رحلة إلى العشق الإلهي
هدى آل درويش
لم يكُ بالأمر الهيّن اتخاذ قرار الحج في هذه الظروف العصيبة ولكنه الشوق واللهفة لبيت الله، والثقة بأنني في وطن يبيع الغالي والنفيس من أجل سلامة أبناءه، اتخذا القرار وبدأت بانتظار الإيذان بالرحله نحو العشق الإلهي. كانت أيام الانتظار عصيبةً جداً بسبب كثرة تغيير الخطط والرحلات.
بدء اليوم الأول والشوق يسبقني نحو بوابة المغادرة للمطار، من منزلي خرجت متوجهة لأطهر البقاع مكة المكرمة تاركة الأهل والأحباب وكل شيء خلفي متوجهة لأزداد من رحمة الله وعفوه وغفرانه.
ومن بوابة مطار الدمام بدأ العد التنازلي للروح كي تصل إلى مبتغاها، وصلنا لمطار جدة موزعين على أربع رحلات بسبب بعض التغييرات؛ لذا كان لابد للفوج الأول الذي كنت معه أن ينتظر وصول البقية حتى يهرع بالخروج للميقات، ووزعنا على أربع حافلات وانطلقنا إلى ميقات قرن المنازل (بالطائف)، يالروحانية الانطلاق نتسابق كي نصل وجميعنا سيصل ولكن شعوري كان ممزوجاً بشئ من الفرح والقلق والرهبة ومشاعر كثيرة لا توصف. وما إن وصلنا إلى الميقات حتى أذن الفجر”الله أكبر الله أكبر” كبر المؤذن وكبرنا وهللنا حتى انتهينا من الأعمال سريعاً وأدينا فريضة الصلاة بكل سكينة وخشوع.
يا إلهي شيء ما يخالج صدري الذي تاق للوصول! إنها النعمة الإلهية والتوفيق .
وانطلقنا بعدها إلى مكة وسط تشديد أمني كبير ونقاط تفتيش كثيرة؛ الذي إن دل فإنما يدل على حرص المملكة على سلامة حجاج بيت الله الحرام.
دخلنا إلى حدود الحرم المكي عند الثامنة والنصف صباحاً كانت الشوارع خالية إلا من نقاط التفتيش ومركبات الأمن، بعد الوصول إلى النقطة الأخيرة رافقتنا إحدى سيارات الأمن الخاصة بالحجيج إلى أقرب نقطة للدخول إلى الحرم المكي، اتجهنا الى البيت العتيق إنه البيت.. كان الشعور لا يوصف كان قلبي يخفق بشدة ودموعي تتساقط كالمطر شعرت بقشعريرة يخالجها الخشوع والرهبة واللهفة، وفي طوابير منظمة مع أحد المرافقين لنا من الحرم المكي، وصلنا إلى المسار الخاص بنا وبدأنا الطواف، وبعد الانتهاء ذهبنا إلى أداء ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم ثم إلى المسعى، كانت تلك أسرع عمرة أديتها في عمري لم نستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة، انتهينا من أداء الأعمال وانطلقنا بعدها الى التقصير ثم عقدنا نية الإحرام إلى الحج.
عقدنا النية وبدأنا رحلة الحج العظيمة اللهم بارك لنا في حجتنا وارزقنا القبول واتمم علينا بخير. هكذا كنت أتحدث بيني وبين نفسي وكنت طوال الوقت أدعو لأهلي وزوجي وأولادي وأحبتي وإلى العالم أجمع بزوال الوباء وانكشاف الابتلاء.
انطلقنا بعدها إلى منى التي تحتضننا طوال فترة بقائنا لأداء فريضة الحج في هذا العام؛ الذي يحق أن نطلق عليه حجاً استثنائياً بامتياز فلم نعتد رؤية البيت الحرام خالياً في هذه الأيام المباركة، فالحمد لله الذي وفقنا واختارنا من بين خلقه و شكراً وطني الكبير الذي منحني فرصة حج هذا العام بلا خوف ولا تردد من هذا الوباء فكلنا في حرمه آمنون.