«ديكوباج» في محرم.. «سفرة الهواشم» و«زفة الشبان» تحرّك مبيعات الأسر المُنتجة فتيات يخلطن «المشموم» مع الشموع والمغناطيسيات في تصاميم حديثة
القطيف: شذى المرزوق
أساور، شموع، سلال توزيع، وصحون حلوى تحمل في وسطها المشموم الأخضر، تحضر في المآتم فيما يتعالى صوت حمزة الصغير، أو رادود من جيل اليوم مستنسخاً أداء الصغير، وهو يشدو بخالدته «يمّهْ ذِكْريني من تمر زفة شباب».
تنهمر دموع الحضور، تتعالى عبراتهم وتشنجاتهم، فكم لهذه القصيدة من حضور في وجدان رواد مآتم عاشوراء؟
في السنوات الأخيرة؛ ولدت على هامش المآتم المنتشرة في مدن محافظة القطيف وبلداتها وقراها «تجارة عاشوراء»، ودخلت على خطها الأسر المُنتجة، كنوع من التوزيعات أو الملبوسات التي تنشط بصفتها موسماً خاصاً للبيع.
بألوان متنوعة تدرجت المبيعات؛ بين الأخضر والأحمر والأبيض، بعضها مُزين بالذهب، تتمازج مع لون الحداد؛ الأسود. حيث تقام «سفرة الهواشم» أو «زفة الشباب»، خصوصاً ليلة الثامن من محرم، إضافة إلى الملابس السوداء.
تعمل ياسمين سعيد (تسكن حي المزروع في القطيف)، في بيع واعداد هذه التوزيعات العاشورائية منذ حوالى 16 سنة. تستعد في كل عام قبل بداية شهر محرم، لاستقبال الحجوزات على توزيعات الشموع التي تبيعها بمعدل ريال واحد لكل شمعة، مطبوعة بإحدى العبارات.
كما تبدأ ياسمين بخياطة السلال والصحون بالقماش الأخضر والذهبي. في السنوات الأخيرة؛ أضافت خدمة تجهيز السلة كاملة، والتي تشمل حفنة من الحلويات، وبخور اللبان الشعبي، والشموع وبعض من نبات المشموم، وفي كل 100 قطعة مُباعة تكسب 130 ريالاً.
مع الظروف الصحية التي مرت بها البلاد خلال الأشهر الماضية؛ قالت ياسمين «إن معدل البيع والشراء انخفض بشكل كبير، خصوصاً مع قرار منع إقامة المناسبات، سواءً دينية أو اجتماعية، ما يعني أنه حتى هذا الانتعاش في السوق هذا العام ليس بالشيء الكبير الذي قد يعوض خسائر سوق الأسر المنتجة التي امتهنت هذا النوع من المبيعات في موسم محرم».
هي تقر بأن الأسواق عموماً، رغم ضعف مبيعاتها الترفيهية، أو الكماليات، فهي تنشط في جوانب أخرى مختلفة، متناسبة مع الحدث العاشورائي خلال الأيام العشر الأولى من محرم، لافتة إلى توزيع المأكولات، المشروبات، الشموع، والملابس الخضراء الخاصة بالرضع، وكل ما يخص زفاف الشباب، ضمن الموروث في محافظة القطيف وبعض مناطق الخليج، مثل ماء الورد، بخور اللبان، نبات المشموم، والحلويات.
أضافت ساجدة الهاشم (من القديح)، المغناطيسات الورقية التي تحمل أذكار وآيات قرآنية باعتباره منتجاً جديداً إلى سوق محرم ومبيعاته التي تطورت في السنوات الأخيرة.
تعمل ساجدة في هذا المجال منذ 6 سنوات فقط، لكنها ترى أنها «سنوات التجديد في التوزيعات وتطوير المنتجات المُباعة خلال محرم، فمن أكواب عادية إلى أخرى مطبوعة تحمل اسم كربلاء، دلالة على الحدث، ويستخدمها البعض ذكرى طوال العام نفسه، إضافة إلى الأكياس الصغيرة التي تحمل شموعاً وشرائط مطبوعة، وأيضاً الصحون المطبوعة».
من ناحية الكُلف والتسعيرات؛ لا تمانع الهاشم أن تكون الأسعار «زهيدة جداً» مقارنة في مبيعات المطبوعات في سائر أيام السنة، وترى في ذلك «جانباً من الخدمة الحسينية التي تجلب البركة في الرزق، وأنها بمثابة الدعم للراغبين في إقامة مراسم العزاء».
مع ذلك؛ تقول إن «الإقبال ضعيف هذا العام»، لافتة إلى أنها ستعلن عن ما تقدمه من منتجات مرة أخرى، في حملة ترويجية تسويقية، لاستقطاب العملاء الذين أثرت عليهم جائحة كورونا، وتسببت في قلة المجالس».
تعتمد ميثاق آل شهاب (من أم الحمام)، أسلوب جذب العميل بطريقة الزيادة في عدد التوزيعات المطلوبة، فإن كان إجمالي ما يطلبه العميل 100 شمعة؛ تقوم هي بإضافة 5 أخرى «كسباً لثقة ورضا الزبون، إضافة إلى دعم المجالس الحسينية» على حد تعبيرها.
تعمل آل شهاب (29 عاماً)، على «الديكوباج» والخياطة منذ 10 سنوات، بدأتها منذ كانت طالبة. تقول «إن الخياطة مهنة عائلية، اكتسبت مهارتها وعرفت أساساتها من والدتي التي تعمل معي في موسم محرم».
وبابتسامة؛ تضيف «يغلب على والدتي طابع الخجل، فهي لا تعمل على ترويج ما تخيطه، رغم جمال وجودة عملها، وقد بدأنا بتكوين فريق متناغم في العمل معاً خلال شهر محرم، وأيام الناصفة من شهري شعبان ورمضان، حيث الإقبال الكبير على شراء المخيط من الملبوسات التراثية التي تحمل هوية وبصمة المناسبة. من هنا كانت البداية؛ حتى احترفت طباعة الديكوباج، وقمت بتطوير العمل ومواكبة المُستجدات».
تشير آل شهاب، إلى أن المرغوب من المنتجات الآن هو «المنتج الذي لا يكون استهلاكه لحظياً، بل يبقى مدة أطول، بما فيها الأكواب والمغناطيسيات التي تعلق على أبواب الثلاجة، أو قاعدات الأكواب، وحمالات المفاتيح، وكل ما يمكن الطباعة عليه بهوية عاشورائية مرغوب في الشراء».
وعن التجهيزات؛ تقول ميثاق «نستعد بشراء الأقمشة وعبوات من حبات الخرز، وأخرى من الأكواب والأدوات ومستلزمات الطباعة قبل حوالى شهرين من حلول محرم. ومن ثم تأتي مرحلة الخياطة، أو الطباعة، بحسب المطلوب، والعرض والإعلان، وبعدها مرحلة الحجوزات التي تبدأ كذلك قبل وأثناء محرم وحتى صفر».
وتشير إلى أن كُلف العمل برأس مال «مبتدئ» يجب ألا تتجاوز 3 آلاف ريال، حيث بالإمكان تحصيلها بسهولة، نظراً للإقبال الكبير على هذه المنتجات في محرم، بشرط الإعلان الجيد لها، وكذا طريقة العرض، لافتةً إلى أنها لا تحتاج إلى الكثير من الإعداد، كونها تعمل في حرفة الخياطة؛ فالأقمشة في غالب الأحوال متوافرة، وكذا حبات الخرز، أو الإضافات التجميلية إلى الملبوسات البناتية أو النسائية كذلك متوافرة.
عن تأثيرات أزمة كورونا؛ تقول ميثاق آل شهاب «في العام الماضي؛ بعت 4 شمعات بسبب توقف المجالس وعدم إقامة مجالس العزاء. وفي هذا العام استفتحت أول حجوزاتي بـ40 شمعة من الشخص ذاته الذي اشترى مني العام الماضي».
وعلقت على ذلك بالقول «قد يرى البعض من البائعات أنها «هضيمة ما تسوى الجهد» لبيع 4 شماعات فقط. ولكنني أرى أنني كسبت عميلاً؛ عاد بعد عام ليضاعف العدد أضعاف مضاعفة. وإن بدا العدد قليلاً؛ ولكن رضا العملاء هو المكسب الذي أراهن عليه».