يشربون من الكأس، وليس المزج عارض اًعليه.
• لماذا قال (كافورا )وليس شيئاً آخر؟؟
رغم وجود شرابات أخرى، إلا أن شراب الكافور من الشرابات التي تبعث في النفس الطمأنينة والسكون والبرد والهدوء عليها، وتحفظ للنفس نقاءها وصفاءها، وهذا ما يحتاجه الأبرار في تلك اللحظات.
اذن:
(اللهم اسقنا من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وآله شربة لانظمأ بعدها أبدا)