[تعقيب] سمك “البياح” ذكره الخليل قبل 12 قرناً.. وهذه أسماك خليجية تاريخية الكنعد والصافي والجواف من الأصناف المعروفة منذ القدم
عبدالخالق الجنبي
السادة / صحيفة صبرة المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ملاحظات وتذييل على مقال
اطلعت على المقال الماتع الذي نشرته صحيفتكم الموقرة (صُبرة) عن سمك البياح بتاريخ 22 مايو 2021، وإنني إذ أشكر لكم هذا الاهتمام في إبراز كل ما هو أصيل في ثقافتنا المحلية والخليجية، فإنني أود الحديث عن هذا المقال توضيحاً وتذييلاً، وهو كالتالي:
أولاً: ملاحظات على المقال
- كان العنوان الذي عنونتم به المقال بهذه الصيغة:
“ابن منظور قبل 7 قرون: سمك البياح أطيب السمك..!“.
والصحيح أنّ الذي قال هذا الكلام عن هذا السمك ليس ابن منظور؛ بل هو عالمٌ كبير أقدم من ابن منظور بخمسة قُرون، وهو سيّدُ اللغويين العرب، وأول المعجميين منهم؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العُماني مولداً، والبَصْري سكناً؛ الذي قال كما في مادة [بيح] من كتاب العين:
“البِيَاُح: ضَرْبٌ من السَّمَك صِغَارٌ أمثال شِبْرٍ، وهو أطيبُ السَّمَك”.
ثم ذكر قول الشاعر:
يا رُبَّ شيخٍ من بني رَباحِ
إذا امتلا البطنُ من البياحِ
صاح بليلٍ أنكَرْ الصــــيِّاحِ“.
وعن الخليل أخذ ونقل كلُّ من جاء بعده كابن قبيلته ابن دريد الأزدي العُماني البصريّ أيضاً، والذي أضاف في (الجمهرة) أنّ اسم البياح “عَرَبِيٌّ صَحِيح“، ويلاحظ أنّ الخليل وابن دريد من قبيلة الأزد العُمانية، ثم سكنا البصرة؛ أي أنهما خليجيان، وقبيلتهما الأزد كانت مشهورة بصيد الأسماك وأكلها حتى هجاهم الشعراء بها كما سنرى عند الكلام عن الجواف في هذه المقالة.
وعن الخليل أيضاً نقل من جاء بعده من اللغويين في معاجمهم كالجوهري في (الصحاح)، والأزهري في (تهذيب اللغة)، وابن منظور في (اللسان)، وابن سيده في (المحكم)، والفيروز ابادي في (القاموس المحيط)، والزبيدي في (تاج العروس)، وغيرهم.
ومن طريف ما يُروى عن سمك البياح؛ هو ما رُوي عن أعرابيٍّ من بني عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم الذي قيل لهُ: أَيّمَا أحب إِلَيْك ضَبَّةٌ مَكُوْنْ – أي سمينة البطن – أم بِيَاْحٌ مُرَبَّبْ؟، فَقَالَ: الضَّبَةُ المَكُوْنْ، ثم قَالَ يصف الضبّ:
شَدِيْدُ اصْفِرَاْرِ الكلْيتين كأنَّـما
يُطَلَّىْ بوَرْسٍ بَطْنُهُ وشَـوَاكِلُهْ
فَذَلِك أشهى عندنَا من بيَاحِكُمْ
لحى الله شَارِيْهِ وَقُبِّحَ آكِــــلُهْ.
- ورد في المقال هذه الجملة:
“والمَيْد المعروف عندنا الآن هو (البياح) الذي عرفه أسلافنا العرب، وهو (البوري) المنسوب إلى بلد في مصر اسمها بورة“.
وهذ الكلام لم يُذكر مصدرٌ له، والمعروف أنّ اسم البياح هو الأقدم من اسمي الميد والبوري، وهذان الأخيران هما من فصيلة البياح، وأما القول بأنّ البوري هو منسوب إلى بلدة بورة المصرية، فهذا يحتاج إلى دليل، وسمك البوري ذكره الصَّغاني المتوفى عام 650 للهجرة في كتابه (التكملة والذيل والصلة)، وذكر أنه المعروف في اليمن بـ(العربي) كما سنرى عند الحديث عنه، والصغاني من لاهور، وعاش في بغداد وسافر إلى الحجاز واليمن، فلم يذكر أنّ هذا السمك منسوب إلى بلدة بورة المصرية.
ثانياً: إضافة وتذييل
البيَاح ليس هو النوع الوحيد من سمك الخليج المذكور في معاجم اللغة العربية، فبالإضافة إلى البياح، فقد ذكرت كتب الأدب العربي ومعاجم اللغة العربية القديمة أكثر من نوع من أسماك الخليج القديمة، والتي لا زالت أسماؤها باقية حتى وقتنا هذا، ومن هذه الأسماك الأنواع التالية مرتبة على حروف المعجم:
البَدْحْ: جاء في كتاب المحيط في اللغة:
“والبَدْحُ: سَمَكَةٌ قَرِيبٌ من خَمْسِ أصَابعَ“.[1]
البَلَمْ: جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي:
“والبلم: صغار السمك“.
البُوْرِيْ: ورد في كتاب (التكملة والذيل والصلة على تاج اللغة وصحاح العربية) للصغاني:
“البُورِيّ: جِنْسٌ مِن السَّمَك، وهو الذي يُقال له باليَمن: السَّمكُ العَربيّ“.
البيَاْحْ: تقدم الحديث عنه أعلاه.
سمك الجواف يؤكل مشوياً في الغالب
الجُوَاْفْ: جاء في مادة [ جوف ] من كتاب الصّحاح للجوهري قوله:
“والجُوَاْفُ – بالضم -: ضرب من السمك، والجُوْفِيُّ مثله؛ قال الراجز – أنشدنيه أبو الغوث -:
إذا تعشوا بصلا وخـــــلا
وكنعدا وجوفيا قد صـــلا
.. وإنما خففه للضرورة“.
وقال زياد الأعجم العَبْدي يهجو قبيلة الأزد التي كانت تسكن البحرين وعُمان، ثم هاجروا إلى البصرة، ويعيرها بأكل الجُوَاف إلى حدِّ تساقطه من أنوفهم:
أَتَتكَ الأَزدُ تَعثُرُ في لِحــــاها
تَسـاقَطَ مِن مَناخِرها الجُوافُ[2]
وأقول سامح الله زيادا، فإنّ قبيلته عبد القيس كانوا أكلة جوافٍ كثير، فكيف هجا الأزد بما تفعله قبيلته.؟!
وممن أخطأ في حقّ الجُواف أيضاً؛ الدميري في كتابه (حياة الحيوان الكبرى) عندما قال:
“الجُوَاْفُ – بالضم والتخفيف -: ضَرْبٌ من السَّمَكِ وليس من جَيّده“.[3]
ولكن يبدو أنّ الدميري لم يتذوقه، ولو تذوقه لما قال ذلك، فقد ذكر الجاحظ – وهو أقدم منه وأخبر – في كتابه (الحيوان) أنّ الجُوَاْفَ والأسبور والبرستوك تُعدُّ من أطيب أنواع السمك في البصرة.[4]
الحَاْقُوْلْ: قال ابن عبّاد في كتابه (المحيط في اللغة):
“والحاقُوْلُ: سَمَكٌ أخْضَرُ طَوِيْلٌ له مِنْقَارٌ طُوْلُه ذِرَاعٌ، وجَمْعُه: حَوَاقِيْلُ“.
الزُّمَّيْرْ: جاء في كتاب “التكملة والذيل والصلة” للصغاني:
“والزِّمِّير، مِثال الحِرِّيث: سمكٌ له شوكٌ ناتئ وسط ظهرِه، وله صَخَبٌ وقت صيد الصيادِ إياه وقَبْضِه عليه“.[5]
وهو يُعرف أيضاً بـ(أبو الزّمير).
السبيطي: وهي السمكة التي اشتهرت بقصيدة أبي البحر جعفر الخطي القطيفي التي يقول في مطلعها:
برغم المعالي والمهندة البتر
دماءٌ أراقتها سبيطية البحــر
الصافي: جاء في كتاب المحيط للصاحب بن عباد:
“والصافي: سَمَكَةٌ تَجتَر“.
وقد ذكر هذا النوع من السمك ابن المقرَّب وقرنه مع الكنعد، فقال عندما عزم على الرحيل من البحرين مهوّناً ألم الفراق على نفسه وقومه:
فأحلى لعمري من بساتين مرغمٍ
على ذي المجاري أرضُ نجدٍ وشوعُها
ومن ماء عين الجوهرية لو صفا
ذبابة حَسْيٍ لا يُرجّى نُبُوُعها
ومن مروزيٍّ بالقطيف ولالس
عباءُ بوادي طيّءٍ ونطوعُها
ومن لحمِ صافٍ في أوال وكنعدٍ
ضِبَابٌ وجرذانٌ كثير خُدُوعُها
العُوْمَة: قال أبو هلال العسكري في كتابه (التلخيص في معرفة أسماء الأشياء):
“والعُوْمَة: ضربٌ منَ السَّمكِ صغارٌ؛ عربيٌّ معروفٌ“.[6]
القبَاْبْ: جاء في تاج العروس:
“القِبَابُ نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ يُشْبِهُ الكَنْعَد؛ قال جَرِيرٌ:
لا تَحْسَبَنَّ مِرَاسَ الحَرْب إِذْ خَطَرَت
أَكْلَ القِبَابِ وَأَدمَ الرُغفِ بِالصـيرِ“.
وفي مادة [ قفر ] من لسان العرب:
“وَالنَّجوِيَّةُ: الجُلَّة الْعَظِيمَةُ البَحْرانية الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا القِبابُ، وَهُوَ الكَنْعَدُ المالِحُ“.
والنَّجْوِيّة يبدو أنها نسبة إلى نجوة بني فيّاض قرية لعبد القيس بالبحرين كما ذكر ياقوت في رسم نجوة من (معجم البلدان)، والأرجح أنها هي ما تُعرف الآن بـ(النجوَة) بدون نسبة، وبعض سكان القطيف يقلبون الجيم ياءً، فيسمّونها: النَّيْوَة، وهي موضع يرتاده صيادو الأسماك كثيراً لوفرة الصيد عنده، وكان الصيادين في القطيف منذ زمنٍ قديم يستخدمون القفف، وهي أواني تُصنع من خوص النخيل مثل الخصاف والجلال لحمل السمك الذي يصيدونه فيها.
القُدّ: جاء في كتاب التكملة والذيل والصلة على الصحاح للصغاني:
“والقُدُّ، بالضَّم: نَوْعٌ مِن سَمَكِ البَحْرِ، أَكْلُه يَزِيدُ في الجِمَاع، فيما يُقال“.[7]
الكَنْعَدْ: جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي:
“الكنعد: ضرب من السمك البحري، ويقال: كنعد بسكون النون؛ قال:
قل لطغام الأزد لا تبطروا
بالشيم والجريث والكنعد“.
وقد مرّ شعر ابن المقرَّب الذي ذكر فيه هذا السمك مقروناً بسمك الصافي، وقد علَّق شارح ديوان بأن الصافي والكنعد نوعين من أجود السمك في المنطقة.
——————
[1] إسماعيل بن عباد بن العباس: المحيط في اللغة؛ تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين (بيروت: عالم الكتب 1994م)؛ ج3: 45.
[2] عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: الشعر والشعراء؛ تحقيق أحمد محمد شاكر (القاهرة: دار المعارف 1958م)؛ ج1: 432.
[3] محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري: حياة الحيوان الكبرى (بيروت: دار الكتب العلمية 1424هـ)؛ ج1: 319.
[4] عمرو بن بحر بن محبوب الكناني = أبو عثمان الجاحظ: الحيوان (بيروت: دار الكتب العلمية 1424هـ)؛ ج6: 555.
[5] الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني: التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية؛ تحقيق نخبة من المحققين (القاهرة: مطبعة دار الكتب بتواريخ متفرقة)؛ ج3: 12.
[6] الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران = أبو هلال العسكري: التَّلخيص في معرفة أسماء الأشياء تحقيق: الدكتور عزة حسن (دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر 1996م)؛ الصفحة: 392.
[7] الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني: التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية؛ تحقيق نخبة من المحققين (القاهرة: مطبعة دار الكتب بتواريخ متفرقة)؛ ج2: 315.
تنويه:
تشكر صُبرة للأستاذ عبدالخالق الجنبي هذه الإفاضة المثرية، وترحب بطرحه، وتؤكد احترامها إياه.
اقرأ الموضوع الأصل