عليك بالدراويش.. يا موسى..!
حبيب محمود
حتى أنا مصدوم مما نشره السيد موسى الخضراوي؛ حول معضلة تعصُّب “بعض” طلاب العلم، واحتداد الأحقاد والغيبة بين “بعضهم”..
حتى أنا أشعر بأن ما كتبه وأذاعه كان “شِقْشِقة هدرت”، وقد تقرّ، وقد لا تقرُّ..!
حسب معرفتي بابن بلدتي؛ فإنه من الموزونين الهادئين، ومن العمليين الجادّين. ويبدو أن “العرق الهاشمي” قد “نَفص” عنده وأخرجه “دراويش” الطلَبة عن طوره، على غير ما هو معروف عنه ومنه.
و “بعض الناس” مستاؤون من هذا الخروج، غير المألوف منه. وقد حدث ما توقّعه هو في مقالته الغاضبة، بتحوّل بعض ردود الأفعال إلى تجاهل “الموضوع” واستهداف “الواضع”، أي التركيز على “القائل” في شخصه، والغفلة عن “القول” في طرحه..!
ورأي السيد الغاضب ليس الوحيد في مجتمعنا. هناك آلاف مؤلّفة لديهم مثل هذا الغضب، وأكثر منه أيضاً. إلا أن ظاهر الناس؛ هو أن قلوبهم معك، وسيوفهم عليك. يصافحونك فيما تقول تماماً، ويجفلُ أكثرهم من إظهار تأييدك.
وقد يناصرونك، اليوم، في رأي، وينقضّون عليك، غداً، في رأي آخر..!
تلك هي طبيعة الناس المعقدة، والأكثر تعقيداً منها؛ هي طبيعة “الدراويش”، وهم أشباه طلاب العلم الذين لا يُحسنون إلا أن يكونوا أذيالاً للأذيال، وأتباعاً للأتباع، وأنصاراً لـ “شهريات” المتبوعين..!
وعن خبرة حياة في هذا المجتمع المحسن ظنّه بلا حساب؛ أعرف نوعين من “الترمومتر” يُمكن بهما قياس مستوى “النزاهة” عند “الدراويش”..!
الترمومتر الأول هو “البنزنز”. فحين تحضر “الفلوس” يقلّ “الديّانون”، وليس علينا أن نتهيّب من أي لباس، حتى وإن بدا “مكويّاً” ومعطّراً بـ “العود”، ومغلّفاً باللكنة “العراقية” المقلّدة تقليداً رديئاً.
الـ “فلوس” هي ما يضخ مادة “الإدرينالين” في الدم، فيتحمّس منتظرها للتحزُّب والتعصُّب والتفسيق ـ والتكفير أحياناً ـ لأنه لا يمكن أن يخرج عن إملاءات متبوعه المتعصب سلفاً..!
وهذا هو النجاح الوحيد الذي حققه “الدراويش”؛ تقسيم المقسّم من حالة المجتمع، وتشتيت ما هو مشتّت أصلاً، على خلفية اختلاف فئوي، أو تباين رأي، أو حتى حزازات شخصية قديمة..!
انظروا إلى من يدفع الناس أموالهم الشرعية، وتخيّلوا “الكعكة”، ثم فكّروا في النصيب المتوقَّع للفئات. ثم تذكروا مقولة “عدو المرء من يعمل عمله”.. ثم أعملوا تفكيركم الحر وتأمّلوا لماذا جماعة الشيخ “الفلاني” لا يُطيقون حتى ذكر الشيخ “العلّاني” وجماعته..؟!
لا أعمّم على الجميع، فهناك من مشايخنا ذوو أيدٍ طاهرة، ونفوس رفيعة، وتحرُّج من مسّ المال، إلا ضمن حدود التكليف الشرعي. وهم الطينة الغالبة.
ولكنّ علينا أن نعترف بوجود الظاهرة الواضحة، وحالة “تنافس الدكاكين” المسكوت عنها..!
الترمومتر الثاني هورموني؛ ولا يمكنني ذكره، لأنني أحمل ـ مثل أكثر الناس ـ جُبناً اجتماعياً. وعلى غير عادتي؛ فإنني أشعر ببعض “الخجل” الذي لم يكن يوماً من “مناقبي”..!
ويمكنني الاكتفاء بتلميح لذوي الحصافة..!
وهذه المقالة العابرة؛ سيتركها المتعصبون، ويتحدثون عن كاتبها.. تلك هي شيمتهم..!