[شعر] سيرة لا نهائية لـ “أبي تراب”
شعر: ياسر آل غريب
ينأى .. يقرِّبُ نَفْسَهُ من نفسِهِ
ويصوغُ للأكوانِ آيةَ شمسِهِ
يمضي؛ ليبحثَ عن لآلئِ وقتِهِ
حتى رأى الغدَ في محارةِ أمسِهِ
وإذا أشارتْ ساعةُ المجنى إلى
كفَّيهِ، ينكشفُ النماءُ بغرسِهِ
من خالصِ العرفانِ أترعَ قلبَهُ
يومَ ازدهى حقُّ اليقينِ بكأسِهِ
أصغتْ له الأنهارُ، واتَّحَدَتْ به
لما ترقرقَ في بلاغةِ جَرْسِهِ
حين اصطفتْهُ الأبجديةُ مخلصًا
جَعَلَ السماءَ له مثابةَ طِرسِهِ
ليخطَّ في الآفاقِ أحرفَهُ التي
كانتْ كأروعِ فكرةٍ في درسِهِ
كم قلَّبَ الأشياءَ في خطراتِهِ
ولكمْ أضاءَ المستحيلَ بعكسِهِ
جسَّ الحياةَ بإصبعٍ، فإذا به
يلقى خلايا الكونِ عبرَ مجسِّهِ
عيناهُ تختبرانِ كلَّ طبيعةٍ
من فرطِ ما احتشدَ الوجودُ برأسِهِ
فإذا رمى الدنيا هناكَ وراءَهُ
فلأنه أسرى لوجهةِ أُنْسِهِ
هو طائرُ المعنى يحلِّقُ في المدى
عجزتْ محطاتُ الرَّدى عن حبسِهِ
رئتاهُ تبتكرانِ في حُرِّيَّةٍ
ضوءَ التنفسِ في عزيمةِ بأسِهِ
دومًا يرافقُهُ الخلودُ مرفرفًا
مُذْ كانَ طيفًا من سلالةِ جنسِهِ
وسعى ينقِّبُ عن أحافيرِ السَّنا
واشتدَّ يقتلعُ الدُّجى من أُسِّهِ
نَسَجَتْ له كفُّ الجلالِ ثيابَهُ
فبدا مهابًا في جلالةِ لبسِهِ
في مقلتيهِ من الجمالِ رسائلٌ
وبوجهِهِ شعَّتْ معالمُ قُدْسِهِ
هو أطلقَ الإصرارَ سهمًا صائبًا
والسهمُ لا ينسى أبوَّةَ قَوْسِهِ
لم يحتطبْ شجرَ السنين إرادةً
إلا بما شاءتْ عقيدةُ فأسِهِ
ما هذه الروحُ التي انتصرتْ على
شرِّ الزمانِ المخلبيِّ وبؤسِهِ ؟؟
بنهاره دوَّى بسيفِ حروبِهِ
وبليلهِ ناجى برقَّةِ همسِهِ
كم حرَّرَ الإنسانَ من أغلالِهِ
وأزاحَ عن عينيهِ غُمَّةَ يأسِهِ
هو واحدٌ في الحبِّ .. إلا أنَّهُ
متعددٌ في عبقريةِ حسِّهِ
وإذا تمرأى العاشقون بحسنِهِ
وتطلعوا شوقًا لشرفةِ نفسِهِ..
قسمَ المحبةَ قسمةً كونيةً
فلعُرْبِهِ نثر الهوى ولفُرْسِهِ
ألقى وراءَ الغيبِ نظرةَ مُوقنٍ
واستشرفَ الآتي بقوَّةِ حَدْسِهِ
كم كوكبٍ ينزاحُ عن أفلاكِهِ
ليقيمَ وصلًا فَوْقَ موضعِ رمْسِهِ
مع كلِّ ثانيةٍ تدلَّتْ عِنْدَهُ
شهدَ الزمانُ على استحالةِ طَمْسِهِ
فاضتْ عن الأرقامِ سيرةُ ذاتِهِ
منذُ اعتذارِ المنتهى عن لمسِهِ