باقر الشماسي.. رحيل آخر لواحد من جيل المثقفين الأوائل مارس الأدب والكتابة وشارك في تأسيس أول مكتبة في القطيف

القطيف: صُبرة

عن عمر ناهز الـ 89؛ غيّب الموت، اليوم، الكاتب باقر الشماسي، بعد حياة حافلة بالعمل الثقافي والاجتماعي المؤثر.

ويعدّ الراحل الشماسي من أوائل المثقفين السعوديين في محافظة القطيف، ومن الذين أسهموا في نشر الثقافة ومساندة الكتاب والقراءة، عبر مشاركته الفعالة في تأسيس أول مكتية أهلية في المحافظة، كما كان له إسهام مباشر عبر الكتابة الأدبية.

“صُبرة” التي آلمها النبأ؛ تشاطر أسرته التعازي، وتدعو له بالمغفرة والرحمة.

كما تعيد نشر المقال المطول الذي نشرته ـ سابقاً ـ للأستاذ عدنان السيد محمد العوامي في الفقيد.

باقر الشمّاسي..

وقصة مكتبة القطيف العامة

عدنان السيد محمد العوامي

باقر علي يوسف الشماسي

بطاقته الشخصية بقلمه

مولده

ولد في القلعة حاضرة القطيف الثلاثاء الأول من رجب سنة 1353هـ، 

تحصيله العلمي

درس – في صغره – في المعلم (الكتّاب)، كما هو حال معظم أبناء جيله، ولم يلتحق بالتعليم النظامي إلا في سنوات المراهقة في المرحلة الابتدائية، وقد لازم أخاه الأكبر المرحوم حسين الشماسي (أبو زكي). ولهذه الصحبة أثرها في تعريفه على كثير من أقطاب الحركة الأدبية في القطيف من خلال تردده مع أخيه الأكبر على (الصكة)([1])، وحواراتهم المهتمة بالأدب والثقافة، فتولع بهذا المجال، وقام بعد ذلك بالدراسة عند مدرسين خصوصيين في مختلف المجالات؛ كالقراءة والكتابة والحساب و التاريخ، وعمل بعد ذلك في مكتب العمل في الدمام، في مطلع الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي، فكان إلى جانب العمال بتعريفهم حقوقهم التي كفلها لهم نظام العمل السعودي، فكلفه ذلك غاليًّا.

مارس العمل المصرفي، والشركات الأهلية حتى تقاعده في أوائل تسعينيات القرن العشرين المنصرم، وقد كتب العديد من المقالات في عدة صحف ومجلات محلية وخليجية منها مجلة اليمامة، وجريدة اليوم وجريدة الأيام البحرانية والصحف الالكترونية، وتنوعت كتاباته ما بين أدبية وتاريخية، وسياسية، وطبع له عدة كتب منها: مدونات شموع ودموع، و همسات الليل، وكتيب من مسرح الحياة.

كان محبا للشعر والأدب وتولع بأشعار الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وكان قد حضر له أحدى الأمسيَّات الشعرية في بغداد عام ١٩٦٠م.

كما أسهم في الحفاظ على أول مكتبة أهلية في القطيف، وإعادة افتتاحها مع مجموعة من المهتمين بالثقافة و الأدب، وهم عبد العظيم الشيخ حسن الخنيزي، محمد حسن الربح، عبدالله رضي الشماسي وحسن الشي فرج العمران عام 1958م.

ألصكة، ما هي وما أهميتها؟

الصكة: كذا ينطقها آباؤنا وغيرهم يسمونها (القيصرية)، والمراد بها سوق السكة التاريخي المشهور في القطيف، وكان الشعر والأدب المتبادل في دكاكينها من المظاهر المألوفة، وخصوصًا (قهوة الغراب) ([2]) الملاصقة لذلك السوق، وقهوة الغراب هذه تضاهي مقهى الزهاوي في بغداد، فهي مجمعٌ تجاري أدبي، ولو كان في تقديري أن أتعرَّض لذكرها في هذه المسيرة؛ لاتَّخذتها عنوانًا لها بدل السيحة، فهو بها أحرى؛ إذ إن بستان السيحة لم نعرف مما مرَّ به من أحداث سوى حدثين أحدهما سياسي، والآخر أدبي، وقد تعرضت لأخير في حلقة آنفة، أما هذه القهوة فنشاطها التجاري والثقافي والأدبي كان يتجدد كل يوم، فيجتمع فيه التجار والأعيان، والأدباء كتَّابًا وشعراء، لا يشوش حواراتهم ومطارحاتهم صخبُ الباعة المتجولين الصغار، في سوق الجبلة الشهير، يحملون جرار الماء يبيعونه للظامئين، أو صواني الحلوى والزلابيا والكباب، أو الألواح الملأى بالأمشاط، والمسابيح، والسكاكين وغيرها من السلع، ولا ننس لعبة المكاسر بالبيض، وثغاء الأغنام ورغاء الجِمال، وعبق الدبس المتصاعد من جلال التمر المكدس في أرضها هنا وهناك. 

ذلك المقهى لم يبق أحد من مشاهير تلك الحقبة لم يزره. أو يستمتع بشايه المخدٍّر. 

فعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله)، له فيها ذكريات حكاها في أكثر من مكان، منها (لقاء الخميس)،  في جريدة اليوم تحت عنوان: “صداقتي مع خالد الفرج” قال: (كان خالد قد قدِم إلى هذه المنطقة على رأس منتصف القرن الماضي 1350هـ أو 51([3])، وكان قد استدعُيَ إلى هذه المنطقة رجلٌ من أهل نجد هو الشيخ مقبل الذكَيْر، استدعاه الملك عبد العزيز (رحمه الله)؛ لكي ينظِّم شؤون المالية في الأحساء، وأتى معه خالد الفرج . . . وقد مكث خالد الفرج في القطيف حوالي ثلاثين سنة، ولأني قرأت له كثيرًا، فقد ذهبت إلى القطيف لزيارته، وتعرَّفت بالرجل، فكنا نذهب إلى داخل مدينة القطيف، وفي داخل مدينة القطيف قِبَل باب القلعة، بيت بعده ساباط، يصل بين مكانين فيهما دكاكين، وفي هذا الساباط  كراسي مستطيلة، كان ذلك هو المجتمع، أظنني تحدثت عن أثر المقاهي في إحدى المرات، وقلت إن الشيخ خالد الفرج إذا أتى هناك يجتمع إليه أدباء القطيف: عبد الرسول الجشي، محمد سعيد المسلم، سيد علي العوامي، ومجموعة من الشباب تأثروا من اجتماعهم بالشيخ خالد، غفر الله له، واحتكوا به احتكاكًا أدبيًّا له أثره، والشيخ خالد أحبَّ هذه البلدة – القطيف، وامتزج بأهلها، وقال قصائد – لكنها لم تنشر –  في بعض أعيانها، وبعض الرثاء لبعض مشاهيرها، وأذكر أن عالمًا جليلاً من علمائها قد توفي فرثاه بقصيدة مطلعها:

ابكوا دمًا بعد الدموع

شيخًا يعز على الجميع) ([4]).

قلت: القصيدة في رثاء المرجع الديني الشيخ علي أبي الحسن الخنيزي، وقد نشرت، مع القصائد الأخرى التي قالها في القطيف – نشرت في أكثر من مطبوعة، منها ذكرى الإمام أبي الحسن الخنيزي، أصدرها نجله الشيخ عبد الله، وذكرى السيد ماجد العوامي، أصدرها السيد حسن العوامي، وبعده السيد علي العوامي في المجلة العربية ([5]) ثم أدرجها خالد سعود الزيد في ديوان خالد الفرج دون إشارة للسيد علي، وهو ضرب من الأمانة الأدبية شائع، ثم أعدت نشرها في كتاب (جهاد قلم) صدر بعد وفاته. الكلمة الأخيرة: إن خالد الفرج (رحمه الله) ليس وحده من أحب القطيف، واندمج مع أهلها بل الشيخ الجاسر نفسه أحبها واندمج مع أهلها،  وفتح صدر اليمامة لكتابها ونشر مطالبهم، ولم يكفه ذلك بل ذهب إلى الدفاع عنها، فتحت عنوان: هذه المدينة الشاكية، أما آن أن يُسمع صوتُها؟ كتب يقول: (ما زرت مدينةَ القطيف، أو شاهدتُها – حينما كنت أقيم في المنطقة الشرقية – إلا وذكرت قول الشاعر القديم:

ومن العجائب، والعجائب جمَّةٌ

قربُ الحبيب، وما إليه وصول

كالعيس في البيداءِ يقتُلها الظما

والماءُ فوقَ ظهورِها محمول

وما تصفَّحت بريدَ اليمامة من المنطقة الشرقية إلا وجدت فيه كتابًا يتضمَّن شَكاةً من تلك المدينة، أو مقالةً تصف بعضَ ما تقاسيه من الإهمال في بعض مرافق الحياة العامة فيها، كالصحة، أو الزراعة، أو التعليم، أو استزادةً من إصلاح ناحية من النواحي. وما اجتمعت بأحدٍ من أهلها إلا وسمعت منه مرارةَ الاستياء، والتألم من سوء الأحوال في تلك المدينة)([6]).

هذا واحدٌ من المناخات التي تفتحت عليها مدارك شخصيتنا لهذه الحلقة الصديق الأستاذ باقر علي الشماسي (أبو سلام).

مسيرته الأدبية

كان رفيقًا لمجلة الواحة الفصلية طيلة عمرها الممتد لما يقرب من 68 عددًا، فكان يمدها بمقالاته في شتى المواضيع، وأراه لم يشر إلى تجربته الشعرية في بطاقته الشخصية التي زودني بها نجله سلام، فلعل إعراضه عن الإشارة إليها تواضعًا، فهذا يحمد له، وإن كان ليس من حقه حجبه، بل هو من حق الأدب والتاريخ، ومن مقالاته في الواحة مقال بعنوان (محطات تاريخية)حول سنة الرحمة، وتقاليد الزواج، وقهوة الغراب، بوسع من أراد مطالعته على هذا الرابط([7])، كما نشر في صحيفة إيلاف الإلكترونية، بعنوان : (تأزم العقل في علب السردين)، وهذا هو رابط المقال([8])

نموذج من كتاباته

الشعر

زنبقة قلب..

اختُرِم ولدُه نايف (رحمه الله) في حادث سير أليم يومَ الخميس 10 شعبان 1420هـ 18 نوفمبر 1999م، فرثاه بهذه القصيدة([9]):

يا عيدُ، عدتَ ونور العين مفقود

أما الحبيبُ فتحت الترب ممدود

ما بهجةُ العيد والأكباد نازفة

مذ غُيِّب البدرُ، والشريان مفصود؟

يا نايف الطهر والذكرى معطرةٌ

في كلِّ جارحة ها أنت موجود

تبكيك عيني دماً، والقلب متَّقدٌ

ما زال يهتف: يا أحبابنا عودوا

ما أبشع الغدرَ، يا دنيا، وأفظَعَه

فذاك طبعكِ بالأرْزاء معهود

اللَّه أكبر! فالدنيا ولعبتها      

بطش وخطف، وتنكيل وتشريد

أمُّ الفواجع، فالغربان ما برحت

لها مع البُوم تنعيبٌ، وتعديد

أبعد أن صارع الأهوالَ ترقبه  الـ

ـعليا، ومستقبلٌ بالسعد موعود

تحويه زنزانة في الأرض مرعبةٌ

تذوي الأزاهير فيها والعناقيد؟

نيف وعشرون عاماً كلها زَخَم       

جِدٌّ، ودرس، وأحلامٌ وتسهيد

تَبًّا لها ليلةً سوداءَ فاجعةً

ما زال من جُرحها في القلب تخديد

كربٌ، وزلزلة حلَّت بأسرته

يا ليت شعري متى تُجنى العناقيد!؟

يا نورسًا في عُباب اليَمِّ مصرعه

أنَّى غرقت؟ وعهدي أنت صنديد

يا نايف الحبِّ والآمالُ سامقة

قيثارةٌ أنت بالأنغام غِرِّيد

في البيت زنبقةٌ عذراءُ زاكيةٌ

جفَّت، وأعقبها في القلب تنكدود

لأين تحملك الأكتاف يا ولدي

أزَفَّة العرس هذي؟ أم هي العيد؟

من مطلبياته

حول مكتبة القطيف([10])

كتب إلينا السيد باقر الشماسي يصف مكتبة القطيف وخلوها من الكتب، ويقول بأن وزارة المعارف أبدت عند تأسيسها اهتمامًا ورعاية لها.. وأن هذه المكتبة الآن أصبحت في وضع سيء جدًا رغم كونها في مدينة تعتبر من كبريات مدن المملكة، تفتقر إلى وجود مكتبة عامة مهيأة بكل ما يجب أن تهيأ به المكتبات العامة.

والسيد باقر يرجو من وزارة المعارف أن تلتفت إلى هذه المكتبة، وأن تنال عنايتها واهتمامها ما تناله المكتبات الأخرى في مدن المملكة.

واليمامة ترجو أن تحقق وزارة العلم والعرفان رجاء السيد الشماسي، بل رجاء أهل سكان مدينة القطيف.

حول مكتبة القطيف

رجاء إلى وزارة المعارف([11])

باقر الشماسي ـ القطيف

سبق أن طلب بعض إخواننا على صفحات جريدة اليمامة الغراء من وزارة المعارف الجليلة أن تنتشل مكتبة القطيف الأهلية العامة من هوة الإفلاس والتقهقر. كما طلب هؤلاء الإخوان أن تكون المكتبة بعدئذ تحت إشراف وتوجيه الوزارة، وذلك رغبةً منهم في تقدمها وازدهارها الدائم، وإني بدوري أضم صوتي معهم لتنعم هذه المكتبة بالرخاء المادي والمعنوي الدائمين، طالما ثمة أيادٍ بيضاء كريمة تسندها وترعاها، ولا أفضح سرًّا إذا قلت أن المكتبة مدانة حتى لفرَّاشها، فضلًا عن صاحب الدار المستأجرة لها بمبلغ يربو على الثلاثمائة ريال علمًا بأنَّ مُرتَّبه الشهري خمسون ريالًا فقط بالإضافة إلى قلة الكتب والصحف الأدبية وغيرها من المواد المغذية للعقول، وكذا عدم وجود المراجع المهمة. أليس بدليل على عدم مقدرتها القيام بتأدية واجبها كمكتبة أدبية؟ أو ليس هذا بدليل قاطع على حاجتها إلى معونة وتوجيه وزارة المعارف؟ حقًّا إنها في حاجة مُلحَّة إلى بناء دار لها ومدِّها بالكتب الدينية والعلمية والصحف الأدبية كما أنها في أمسِّ الحاجة إلى إشراف وزارة المعارف؛ لتسنَّ لها نظامًا عامًّا اتِّقاءً للفوضى والتلاعب، وتوظيف فراش دائم لها، وآنذاك تكون مكتبة ثابتة مزدهرة يؤمها الصغير، والكبير، والغني والفقير باطمئنان دون ملاحقة من القائمين عليها بطلب المساهمة أو التبرع فما هو رأي وزارة المعارف الساهرة على تنوير وتثقيف هذا الشعب بأكمله والذي لولاها لما كانت له هذه المكانة العالية بين الشعوب العربية؟ لا شك أنها تعي هذا الواجب قبل أن أعيه أنا وغيري من أبناء هذه الأمة الناهضة. إذن فنحن لمنتظرون.

الرئيس يتهم.. ونحن ننفي([12])

لقد قرأت لرئيس مكتبة القطيف الأهلية ـ عبد رب الرسول الشماسي الكلمة المنشورة في جريدة اليمامة، عدد 243 وتاريخ 18/4/1380، وفي أول وهلة من قراءتي الكلمة المشار إليها أعلاه ظننت ـ بحسن نية ـ أن سيادة الرئيس قد دعا وزارة المعارف هو أيضًا إلى مد يد العون السخي لهذه المكتبة فتبني لها دارًا ملائمة، وتزودها بمجموعة من الكتب الدينية والأدبية وبمختلِف الصحف والمراجع.. الخ؛ لكي تسير سيرًا طبيعيًّا دونما عقبات ومضايقات من قبل الدائنين كصاحب الدار مثلًا، أو الفراش وغيرهما من الدائنين.

أجل لقد ظننت ذلك للأسف، ولكن حدسي هذا، الناجم من حسن النية, قد باء بالفشل الذريع، وليت الأمر قد اقتصر على اختلاف الرأي بيننا في أيهما أفضل: بقاء المكتبة تحت تصرف سيادة الرئيس؟ أم تحت تصرف وتوجيه وزارة المعارف الموقرة؟ وإنما تعدى حدود المعقول، حيث قال: >لقد آثرنا تجنُّب الرد في أول الأمر إلا أننا رجحنا الرد أخيرًا لكشف حقيقة تلك النفوس المريضة التي اندفعت بحقدها الدفين تشوِّه الحقيقة الساطعة<؛ لذا فإني أسأل سيادة الرئيس من ذا الذي شمَّر عن ساعديه، وسطَّر في كلمته الشتائم البذيئة، والكلمات النابية المقيتة؟ هل هو أنا أم سيادته؟ إنني أتحدَّاه وأتحدى من أملى عليه تلك الكلمات الوضيعة إن وجد في كلمتي التي أشار إليها أية لفظة نابية أو حتى إشارة مهينة قصدت بها أحدًا من الناس، بل العكس؛ لقد جاء في مضمونها تعقيب على مطالبتي وزارة المعارف بمؤازرة المكتبة ماديًّا ومعنويًّا، فإذا لم يفهمها قبلًا فعليه أن يعيد قراءتها مرة ثانية وثالثة ورابعة، وإن كان قد فهمها من أول تلاوة، فماذا أغضب وأزعج سيادة الرئيس؟ هل أزعجته كلمتي لأن جاء فيها توجيه رجائي لوزارة المعارف بأن ترعى هذه المكتبة وتشرف عليها، وحينذاك يخسر لقبه من المكتبة؟ اذا كان كذلك، فإنني أكرر وأؤكد رأيي السابق بأنه من الخير لهذه المكتبة أن تكون تحت رعاية وإشراف وزارة المعارف، لا لأثير حفيظة الرئيس، كلَّا وألف كلَّا، ولكن لكي تتغلب هذه المكتبة على جميع العقبات، ومن كبيرات هذه العقبات وأخطرها العقبة المادية، فهل في هذا الرأي خدش لكرامة الرئيس؟ أو فيه خيانة عظمى للمكتبة، كما يتصور؟ أو هل في هذا الرأي مجافاة لمنطق الحق والواقع وإجحاف بحق المكتبة؟

وإذا كان يرى هو أن هذا الرأي هو خيانة وإجخاف بحق المكتبة وبحقه أيضًا، فلماذا أنشأت وزارة المعارف على حسابها عدة مكتبات مماثلة كمكتبة القطيف الأهلية في جميع النواحي عدا الإشراف والعون المالي ونخص بالذكر مكتبة الرياض والذي حدا بالأخ صالح العبد الرحمن العدل بمطالبة وزارة المعارف في العدد الذي نحن بصدده أن تفتح لهذه المكتبة فرعًا لها في الرياض؛ ليستفيد منها أكبر عدد ممكن؟ وعلى ضوء هذه المقارنة بين كلمتي وكلمة سيادة الرئيس يتضَّح بجلاء أن الذي يبيت حقدًا دفينًا وأسودًا هو سيادة الرئيس وليس أنا، ثم جاء في كلمة الرئيس سامحه الله ما معناه أنني افتريت على فراش المكتبة بقولي إنه يدين المكتبة بثلاثمائة ريال وجعلته يترك المكتبة بينما لدى سيادة الرئيس إقرارٌ وبخط يد الفراش يعترف فيه بأنه لا يدين المكتبة بشيء.. وليثق الرئيس بأني لم افتر على الفراش المذكور، ولم أزور عليه بحرف واحد إنما الذي قلته هو ما قاله الفراش عبد الرؤوف حرفيًّا في السيارة وأمام جماعة تربو على اثني عشر شخصًا لا أظن أن سيادته يجرؤ على تكذيبهم، فماذا يصف الآن حضرة الرئيس كلامي عن الفراش، هل لا زلت مزوِّرًا؟ وسوف لا أقول شططًا، ولا أكون مدافعًا عن جماعة أو عن أي فرد، ولكن الحق لا بد وأن يقال، عندما قال جازمًا في أول الأمر بأن بعض الشباب الناهض قد طلب من حضرة المليك المعظم السماح لهم بتأسيس مكتبة أهلية عام 1374هـ، وهذا صحيح، ولكنه أضاف متسائلًا: >هل فتحت أبواب المكتبة لتعليم الطلاب في العطلة الصيفية نهارًا ومكافحة الأمية ليلًا جريًا على أيدي القائمين بها فعلًا في عام 74. إنني أترك هذه الديباجة الكلامية المهلهلة للقارئ ليحكم على هذا التناقض المفضوح، ولكنني أحب أن أهمس في أذن الرئيس: هل كنت يا سيادة الرئيس من ضمن هؤلاء الشباب الناهض الذي تكرم وتقدم لحضرة صاحب الجلالة المحبوب وطلب فتح المكتبة ومن ثم قام بتأسيسها؟ ثم جاء في كلمة الرئيس قوله: >إن صاحب الدار يستلم الأجرة مقدمًا لكل شهر<، فلو فرضا جدلًا بأن ما زعمته صحيح، فهل يعني هذا أن المكتبة ليست بحاجة إلى بناء دار لها من قبل وزارة المعارف وتزويدها بكل ما تحتاجه من نقود وكتب وصحف ومراجع؟ وهل في هذا إحراجٌ للمساهمين، أم راحة لجيوبهم ورصيدٌ قويٌّ ضخمٌ في بقاء المكتبة إلى أمد طويل؟ ثم قال سيادة الرئيس: >إن للمكتبة رصيدًا ماليًّا في البنك العربي غير أنه للأسف أغفل ذكر رقم الحساب، وله العذر في هذا السهو غير المقصود حيث الأعمال الكثيرة المنوطة بسيادته تجعله في غفلة وغفلان. كما أنه أغفل أيضًا أهمَّ من ذلك وهو ذكر المبلغ الذي يحويه الشيك، ولا من أين جاء هذا المبلغ هل هو من جيوب أولئك النفر المخلص السخي الذي تبرع للمكتبة بعشرات الريالات، وذلك تلبية لما قيل وسط تلك الوريقات الصفراء والخضراء بأن القائمين على المكتبة ينوون شراء قطعة أرض ليبنوا عليها دارا للمكتبة؟ قد يكون ذلك ولكن لو أن سيادة الرئيس قد ذكر مقدار المبلغ لجاز لي أن أهتم بتناوله في هذه الكلمة كما أن من الجائز تدفعني ضخامة المبلغ فأشير على سيادته أن يؤسس بذلك المبلغ شركة صناعية لتدر أرباحها الهائلة على المكتبة، ومن ثم يكون بمستطاع الرئيس شراء أرض، وبناء دار للمكتبة، أما قوله بأن المكتبة لا تحاول كما شئت لها أن تنكر المعونة التي قدمتها وزارة المعارف، فهل صحيح أن الذي يضع ثقته في هذه الوزارة ويطالبها بأن ترعى المكتبة بعنايتها عن كثب هو منكر للوزارة جميلها ومعونتها؟ علمًا بأن هذه الوزارة بالذات قد ذاع صيتها وخصوصًا في الآونة الأخيرة في أرجاء هذه البلاد بما تقدمه لهذا الشعب من خدمات عظمى كإنشاء المدارس الحديثة والمكتبات الأدبية، وذلك تنفيذا لرغبة حكومتنا الجليلة، وتطبيقًا لسياستها في مكافحة الجهل، وقبل أن اختتم كلمتي أرجو من الله تعالى أن يهدي سيادة الرئيس فيقبل ـ بصدر رحب ـ كل معونة وكل نصح وتوجيه ولاسيما إذا جاءت هذه المعونة من وزارة لها الحق قبل غيرها في مد يد العون لمثل هذه المشاريع النبيلة، ولها الأولوية في التوجيه والإشراف وذلك لاختصاصها في مثل هذه المواضيع، وقدرتها المادية، كما أود أن أشعِر سيادة الرئيس بأنني لن أتخلى عن مطالبة وزارة المعارف الجليلة ببناء دار للمكتبة أولًا، ثم تأثيثها بكل ما تتطلبه وذلك أسوة بالمكتبات الأخرى التي أنشأتها الوزارة؛ لتؤدي مهمتها على أحسن وجه. أقول أنني لن أتخلى عن ذلك وأعتقد أن وزارة المعارف ستحقق طلبي هذا؛ لأنها برهنت ولم تزل تبرهن على نشاطها في تشجيع العلم والثقافة، ومكافحة داء الجهل، كما وأنها لا تفرق بين بلد وآخر طالما أن جميع هذه المدن هي منضوية تحت راية قائد العروبة والاسلام صاحب الجلالة الملك سعود الأول حفظه الله، وبعد تحقيق ذلك لا يهمني أن يكون سيادة الرئيس بلا رئاسة.

مشاركاته الصحفية

نشر في العديد من الصحف؛ منها اليمامة واليوم، والأيام البحرانية، والصحف الإلكترونية،

مؤلفاته

وله من المؤلفات المطبوعة (مدونات شموع ودموع)، و(همسات الليل)، و(من مسرح الحياة).

————-

([1])الصكة: هي سوق السكة التاريخي المشهور في القطيف، وكان الشعر والأدب المتبادل في دكاكينه من مظاهر المألوفة، وخصوصً قهوة الغراب الملاصقة لذلك السوق.

([2])تقع في الركن الشمالي الغربي للسوق الجبلة، وهذا الركن يضم ثلاثة من المقاهي متلاصقة تقريبًا يربطها بسوق السكة نافذ يتعامد معه نافذ آخر فيشكلان معًا هيئة الصليب تقريبًا، يذهب أحدها شمالا إلى بلدة الشريعة، وجنوبًا إلى دكاكين الصفارين، وشرقًا بميل قليل إلى اليمين تقع المقاهي الثلاثة المذكورة، وترتيبها للقادم من السكة، حسب وصف الأستاذ عبد المجيد سعيد الجامد 1 – الأولى قهوة حبيب الغراب، وإلى الشرق منها قهوة الحاج مهدي الغراب، وهي مجمع الأعيان والتجار والأدباء.

([3]) أول قدوم لخالد الفرج إلى المنطقة كان في سنة 1334هـ وأقام فيها بضعة أشهر، وعاد إليها سنة 1341هـ ، وفي سنة 1346هـ نفاه الإنجليز من البحرين، إلى الكويت، ومنها عاد إلى القطيف، وفي شهر جمادى الأولى منها تولى تأسيس بلدية القطيف. انظر: ديوان خالد الفرج، تقديم وتحقيق خالد سعود الزيد، توزيع شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1989م، ص: 23. 

([4])لقاء الخميس، أجرى اللقاء الأساتذة خليل الفزيع، فالح الصغير، عبد الرؤوف الغزال، جريدة اليوم، الدمام، العدد: 2684، الخميس، 6 ربيع الثاني، 1403هـ. 

([5])المجلة العربية الرياض، العدد: 124، جمادى الأولى، 1408هـ، كانون الثاني (يناير) 1988م.  

([6])حمد الجاسر، جريدة اليمامة افتتاحية العدد: 255، الأحد، 14 رجب 1380هـ.  

([7])مجلة الواحة  – العدد (15)، الربع الثاني 1420هـ، الرابط:  https://chl.li/x073V ،

([8])مجلة الواحة  – العدد (15)، الربع الثاني 1420هـ، الرابط:  https://chl.li/x073V ،

([9])صحيفة إيلاف الإلكترونية، الرابط: https://chl.li/TYc9w.  

([10])جريدة اليمامة العدد 224 الصادر بتاريخ 26/11/1379هـ.  

([11])اليمامة الصادرة بتاريخ 6/3/1380هـ العدد 237.  

([12])جريدة اليمامة الصادرة بتاريخ 1/6/1380هـ العدد 249، الصفحة 8.  

‫2 تعليقات

  1. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
    الله يرحمه ياااااارب 🤲🏻🌷
    مار

  2. وداعا أبو سلام
    كان المرحوم ابن العم باقر علي الشماسي (أبو سلام ) من جيل الأوائل الذين قادهم وعيهم المبكر في مرحلة اتسمت بالانغلاق الثقافي وقلة التعليم وصعوبة العيش للبحث عن السبل لتغيير حياة الناس والارتقاء بها لمستو حضاري متقدم ، فتولى مع زملائه وأصدقاءه من ذلك الجيل الطليعي البحث عما يعيق ذلك، وتشخيص العوامل المتسببة في ذلك التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ومواجهة هذه الأسباب. فكان أن وضعوا على عاتقهم الارتقاء بوعي أبناء المجتمع وحثهم على الاشتراك في مواجهة هذه العوامل ، التي لم يكن طريق معالجتها سهلاً . فكانت محاولاتهم سيرا عكس التيار ، واصطداما بنفس الأسباب، مما جعل من مساعيهم كمن يحفر في الصخر بأصابع جرداء. وهذا ليس بالغريب فدائم كانت مساعي الإصلاح والتغيير لا تمر بسهولة كما يمر الخيط من فتحة الإبرة ، فهو عمل شاق ومضني وثمنه دائما مكلفاً ، وقلة من الناس ممن تتحمل دفع هذا الثمن . والناس مختلفون في وعيهم وطاقاتهم وقدراتهم ، فمنهم من يحتفظ بما اكتسبه من وعي وثقافة ويستمر في نشاطه ، وآخرين يختارون الانطواء أمام المحن والصعاب ويتركون المهمة لغيرهم ممن يملك القدرات على القيام بها.
    مرت على المرحوم فترة صعبة وظروف معاشية غير سهلة منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي فأبعدته عن حياة الثقافة وعزلته عن محيطها ، إلا انه وبعد تقاعده سرعان ما عاد لنشاطه في عالم الثقافة متواصلا مع النشاطات والفعاليات الثقافية أما من خلال الكتابة في الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية أو من خلال الحضور الشخصي في الندوات والفعاليات الثقافية التي تحييها منتديات القطيف المتعددة ، بالرغم من الصعوبات التي يواجهها لقلة المواصلات أو توفرها في الوقت المناسب .
    لم تكن السنين الأخيرة من حياة المرحوم سهلة فقد عانى من عدة أمراض أقعدته في منزله وأبعدته عن الفعاليات التي اعتاد على المشاركة فيها. ولا يخامرني الشك في أن هذه الفعاليات متى ما عادت لنشاطها بعد انحسار الكورونا ستفتقد حضور بالقر الشماسي الذي رحل عنا دون وداع من كافة محبيه. فالعزاء لزوجته وأولاده وبناته ولعائلته وكافة أصدقاءه ومحبيه ، ولروحه السلام والرحمة من رب العالمين .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×