أهمية الوعي التاريخي في المنبر الحسيني
الشيخ علي الفرج
يتنافس خطباء المنبر الحسيني، أعزّهم الله، في شهر محرم الحرام، وبخاصّة في العشرة الأولى منه، في طرح المسائل التي تخدم المجتمعات الموالية، فيطرحون العديد من الموضوعات الدينية والتاريخية والاجتماعية، وهم في ذلك يقدمون خدمة كبيرة من شأنها أن تنهض بفكر أبناء المجتمع ووعيهم، فهنيئًا لهم هذه الخدمة. واستكمالًا لهذا الدور، أحببت أن أشاركهم بقَدَرٍ في هذا الدور، وذلك بالحديث عن نقطتين حول الخطاب المنبري الحسيني في شهر محرم.
أهمية الوعي التاريخي بالواقعة:
يحيي المجتمع الموالي ذكرى محرم الحرام إحياءً لواقعة كربلاء التاريخية وما شهدته من أحداث مؤلمة، حيث تعدّ من أكثر الوقائع تأثيرًا في التاريخ الإسلامي. ونظرًا لمحورية هذه الحادثة يستنطق العديد من خطباء المنبر الحسيني أحداثها وما يرتبط بها، وقد يتوسعون بحيث يستنطقون أحداثًا تاريخية قريبة منها أو بعيدة عنها فيما من شأنه أن يخدم واقعنا الحالي ويحاولون أن يعالجوا – انطلاقًا منها – بعضًا من القضايا المعاصرة.
وقد يقتصر كثير من الخطباء على سرد وقائع هذه الحادثة وما يرتبط بها دون أن يقيّد نفسه بنوعٍ من التحليل أو الاستنطاق لتلكم الوقائع. وسواءً قيد الخطيب نفسه أم لم يقيدها، فإن استحضار الأحداث الكربلائية له حضوره الأساس في خطاب المنبر الحسيني. وما دام البحث التاريخي له حضوره المركزي في خطابنا المنبري العاشورائي، فمن المهم أن يلقى اهتمامًا بمستوى حضوره الطاغي والواسع في هذا الخطاب.
ونظرًا لهذه الأهمية، سارع كثير من أعلامنا الأجلّاء بتدوين الوقائع التاريخية وتوثيقها، ولعل من أبرز هذه المصادر كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (ت 413ﻫ)، رضوان الله تعالى عليه، حيث يعدّ كتابه من أقدم المصادر التاريخية الإمامية التي لا ينبغي لخطيب المنبر إغفالها أو ترك مراجعتها في سرد تلكم الوقائع الخاصّة بكل مناسبة. وبخاصّة أن كتاب الإرشاد يعد قريبًا زمنيًّا نسبيًّا من تلكم الوقائع.
ويوازي كتاب الإرشاد من حيث مستوى الأهمية العديد من المصادر التاريخية العامّة، من قبيل: تاريخ الطبري (ت 310ﻫ)، ومرآة الزمان لابن الجوزي (ت 597ﻫ)، ومقتل الحسين (ع) للخوارزمي (ت 568ﻫ)، وغيرها من المصادر. ونظرًا لأهمية هذه الحادثة التاريخية، ساهم بعض الباحثين في تدوين هذه السيرة من مصادرها التاريخية الأساس، ومن أبرز هذه الجهود ما قام به سماحة الشيخ محمد الريشهري الذي أفاد من الرجوع إلى أمهات المصادر التاريخية في ذكر تفاصيل هذه الحادثة المؤلمة، وذلك فيما أصدره موسّعًا في تسعة أجزاء بعنوان: «موسوعة الإمام الحسين (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ»، وبعد ذلك مختصرًا بعنوان: « المقتل الصحيح لسيد الشهداء (ع) وأصحابه».
وقد أوصت المرجعية العليا في النجف الأشرف بما ينسجم وأهمية هذه النقطة، إذ ورد في وصايا السيد السيستاني للخطباء قوله: «تجنّب القول بغير علم وبصيرة، فإنّ ذلك محرّم في الدين أيًّا كان مضمون القول، كما قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36]، وليس في حسن قصد المرء وسلامة غايته ما يبيح ذلك، كما لا يقيه من محاذير ذلك ومضاعفاته.
ولن يتأتى ذلك إلّا بتنمية المرء لعلمه فيما يتعلّق بمجال حديثه وسعة اطّلاعه وممارسته والالتفات إلى مواضع الوفاق والخلاف ومواطن الوثوق والشكّ والريبة والأخذ بالاحتياط في الأمور كلها. ومن جملة مقتضيات ذلك الاطلاع المناسب على التاريخ وحوادثه وظروف الوقائع وملابساتها وقيمة المصادر ودرجة اعتبارها»([1]).
مشاركة الجمهور للوعي التاريخي
ومن المهم أن يشرك الخطيب الجمهور معه في تنمية هذا الوعي، بحيث يبيّن له المصادر التاريخية التي اعتمدها في سرد الوقائع التي يذكرها في المحاضرة/ الخطبة، إما ببيان ذلك في مقدمة المحاضرة/ الخطبة، أو أثناء استعراضه للأحداث، من خلال الموازنة بين ما تذكره هذه المصادر، مثلًا. وذلك امتثالًا لوصايا مراجعنا العظام، وفي مقدّمتهم المرجع الديني الراحل السيد أبو القاسم الخوئي (ره) الذي حذّر في كتابه الصوم ص 141 – في بحث إبطال الصائم بالكذب على الله والرسول (ع) والأئمة (ع) – من نسبة بعض الأقوال أو الأحداث إلى رسول الله (ص) أو إلى أحد المعصومين (ع) دون الرجوع في ذلك إلى مصدر تاريخي أو روائي موثوق.
كما أنّ الجمهور عندما يعتاد من الخطيب ذكر المصادر التاريخية التي يرجع إليها، ويراه بين الفينة والأخرى يُرجِع إليها ويوازن بينها ويقارن، فإن هذا من شأنه رفع مستوى الوعي التاريخي لديه وإطلاعه على محتوى هذه المصادر وتقويمها، وهو ما ينسجم وهدف هذه المحاضرات في هذا الموسم المبارك.
———
([1]) توصيات المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلغين في شهر محرم الحرام 1438، 1440، 1441ﻫ، ص 22 – 23.