[تعقيب] أقدم خارطة رسمها بطليموس في عام 150م “غير موجوده” كتاب المؤرخ الإغريقي الذي وصلنا بلا خرائط أصلاً
جلال خالد الهارون
يذكر الدكتور “علي الوردي” في أحد كتبه واصفا “المجتمع المتحرك” فيقول هو ذلك “المجتمع” الذي يحتوي بداخله على جبهتين أو أكثر متضادتين في الرؤى والأفكار، فهذا الاختلاف يعتبر بمثابة القدمين للمجتمع وبهما فقط يستطيع التحرك خطوة الى الامام، ويرى الدكتور علي الوردي أيضا أن “المجتمعات الجامدة” هي تلك المجتمعات التي لديها اتفاق او اجماع على أفكار معينة وهذا يشببه “هو” بالإنسان الذي ربطت قدماه معا لذا فهو لا يستطيع ان يغادر مكانه.
ونحن في هذا التعقيب ننطلق من هذا المعنى.
افتتح الأستاذ “عبد الخالق الجنبي” مقاله المنشور مؤخراً في صحيفتكم الموقرة “صبرة” بالتعريف بكتاب (الجغرافيا) الذي الفه العالم الاغريقي كلوديوس بطليموس، وذكر بان هذا الكتاب خرج لأول مره في الإسكندرية في عام 150م وهو في الأصل تنقيح لأطالس جغرافية أخرى أقدم منه مفقودة.
وذكر أيضا بان هذا الكتاب فيه ذكر لأكثر من 8 الاف موضع ومكان جغرافي، ومرفق به أيضا مجموعه من الخرائط منها الخارطة السادسة الخاصة بالعربية السعيدة أي خارطة شبه الجزيرة العربية والتي ذكر فيها الكثير من المواقع الجغرافية القديمة التي تعود الى زمن بطليموس مؤلف الكتاب، ويختم الأستاذ عبد الخالق مقدمته التعريفية بالحديث عن معلومة غاية في الأهمية وهي أن كتاب “بطليموس” كتب إبتدأً باللغة اليونانية إلا أن جميع هذه النسخ الاصلية “مفقودة”.
ونظرا لأهمية هذه العبارة “جميع هذه النسخ الاصلية مفقودة” رأيت أن اكتب تعقيبا يناقش هذه النقطة تحديدا، فقد ذكر الدكتور خالد العنقري أستاذ الجغرافيا وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود السابق في كتابه “الجزيرة العربية في الخرائط الأوروبية القديمة” عن ذلك قائلا:
… أن خرائط “بطليموس” الأصلية فقدت ولم يعثر على أي منها حتى الوقت الحاضر، وأما النص المكتوب فقد فقدته أوروبا لعدة قرون، ثم عرف مرة أخرى عن طريق المسلمين الذين يعود إليهم الفضل بترجمته الأولى في عهد الخليفة العباسي المأمون في القرن الثاني الهجري، وثمة ترجمتان باللغة العربية لكتاب الجغرافيا أنجزت في عهد المأمون بعنوان “الجغرافيا في المعمور وصفة الأرض” أحدهما ترجمه الكندي وهي ترجمه لم تكن جيدة والأخرى قام بترجمتها “ثابت بن قرة” وهي ترجمه جيدة… انتهى
ومن هذا النص يتضح لنا بان الذي وصلنا من تراث العالم الاغريقي “بطليموس” فقط نص مكتوب، فقد في البداية لقرون ثم عثر على ترجمه عربية منه في العصر العباسي، وبذلك لا توجد خرائط معروفة اليوم رسمت في عام 150م بيد العالم “بطليموس” يمكن الرجوع اليها.
وعليه يحق لنا التساؤل إذا كانت خرائط بطليموس “مفقودة” او غير موجودة أصلا… فما قصة كل هذه الخرائط التي تملأ كتب التاريخ الجغرافيا والمنسوبة اليه…؟
ولتوضيح ذلك من المفيد أن نطلع على ما ذكره الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة واستاذ التاريخ في الجامعة الامريكية في الشارقة بهذا الخصوص في إحدى محاضراته المنشورة:
… يذكر بأن هناك نسخه موجودة في “الفاتيكان” وأن هناك شركة نشر اوربية تسمى “برل” قامت في عام 1932م بنسخ هذه المجلدات الثلاثة من كتاب بطليموس المحفوظة هناك، وقامت أيضا بتصوير بعض الخرائط المحفوظة في “الفاتيكان” واضافتها إلى كتاب بطليموس وهي غير موجودة فيه أصلا، وهذا العبث تسبب في اشكال كبير.
حيث أن أصل كتاب بطليموس لا يوجد به خرائط، وهذا امر معروف، وانا قرات كتاب “الماني” يذكر فيه بأنه زار إسطنبول ووجد فيها نسخة من كتاب “بطليموس” فقام بنسخ تلك النسخة إلى نسختين واحدة اخذها الى ألمانيا والأخرى سلمها للفاتيكان، وبذلك فان النسخة التي في “الفاتيكان” والمكونة من ثلاث مجلدات هي نسخه مأخوذة عن نسخه إسطنبول.
وبالفعل عند الانتهاء من مقارنة النسختين وجدت انها متطابقة وبذلك تبين لنا ان شركة “برل” هذه فعلا أدخلت خرائط على نسخة “الفاتيكان” وحاليا تنسب تلك الخرائط إلى كتاب بطليموس ولكن الكتاب لا توجد به خرائط اصلا.
وعلى كل حال وجدت أنا في هذه الخرائط أسماء عربية وفيها أيضا إشارة الى مبنى عليه صليب وبالقرب منه مبنى أخر عليه هلال، وهذا يعني بان هذا كتب بعد الإسلام، لذا قمت شخصيا بجمع كل الخرائط التي تسمى خرائط طلبة بطليموس –أي- الأشخاص الذين يدرسون تراث بطليموس من المادة المكتوبة وينقلون تلك المادة الى الخرائط المنقوشة.
لقد جمعت كل هذه الخرائط “سنه بسنه” وتتبعت الأسماء العربية فيها وفي البداية لم أجد اسم عربي ومع الاستمرار بالتتبع وصلت الى عام 1454م، وعندها وصلت الى خارطة يوجد بها أسماء عربية، وعندها قمت بدراسة سيرة الشخص الذي عمل هذه الخارطة فوجدت انه يذكر، بأنه مكلف من قبل السلطان العثماني ويذكر بان السلطان صديقة وهو الذي طلب منه عمل خارطة له بالعربي، ومعنى ذلك انه وفي عام 1454م زوده العثمانيون بهذه الأسماء التي في الجزيرة وفي الشام وفي أماكن أخرى… انتهى.
ومن كل ذلك يتضح لنا بأنه لا توجد هناك خرائط رسمها “بطليموس” في عام 150م وإنما هناك خرائط منسوبة الى طلبة “بطليموس” أضيفت الى الكتاب عن طريق الخطأ، ولا يقصد هنا بعبارة طلبة بطليموس تلاميذه الذين قام هو بتدريسهم وإنما المقصود هنا الأشخاص المتأخرين الذين اهتموا بتراث “بطليموس” المكتوب فحاولوا رسم خرائط جغرافية وأسقطوا على تلك الخرائط الأسماء الكثيرة التي وردت في كتاب بطليموس.
ولهذا نجد الكثير من الأسماء المتشابه في هذه الخرائط والتي أحياناً توضع في سواحل الخليج العربي وفي أحيان أخرى توضع في سواحل البحر الأحمر.
وختاما لا شك بأن مشوار البحث في التاريخ طويل ومضني ونحن جميعا لا نزال في البداية.
اقرأ ايضاً