الـ “يُوغا” في القطيف.. تأمُّلات مؤنَّثة.. وأجساد تُمرّن الرُّوح…! تجارب نسائية انتقلت من الممارسة إلى التدريب
القطيف: شروق الحواج
في القطيف، استطاعت نساء من مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية، أن يحوّلن “اليوغا” من رياضة للتأمل والصفاء الذهني والاتزان والاسترخاء والراحة النفسية، إلى محاولة في مساعدة حالات مرضية عضوية، وعلى رأسها أمراض الدم الوراثية.
مارسن “اليوغا” في البداية بالصدفة البحتة، لا يعرفن عنها الكثير، ولكن مع مرور الوقت، أدركن أنها رياضة مغايرة، لها ألف فائدة وفائدة لا توفرها بقية الرياضات الأخرى.
ومن هنا قررن أن يتحولن من “ممارسات” لها، إلى “مدربات” يعملن على نشر اليوغا بين نساء وفتيات المحافظة، ويبدو أنهم نجحن في مساعيهن.
“صبرة” طرقت أبواب مدربات اليوغا في مدن القطيف، وتعرفت إلى تجربة كل واحدة منهن، وكيف بدأت الرياضة، وكيف عشقتها إلى أن أصبحت مدربة، ومن هنا كانت البداية..
أمراض الدم
لم تكن فرح خالد القروص (من سنابس)، تدري أنها ستكون مدربة يوغا في يوم من الأيام، وتقول إن أحداث الحياة اليومية دفعتها إلى ذلك دفعاً.
وبداية، مارست فرح اليوغا مع المدربة ندى البيش في القطيف، بهدف تحسين صحتها الجسدية والنفسية. وتقول “أول جلسة يوغا لي كانت في مايو ٢٠١٧، وبعدها بدأت جلسات اليوغا، التي استفدت منها في تحسن صحتي، كوني مصابةً بفقر الدم المنجلي، وخلال أقل من سنة في ممارسة هذه الرياضة، اختفت لدي كل أعراض المرض، مثل التأثر بالتغيرات الجوية، والآلام الجسدية، وصعوبة التنفس وغيرها، إلى أن توقفت نوبات السكلسل في فبراير ٢٠١٨”.
البداية شجعت فرح على أن تكمل تجربتها مع اليوغا، وتصبح مدربة لها، حتى تخفف بها آلام الآخرين. وتقول “في ٢٠١٩ بدأت دراسة اليوغا، وحصلت على شهادة مدربة يوغا معتمدة عالميًّا، وفي ٢٠٢٠ بدأت أنظم جلسات اليوغا في القطيف”.
وتكمل “استثمرت فترة الحظر التي صاحبت جائحة كورونا، وحصلت على دورات أونلاين خاصة بالتأمل ويوغا الحوامل، ومنذ ديسمر الماضي، بدأت أنظم جلسات اليوغا في النوادي”.
وتحرص فرح على أن يكون لها أسلوب خاص في التدريب، وعملت على تنويع جلسات اليوغا بين جلسات خاصة بالأطفال بطريقة مرحة، وأخرى للسيدات لمختلف المراحل العمرية بهدف الاسترخاء ورفع اللياقة والقوة.
وتقول “هناك جلسات تستهدف حالات صحية معينة، مثل فقر الدم المنجلي، الصرع، الانفصال العضلي، الروماتيزم، التصلب اللويحي، جلسات الحوامل في مختلف مراحل الحمل، وغيرها”.
وتلخص فرح تجربتها قائلة “اليوغا لها تأثير كبير على حياتي، ولذلك قررت أن أشارك هذا التأثير مع أكبر شريحة ممكنة، خاصة إن أغلب ساكني القطيف يعانون من فقر الدم المنجلي أو الأمراض الأخرى”.
الحركات البهلوانية
وتبدو قصة غدير المخرق (من القطيف)، مع اليوغا مختلفة عن قصة فرح. فهي مارست اليوغا في سن مبكرة إلى أن عشقتها حتى النخاع. وتقول عن تجربتها “منذ كان عمري 10 سنوات، وأنا أحب ممارسة الحركات البهلوانية والنشاطات المختلفة، وكنت أتعلمها بحب ورغبة”.
وأضافت “اليوغا ليست مجرد صمت وتأمل وتنفس في الهوا، فهي تحتاج إلى مُمارسة وتدريب عاليين لتحقيق كامل الاستفادة منها، وهي تناسب جميع الأعمار”.
وتابعت “بمرور الأيام، تعرفت إلى اليوغا أكثر وأكثر، وأدركت فوائدها وطاقتها الايجابية، وجذبتني الحركات التي تتطلب بعض القوة والمرونة، مثل الوقوف على اليدين، والوقوف على الرأس، فهي تجعل الجسم أكثر اتّزاناً”.
ولم تكتف غدير بممارسة اليوغا، وإنما تعمقت فيها وبحثت في أسرارها ونشأتها، والتحقت بعدة دورات، وتقول “اليوم أمارسها في الأندية مع فريق جماعي منذ 6 سنوات، ونظمت ورشات وجلسات عمل للتعريف بهذه الرياضة والتشجيع على ممارستها على أنغام الموسيقى، والممارسون يشعرون بالراحة والاسترخاء”. وقالت “أثناء جائحة كورونا، فكرت في تنظيم الرحلات وسط الطبيعة الساحرة، التي تتخللها جلسات اليوغا، وكانت فكرة رائعة”.
زحمة الدوام
ولعبت الصدفة دورها في تحويل فاطمة العوامي إلى مدربة يوغا بجانب عملها أخصائية باطنية. وتقول “البداية كانت بحضور إحدى جلسات اللعبة من باب التسلية وإضاعة الوقت، إلا أنني وجدت أن الحياة تغيرت، وأصبحت أكثر بساطة مما هي عليه، وهنا قررت الاستمرار في هذه الجلسات”.
وتتابع “جلسة اليوغا تستمر ساعة واحدة، أشعر معها باحساس من الراحة النفسية، وكأنني خرجت من عالم الفوضى والصخب، إلى عالم من السلام والهدوء والتأمل، ومثل هذا الشعور كنت أحتاج له وأحن إليه من فترة إلى أخرى، خاصة وأنا أعيش وسط دوامة العمل والبيت والمطالب التي لا تترك للشخص فرصة للتأمل مع ذاته”.
ولم تتوفر لفاطمة أماكن قريبة منها لتعلم وممارسة اليوغا. وتقول “هذا الأمر منعني من الاستمرار في ممارستها، إلى أن أنهيت مرحلة التخصص قبل سنتين تقريبًا، وأتذكر ـ آنذاك ـ أنه كان في جعبتي قائمة من الأحلام والطموحات والمخططات التي سعيت لها بعد التخرج، وعلى رأس هذه القائمة ممارسة اليوغا”.
وأكملت “سجلت في دورة لتعلّم أساسيات اليوغا، وحضرت جلساتها في عدة أماكن، ومع كل جلسة، يغمرني شعور بأن هذه الرياضة ليست فقط جزءاً من حياتي، بل جزء منّي أنا شخصياً، وهنا ترسخ حلمي بأن أكون مدربة يوغا معتمدة، وكان هذا الحلم في أول قائمة أحلامي”.
وتعلق على هذا الحلم قائلة “لم أكن أدرى كيف سأحققه، ولكن بتوفيق من ربّ العالمين، تهيأت الأمور من حيث لا أعلم، وسجّلت في دورة اليوغا وأصبحت مدربة متعمدة دولياً”.
نقطة تحول
ولا تنكر فاطمة العوامي بأن اليوغا كانت نقطة تحول مهمة في حياتها. وقالت “أعتقد أن كل إنسان تمرّ عليه نقاط تحوّل في حياته، ومن بين نقاط التحوّل في حياتي، خوضي تجربة اليوغا، فهي من أبرز النقاط”.
وتابعت “كنت أعتقد إن اليوغا عبارة عن تمارين للجسم، تمارين تنفس وتأمّل ليس أكثر، ولكن نظرتي لليوغا تغيرت تمامًا بعد ممارستي لها، وأدركت إنها رحلة لاكتشاف الذات، وبناء النفس، وإعادة النظر في الكثير من المفاهيم التي تحكمنا وتتحكم في حياتنا دون أن ندري”.
وتلخص فاطمة تجربتها قائلة “لا أبالغ إذا أكدت أن اليوغا علمتني كيف أقبل ذاتي، وأقبل الآخرين مثلما أنا ومثلما همّ، علمتني كيف أستشعر النعم التي التي أملكها، وأهمها نعمة اللحظة الحالية التي أعيشها الآن”. وقالت “أنا سعيدة جدا بتجربتي هذه، والآن أمارس اليوغا في مدينة القطيف بصحبة مجموعات نسائية، كما أقيم جلسات خاصة”.