فتاة العسل فاطمة الميلاد.. حاملة “اللّسعات” تفكّر في الطب الناشطة الوحيدة في القطيف بدأت هاوية.. واستمرّت محترفة
برعاية
النحّالة الوحيدة في محافظة القطيف التي تحمل ترخيصاً في تربية النحل، وتمارس المهنة. الأنثى الوحيدة، بين قرابة 150 نحالاً رجلاً في المحافظة، التي تعوّدت “اللّسعات”، وأنتجت العسل. الفتاة الوحيدة التي تشطر نهارها بين البيت والمَنحل.
إنها فاطمة صالح الميلاد، ابنة قرية التوبيّ الريفية، فتاة في الـ 18 فقط، لم تكن تتوقع في يوم من الأيام أن الذهاب إلى منحل أبيها للتسلية وشغل الوقت، سيغير مسار حياتها، لتصبح نحالة سعودية بترخيص رسمي، في هذا العمر المبكر.
ومثلما هي متفوقة في دراستها، أرادت فاطمة أن تتفوق في هوايتها، فتقربت إلى النحلة، واعتبرتها صديقة لها، تُمسكها بيديها وتلاعبها بلطف، ما أهلها لمعرفة كل شيء عن تربية النحل، بداية من تأسيس الخلية وجلب الملكات، إلى مرحلة الإنتاج الفعلي.
وخلال فترة ليست بالكبيرة، خطت فاطمة خطوة أبعد من ذلك، عندما أرادت الاستقلال بنفسها في منحل تمتلكه، وترخيص خاص بها يمنحها الاحترافية، ما جعل أباها يشهد لها بالكفاءة والتفوق والعزيمة.
مشوار إثبات الذات، لم يكن سهلاً أمام فاطمة، التي احتاجت صفات عدة لإكماله، ليس أولها الجدية في العمل، وليس آخرها الرغبة في تعزيز النجاح، وهو ما أوصلها إلى ما تريد وما تحلم به، ومع ذلك، مازال للأحلام بقية..
وقت الفراغ
ولقصة فاطمة مع النحل بدايات، حيث استثمرت وقت فراغها في الذهاب إلى منحل ابيها، وهناك كانت ترعى النحل وتسهم في تربيته، وكانت تبدأ يومها بالكشف عن صناديق النحل، وتفقد أحوال الملكات داخلها، منذ وقت خروج النحل صباحاً من صناديقه، وحتى رعودته إليها، واستمرت فاطمة على هذا المنوال طيلة 3 سنوات. وتقول “يبقي النحل سارحاً عن خلاياه، حتى اشتداد درجة الحرارة، ليعود إلى صناديقه مساءً قبيل الغروب، محملاً بأنواع الرحيق وحبوب اللقاح، ليبدأ في صناعة العسل داخل خلاياه”.
عالم النحل
ويتساوى سقف الأحلام لدى فاطمة في حياتها الدراسية، مع السقف ذاته في حياتها العملية. فهي تتمنى أن تتفوق علمياً وتصبح طبيبة، كما تتمنى أن تكون أكبر نحالة في القطيف. وتقول “طموحي في عالم النحل لا يتوقف عند حد معين، وأتمنى مع الأيام أن أتعلم كل شيء عن تربية النحل، وأكوّن مزرعة خاصة بي، وأصبح نحالة كبيرة على مستوى محافظة القطيف، بجانب حلمي أن أكون طبيبة جراحة”.
وحصلت فاطمة على ترخيص عن طريق النحالين فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة.
مرتبة الشرف
تخرجت فاطمة العام الماضي في الثانوية الأولى بالتوبي، وحصلت على مرتبة الشرف الثانية، وتجيد سف الخوص. وتقول “تعلمت هذه الأشياء من جدتي لأمي. وتضيف “هذه الأعمال هي مهن وتسلية في الوقت نفسه، حيث نتوارثها عن الأجداد”.
وتسترجع فاطمة البدايات وتقول “بدأت في منحل الوالد، الذي كان يضم خلية نحل واحدة فقط، وبدأت أتعلم عليها كل شيء، أتذكر أنني كنت متفرجة فقط في أول أيامي، وكنت أطرح الأسئلة على الوالد، وكان يجيبني بكل سعة صدر، ومن ثم بدأ المجال يستهويني أكثر وأكثر، وبعدما كان المنحل به خلية واحدة، أصبح لدينا خليتان ثم ثلاث، إلى أن أصبح العدد اليوم يقارب 50 خلية”.
الاستقلال عن الوالد
بخبرة 3 سنوات، اتجهت فاطمة إلى الاستقلال بمنحل خاص في مزرعة العائلة، وحصلت على ترخيص رسمي منذ عام، بعد اجتيازها جميع الاشتراطات التي تؤهلها لإمتلاك منحل خاص بها.
وتغذي فاطمة نحلها على أزهار البرسيم والنخيل، وقضوب اللوز وغيرها. وبحسب المزارع إبراهيم سلمان حميدان من أهالي قرية التوبي، يعتبر البرسيم مادة غذائية فعالة وجيدة جداً لجميع أنواع الدواب، سواء أبقار أو أغنام، كما أنه غذاء نموذجي لبعض الحشرات، وعلى رأسها النحل، حتى البشر يسفيدون منه في علاج بعض الحالات التي تعاني من البكتيريا، أو آلام في البطن، وتكمن الفائدة في النبتة الأولى للبرسييم، التي تسمى أول “فقوة”.
فائدة كبرى
ولم يكن الطريق أمام فاطمة مفروشاً بالورد، حيث سهلت رعاية والدها لها الكثير من التحديات في طريق تأسيس منحل خاص، ورعاية خلايا النحل بالشكل الأمثل.
وتروي فاطمة تفاصيل قصة واجهتها مع أحد صناديق النحل خلال الأسبوع الماضي “فقدت الملكة من أحد الصناديق؛ فأحضرت ملكة أخرى ووضعتها في الخلية مدة لا تقل عن 3 أيام، حتى تفرز مادة الفرمونات، ويستطيع بقية النحل التعرف عليها، وقمت بوضع علامة عليها، حتى يتسنى لي معرفتها بسرعة أثناء عملية الكشف”.
وتكمل “العلامة كانت بوضع الحبر عليها، وانتظرت دقائق حتى يجف الحبر، ثم أرجعتها في الإطار، وكنت أراقب كيف سيستقبل النحل الملكة الجديدة ويتعرف عليها، فإذا استقبلها النحل وجها لوجه، وأفسح لها الطريق أثناء سيرها، فهذا دليل على احتفائه بها والتعرف عليها، أما إذا أعطاها ظهره، ولم يقبل عليها، فهذا دليل على عدم التعرف عليها، وقد تأكدت أن النحل تعرف عليها ولن يهاجمها، وبالفعل تم الاحتفال بوجود الملكة، ما بعث الاطمئنان لدي، فأغلقت الصندوق وذهبت”.
وتضيف فاطمة “تمييز الملكة بعلامات، يسهل علي التعرف عليها بسهولة، وللمملكة أوصاف مميزة، مثل طول الجسم، بعكس بقية النحل”، مضيفة “أجيد التعامل مع الملكة، فأمسكها برفق، وألعب معها بلمسات حانية، حتى لا أكسر لها جناحاً أو أؤذيها”.
نشاط الملكة
وتباشر فاطمة متابعة الإطارات المثقلة بالشمع والعسل بشكل دوري، وتسجل بيانات نشاط النحل، وتتفقد الخلايا التي تكون بمثابة الحضانة لبيض الملكة، فتتأكد من حجم نشاطها.
يوضح والد فاطمة أن لديه وابنته ملكات نحل تم شراؤها مؤخراً. ويقول “نسجل المراحل التي مرت بها الملكة، لكشف حركتها، والقدرة على تقييم الحضانة، ومعرفة هل هي ممتازة ونشطة، أم لا، وهذا يعطينا مؤشراً لنوع العسل وكمياته، ونسجل كل هذه الملاحظات في كشف يضم 4 تقييمات، وهي: ضعيفة، نشطة، مقبولة، وجيدة، وكل صندوق له كشف خاص به”.
تتابع فاطمة “شمع الأساس مهم لأي خلية، فهو يساعد النحلة على أن تقوم بتعبئة الخلايا بالعسل، واستخدم أسلاكاً معدنية وأربطها بطريقة سليمة، لا تؤذي الشمع، علما بأن لكل نحال طريقته الخاصة في التعامل مع الشمع”.
استخراج العسل
بعد الانتهاء من الشمع، تأتي مرحلة تجديد الإطار، وأجمع بقايا الشمع، وأضع عليه الماء المغلي، حتى ينفصل الشمع من الماء، وتنزل منه الشوائب، مثل الخشب والأوساخ، وهذا يساعد على إزالة طبقة الشمع بعد جمودها، وإن كانت سميكة، واستخدمها في لحام الإطارات فقط من ناحية الأطراف الداخلية”.
وتحناج فاطمة إلى البخار لإخراج الإطارات من مكانها. وتقول “قد يتعرض النحال إلى لسعات النحل، ولكن لابد أن يصبر”.
وتتابع “بعد ذلك، تأتي عملية فرز العسل، وهي تختلف من نحال إلى آخر حسب وفرة المرعى لديه”. وتقول “هناك طريقة لكي أعرف هل العسل قابل للفرز أم لأ؟ فالعسل الموجود في الخلية ومختوم، فهو جاهز، أما العسل غير المختوم، فأتأكد من أنه جاهز للفرز عبر نفضه من النحل، والتأكد من عدم تنقيط العسل، ولو نُقط، فذلك يشير إلى أن النحل لم ينته من تجفيفه بواسطة الهواء الذي يصنعه بأجنحته”.
إزالة الغلاف
وتكمل فاطمة آلية استخراج العسل ونتجميعه “نقوم بعد ذلك بإزالة الغلاف الموجود على العين السداسية، الموجود بداخلها العسل، هذا الغلاف سام للحشرات التي لا تستطع أن تدخله”.
وتقول “بعدها نضع الإطار في الفرازة، ونقوم بعملية الفرز في جهاز إشعاعي، يقوم بعملية الطرد اللامركزي، وأثناء دوران الجهاز، تنبعث رائحة العسل الجميلة، وهي تساعد الشُعب الهوائية، وتستمر هذه العملية بالدوران 10 دقائق في الجهتين؛ حتى أتأكد بإن العسل خرج من الجهتين”.
وتكمل “بعد عملية الفرز، يتم إخراج العسل، وهو عسل غير مصفى، فنصفيه بوضعه في المنضج، حيث يدخل مرحلة الدوران، ويصطدم بالهواء، فتحدث فيه بعض الفقاعات، ويظل العسل في المنضج أسبوعين لكي يُصفى و يكون جاهزاُ للتعبئة”.
شهادة الوالد
ويتحدث صالح الميلاد عن فاطمة “ابنتي من الطالبات الأُول في جميع المراحل الدراسية، وهي الآن نحالة مستقلة بنفسها، تمتلك 50 خلية نحل، وأنا مستقل عنها بـ100 خلية”.
ويضيف “بدأت بـ10 خلايا، وتطورنا بالجهود على مدار 15 عاماً مضت، مع 32 من الزملاء النحالين، ونجحنا في التوسع، خاصة بعد ان تعرفنا على نسيم عويشير، وهو صاحب مجهود كبير في التعلم والبحث، حيث ساعدنا في معرفة الكثير من مشكلات النحل، فعدم المعرفة بحلول هذه المشكلات؛ يجعل من الصعب الاستمرار في هذا المجال، ونسيم عويشير متواصل معي، ويبادر في الكشف عن المنحل”.
ويكمل الوالد حديثه عن بدايات ابنته في هذا النشاط “تعرفت فاطمة بعد ذلك على آلية استخراج التراخيص التي لم نكن على علم بها، وكذلك “المرزوم” وهو كيلو وربع الكيلو أو كيلو ونصف الكيلو من النحل، تكون نواة في تربية النحل، وهذا “المرزوم” يُستورد من مصر، كما تعرفت على الأدوات المستخدمة في التربية، وأستطيع التأكيد أن نسيم عويشير سهل العملية لنا ولعموم زملائنا النحالين، فدوره معنا كبير، إذ عمل على تسهيل عملية الاتصال بيننا وبين الوزارة من أجل استخراج التصاريح اللازمة من وزارة البيئة والمياه والزراعة، ولا أنسى الزيارة الميدانية للمهندس حسين الشخل الذي جاء للكشف عن المنحل، وهذه الزيارة مهدت الطريق لحصولي على الترخيص، وبعد ذلك بفترة حصلت ابنتي فاطمة على الترخص الخاص بها”.