هواجس الصيّادين تسبق موسم الروبيان: البحر أمامكم.. ولا عمّال كافية وراءكم تأثيرات الجائحة والتحصين والقروض قد تؤثر في الأحجام والعرض والطلب والأسعار
القطيف: ليلى العوامي
قبل 7 أيام من انطلاق موسم الروبيان؛ يبدو المشهد ضبابياً. يتفحص الصيادون أفواه أسماك الهامور والشعري؛ يرون فيها بقايا روبيان، تنتابهم مشاعر متفائلة بموسم «طيب». لكنها سرعان ما تتبخر، حينما يتذكرون هواجس أخرى؛ قلة العمال، أسعار الوقود، يُضاف إليها القروض المترتبة عليهم، وتأثيرات الجائحة.
ففي 1 أغسطس يبدأ موسم صيد الروبيان، ويبدأ تطبيق الاحترازات التي لا تسمح بدخول الأسواق والمواقع العامة إلا بالتحصين.. فما الذي يؤثره ذلك في الموسم الوشيك..؟
المستهلكون، الذين خزن كثير منهم كميات كبيرة من الروبيان، من الموسم الماضي، يسألون: هل سنأكل هذه السنة «مجبوس روبيان»؟ وهي واحدة من أشهر الأكلات الشعبية في حواضر الخليج العربي.
بعد 6 أشهر من حظر صيد الروبيان، الذي بدء في الأول من فبراير الماضي، بهدف منحه فرصة التكاثر، إضافة إلى المحافظة على مخزونه الاستراتيجي، والحد من استنزافه بالصيد الجائر؛ يبدأ موسم الروبيان في الأول من أغسطس المقبل.
محافظة القطيف، التي تتأهب مئات القوارب للأبحار من فرضها، والذي يُعد سوقها أكبر الأسواق على مستوى المملكة والخليج العربي، تتحكم أمور عدة في وفرة الروبيان، أبرزها الأيدي العاملة، وقدرة القوارب على دخول البحر، والوقود أيضاً. وكان لجائحة كورونا أثراً كبيراً في ارتفاع الأسعار. الكل يترقب تباشير الموسم المقبل، للحكم على وفرته.
«صُبرة» تواصلت مع مجموعة من الصيادين، من مختلف الفرض، من الجبيل إلى الدمام، مروراً في القطيف، صفوى، تاروت ودارين، واستطلعت آراءهم حول الموسم المقبل.
رضا الفردان يستعرض الروبيان في الموسم الماضي.
قلة عرض وارتفاع طلب
رضا حسن الفردان، كبير الصيادين في محافظة القطيف، يبدو متفائلاً، متوقعاً أن يشهد الموسم المقبل «وفرة». لكنه سرعان ما يشير إلى شح العمالة الكافية لصيد الروبيان هذا العام، مقارنة في العام الماضي، بسبب وجودهم خارج المملكة، وعدم قدرتهم على العودة، في ظل تداعيات الجائحة.
يعتقد الفردان، أن الوقود لن يؤثر على الأسعار، لكن توقف القوارب هو من سيؤثر، وسيؤدي بدوره إلى قلة العرض في السوق، وارتفاع الطلب. وهذا ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، متمنياً فتح حركة الطيران، وعودة العمال قريباً، ليكون الوضع مثل العام الماضي؛ بل أفضل إن شاء الله.
عمالة عالقة وقوارب واقفة
عن توقعاته للموسم المقبل، يقول يوسف العالي (صياد، صفوى) «الأمور واضحة وضوح الشمس، إن لم ترجع العمالة سيكون الموسم ضعيفاً جداً، وسيؤدي إلى توقف عدد كبير من «اللنشات» الكبيرة و«الطرادات» الصغيرة، والتي لا يمكن تشغيلها من دون عمالة. فهم عالقون في بلدانهم، والموجود منهم لا يكفي لتشغيل «اللنشات» والقوارب، فنحو 70% منها ستبقى متوقفة، في حال عدم عودة العمال. وهذا الأمر سيؤدي إلى عدم توافر الروبيان بكميات كبيرة، بسبب نقص المراكب التي تورد الروبيان إلى الأسواق المحلية».
عن فرص وفرة الصيد أو قلته، يضيف «لا يمكن الجزم بذلك، بسبب عدم قيام أي صياد بتجربة صيد الروبيان، بسبب المنع قبل انطلاق الموسم، ولا يمكن لأحد أن يجزم بوفرة الصيد، أو قلته بتجربة قد يجريها فرد، أو جهة، وذلك يعود إلى أسباب عدة، إذ قد لا يوفق في الصيد حينها، وربما لم يوفق في مكان وجود الروبيان حينها، وأيضاً ذلك يتطلب خبرة في مواقع ووقت الصيد، والأدوات المستخدمة فيه».
يستدرك العالي «بحسب خبرتنا؛ فإن الروبيان متوافر في جميع المناطق؛ فالبحر لم يشهد عمليات صيد منذ 6 أشهر، بسبب توقف القوارب، أو أن الروبيان نزل إلى أعماق البحر، بسبب حرارة الأجواء. وهذا قد يساعد المراكب الكبيرة (اللنشات) في صيده، وهو في طريق الهجرة إلى المناطق المجاورة».
عوامل متعددة تتحكم في وفرة الروبيان بالأسواق.
المحروقات تشل الصيد
يرى أن الوقود سيؤثر على الأسعار، «ارتفاع أسعار المحروقات قد يمنع الصياد من تشغيل قاربه. وهذا سيؤثر سلباً على الصيادين، مادياً وجسدياً، وسيمتد أثرها إلى عائلة الصياد أيضاً. الأمر الذي سيوقفه إجباراً، حتى وإن رجعت العمالة، وإن وفق الصيادين أصحاب القوارب التي تعمل بالبنزين في بداية الموسم الذي نتمناه موسم خير للجميع، إلا انه سيتوقف حتماً في حال قلة الصيد».
وناشد يوسف العالي، باسم جميع الصيادين، الجهات الرسمية «النظر في وضعنا، وتقديم استثناءات لعودة الصيادين، فهذا مصدرنا الوحيد للكد على عيالنا، كما أن على غالبيتنا قروض للبنك الزراعي، فضلاً عن الالتزمات المالية مع جهات أخرى».
دلائل على الوفرة
يتوقع يوسف خليل النجار الخالدي (نوخذة وصياد، الجبيل)، موسماً «طيباً» للروبيان هذا العام، يقول «نتوقع أن يكون موسماً طيباً من حيث الوفرة والمخزون، فالعام الماضي كان طيباً ومميزاً، ونرجو من الله أن يكون الموسم المقبل مماثلاً، والمعطيات الجوية هذه الأيام تعطي مؤشرات مُبشرة إن شاء الله».
عن دلالات وفرة الصيد هذا العام، يضيف الخالدي «ليس هناك دلالات يُعتمد عليها بشكل حتمي؛ لكن نرى بعض الشواهد، كأن يأتي في القرقور (القفص الحديد) بعض الروبيان، وكذلك العثور على بعض «الدلخات»، وهي غبرة في قاع البحر تحدثها أسراب الروبيان أثناء انتقالها من موقع إلى آخر، وكذلك تلفظ بعض الأسماك الكبيرة، مثل الهامور والشعري، بقايا الروبيان من أفواهها عند صيدها، فعندما يطلع على ظهر السفينة يبدأ بإخراج أجزاء من محتوى معدته إلى الخارج. كل هذه الشواهد موجودة. وقد تكون مؤشراً على أن المخزون وفيراً، وقد لا تكون؛ ففي كثير من الأحيان يعطي الموسم الذي تسبقه أمطاراً مخزوناً جيداً».
نقص العمالة وغلاء الوقود أبرز مهددات نجاح الموسم.
جروح الصيادين: العمالة والوقود
يشير الخالدي إلى «جرح» الصيادين؛ العمالة، يقول «قلتها تهدد مهنة الصيد برمتها، وليس الموسم المقبل فقط، فبسبب النقص يتهاوى الصيادون واحداً تلو الآخر. وهذا قبل كورونا، والجائحة زادت الأمر سوءاً، إلى درجة أنها ستؤدي إلى منع 60٪ من قوارب الصيد في المنطقة الشرقية، من الإبحار، ومن يدخل إلى مرافئ الصيد في المنطقة؛ يشاهد ذلك جلياً وبوضوح».
ويلفت إلى تأثيرات أسعار الوقود على الصيد، خصوصاً البنزين الذي تعتمد عليه القوارب الصغيرة (الطرادات)، مشيراً إلى ارتفاع سعره إلى أرقام فلكية في الآونة الأخيرة، والتي ضجت بها وسائل التوصل الاجتماعي، وكانت حديث المجالس.
وتابع يوسف الخالدي، أن «سعر البنزين أصبح لا يمكن التعايش معه، خصوصاً للقوارب التي تستهلك كمية كبيرة في الرحلة الواحدة. وعملية صيد الروبيان تعتمد على سحب شبكة الصيد، وهي ثقيلة، مما يستدعي استهلاك وقود أكثر. وقيمة البنزين تستنزف الجزء الأكبر من مدخول الرحلة. علماً بأن الرحلة تحتاج إلى مصاريف أخرى، مثل الأكل وزيت المكينة والثلج وأشياء أخرى».
روبيان أقل
عيسى سعيد (دلال، في سوق القطيف)، يرى أن موسم الروبيان هذا العام سيتأثر بعدم وجود عمالة كافية، يقول «إن أكثر «اللنشات» مع الزوارق موجودة في المراسي من دون عمالة».
كما يتوقع سعيد، أن كميات الروبيان ستكون أقل من العام الماضي بكثير. فضلاً عن غلاء البنزين سيكون له تأثير على الموسم.
موسم مُبشر
بخلافه؛ يرى ناصر لحدان (صياد، دارين)، أن الموسم «مُبشر بالخير إن شاء الله»، مستدركاً أن «عدم وجود العمالة سيؤثر على الصيد – مع الأسف – فعمالة غالبية الصيادين في الخارج، بسبب الجائحة. وأصحاب القوارب الصغيرة (الطراريد) سيعانون بسبب ارتفاع أسعار الوقود، ما سيؤدي إلى ارتفاع الاسعار. والجميع تأثر بسبب الجائحة، ومهنة الصيد من ضمن المتأثرين».
أصعب موسم
من جانبه، توقع ناصر عبداللطيف الدحيم (صياد، دارين)، أن الموسم المقبل سيكون أقل من العام الماضي، بنسبة تراوح بين 45 إلى 50٪. كما يتوقع أن هذه السنة ستكون أصعب موسم مر على أصحاب المراكب والقوارب، بسبب أسعار الوقود «الغالية جداً».
يلفت الدحيم إلى أن العمالة «غير كافية منذ أربع سنوات، وهذا يؤثر على أصحاب القوارب الذين ليس لديهم عمالة كافية لمزاولة صيد الروبيان أو السمك؛ وأكثرهم يطالبون بزيادة العمال، إضافة إلى أن أكثر أصحاب القوارب عليهم قروض لبنك الزارعة والتنمية، وهم لا يستطيعون استخدامها، بسبب نقص العمالة».
ويقدر حجم تأثير الجائحة على الصيادين بـ85٪، مشيراً إلى أن بين فرضتي القطيف ودارين نحو 750 قارباً تمتهن صيد السمك والروبيان.
عبدالله آل سعيد.
هجرة الروبيان
عبدالله آل سعيد (صياد، صفوى)، أمضى 60 عاماً في الصيد، يلفت إلى هاجس آخر، يقول «سيقل صيد الروبيان هذا العام، بسبب هجرته قبل موسمه إلى المناطق الغزيرة، فهو يتكاثر في الخليج، ولكنه يهاجر إلى غيرنا».
ويرى أن موسم الروبيان من المفروض أن يبدأ قبل شهر أغسطس، «لكثرته حينها، ففي مثل هذا الوقت يبدأ الروبيان في الهجرة إلى الأماكن الغزيرة؛ إلى بحر عُمان، إيران، الكويت، قطر والإمارات، فبالتالي تقل كمياته، ويكون صعباً على الزوارق الصغيرة أن تصطاد الروبيان الكبير، ويبقى لها الأسود الصغير، ولن تتمكن منه إلا «التكات» (المراكب الفولاذية)، التي تستطيع أن تصل إلى أغزر أماكن الصيد».
وتمنى آل سعيد، أن يكون الصيد قبل شهر أغسطس، كما كان قبل 15 سنة، وحينها كانت أسعاره أرخص، لوفرته، إذ كان سعر الثلاجة يراوح بين 150 إلى 200 ريال.