[اليوم الوطني] “صُبرة” في سجن المباحث.. أبناؤنا بخير ويغنون “اللّيوَهْ” احتفالاً بيوم الوطن حفل بدأ بـ "سارعي للمجد" وانتهى بـ "عشقت الليل من شانك"

النزلاء رتّبوا ونفّذوا.. الإدارة تفرّجت.. والتصفيق لاحق "العرضة" و "الليوة"

الدمام: صُبرة

لا جديد في سجن مباحث المنطقة الشرقية، إلا الرقم 91، وتجدّد الدهشة. الشباب يهتفون بالوطن، وقيادته، وشعبه، وتاريخه، وحاضره، ومستقبله. وكما فعلوا سابقاً؛ فعلوا اليوم. جهّزوا المسرح، وصمموا الديكور والأزياء، وأعدّوا الفقرات، وقبل ذلك؛ كتبوا نصوص الشعر والكلمات، ووضعوا الألحان والسيناريوهات، ثم انشغلوا بالبروفات..

وحين جاء يوم العرض؛ أدّوا التحية من داخل السجن، على الوجه الأجمل اللائق بالوطن.

وفي الصالة الرياضية؛ اجتمع النزلاء والضباط ورجال الأمن والمدعوون بثياب متشابهة معاً، وحضروا حفلاً بدأ بـ “سارعي للمجد والعلياء”، وانتهى بـ “عشقت اللي من شانك”.. وما بين النشيد الوطني وأغنية طلال مدّاح؛ مرّت 8 فقرات؛ قبل تقطيع كعكات الحفل على الطاولات.

الفقرة الأخيرة أغاني مفتوحة

المناسبة سنوية، وقد اعتادت إدارة السجن دعوة شخصيات وإعلاميين لمشاهدتها، وقبل الحفل تصحب المدعوين في جولة داخل أجنحة السجن، وبالذات برنامج إدارة الوقت. وقد بدأت الجولة اليوم بقسم “الخلوة الشرعية” الذي لا يتوقف نشاطه. في السجن قرابة 30 غرفة خاصة، بينها أجنحة صغيرة. والقسم يستضيف زوجات النزلاء لمرة واحدة كل شهر. ومتوسط إشغال القسم يصل إلى 20 غرفة يومياً. ومدة مكوث الزوجات تُراوح بين 3 ساعات و12 ساعة.

الليوه.. من أهازيج تراث الساحل الشرقي السعودي

العرضة.. تراث المجتمع السعودي الأصيل

إدارة الوقت

وطنك هو وطنك.. سواء كنت حرّاً، أم نزيل سجن في قضية جنائية أو أمنية. ومن حقك أن تحتفل بيومه أيّاً كان موقعك. وهذا ما يحدث في سجن المباحث سنوياً؛ وبالذات في برنامج “إدارة الوقت” الذي يلتحق به النزلاء ذوو حسن السيرة والسلوك، والمحكومون في قضايا أمنية لا تزيد مدة محكومياتها على 25 سنة، ولا تتضمن التورط في الدم. نُزلاء “إدارة الوقت” يتمتعون بامتيازات كثيرة.

يُقيم النزلاء في غرف خماسية الأسرة، ذات منطقة تشميس مفتوحة طيلة الوقت، ومزودة بتلفزيونات ودورات مياه خاصة. وكلّ منها متصل ببهو واسع يؤدي إلى بقالة ومكتبة وأقسام لممارسة الأنشطة والهوايات. بإمكان النزلاء الرسم والنحت والقراءة والرياضة والخياطة والتطريز، وعزف الموسيقى، والإنتاج الإعلامي المكتوب والمرئي والمسموع، بما في ذلك التصوير والمونتاج والدوبلاج والتصميم.

برنامج “إدارة الوقت” نموذج مصغّر للعالم خارج السجن. كلّ نزيل يمارس ما يمكن أن يمارسه كما لو كان خارج الأسوار. وكما قال مساعد مدير السجن للمدعوين في جولة اليوم؛ فإن الإدارة ليس لها أي دور سوى توفير الخامات والأدوات والاحتياجات، ثم “التفرُّج” ومراعاة الأمور الأمنية. لكنّ كلّ شيء بأيدي النزلاء الذين تحوّلوا إلى خطوط إنتاج. وحسب مساعد مدير السجن؛ فإن المخطط له هو تعميم تجربة منصّة إلكترونية مفتوحة لعرض منتجات النزلاء للبيع، بعد نجاح إطلاقها في سجن الحائر.

شاعر من النزلاء ألقى قصيدة وطنية شعبية

سجون المباحث

في المملكة هناك 5 سجون مركزية تابعة لأمن الدولة، يُقيم فيها أكثر من 5500 نزيل. وفي سجن المنطقة الشرقية قرابة 1100 نزيل، بينهم 30 أمرأة في قسم خاص ومنفصل ومستقل تماماً. ينزلون على قسم يتفرّغ إلى غرف مزودة بأدوات ترفيه. ويتبع القسم مقهى فيه رف كتب تصطفّ فيه كتب فرجينيا وولف وجون سارتر وروايات عالمية..!

القسم الورديّ له وضع خاص جداً. النزيلات يخدمن أنفسهنّ بأنفسهنّ في الغسيل والترتيب، فضلاً عن ممارسة الهوايات الخاصة. وتناوب لديهنّ طبيبة نساء وممرضة، ضمن خدمات “مستشفى الأمن المركزي” الواقع داخل السجن، ويعمل فيه 30 طبيباً، وتعمل فيه عيادات متخصصة، بينها 3 عيادات أسنان، ووحدة غسيل كلى.

وفي المستشفى قسم لمكافحة العدوى، ومع ظهور جائحة كورونا؛ نشط القسم أكثر، وحين بدأ برنامج التحصين؛ حصل 99% على التطعيم لجرعتين، لكن 40 من النزلاء تحفظوا على التعطيم؛ فلم يُجبَروا عليه. فضلاً عن التدابير الاحترازية الصارمة التي أمّنت كافة مرافق السجن بشكل شامل.

مهن ومهن

عبر المدعوون جولة شاملة لأهم محطات برنامج “إدارة الوقت” في السجن، حيث تعمل الإدارة على استيعاب الاهتمامات وتفعيلها ضمن برامج الرعاية. في قسم الخياطة؛ التقينا شابّين اثنين “علي” و “حسين”، وكلاهما والده خياط، وهما يطوّران مهاراتهما مع زملائهم الآخرين. في هذا القسم يُنتج كل شيء من منسوجات السجن، من الألبسة إلى الكمامات. وقبيل اليوم الوطني؛ أنهى الزملاء في قسم الخياطة إعداد 500 علم، لتعليقها في شوارع القطيف. حدث ذلك في الأعوام السابقة، كما في هذا العام. وهو ما يعني أن عدداً كبيراً من الأعلام الوطني المعلّقة في أعمدة الإنارة آتية من سجن مباحث الدمام.

قسم الخياطة واحد من مهن أخرى في البرنامج. هناك الحلاقون، النجارون، المصورون، المصممون، يستقيظون في الـ 8 صباحاً، ويعملون 4 ساعات، قبل أن يُكملوا بقية يومهم في أنشطة أخرى، ضمن مجتمعهم الصغير.

إدارة كل شيء

وحين وصل المدعوون إلى موقع حفل اليوم الوطني؛ كان فريق آخر من النزلاء جاهزاً لإدارة كلّ شيء. حتى مقدم الحفل إعلامي في قناة فضائية، وهو من النزلاء. تحدّث بعد فقرة النشيد الوطني، وقدّم الفقرات بفصاحة وثبات ووجهٍ بشوش.

كلمة النزلاء قدّمها النزيل “مشعل، ع”. وأُلقيتْ قصيدتان شعبيتان لـ “رضا، ر”، و “محمد، ش”. ثم جاءت العرضة السعودية، وموجات رقصتها بأردان المشاركين “نحمد الله جتْ على ما انْتِمنّى”. تلا ذلك تقرير متلفز “محصنون”، راصداً ما حدث في جائحة كورونا، والدور الكبير الذي قدمه الوطن لأبنائه والمقيمين فيه.

كوفيد التاسع عشر

مسرحية صامتة؛ حضرها كوورنا، وشارك فيها قرابة 20 نزيلاً؛ دون أن ينطق أيٌّ منهم بكلمة واحدة. الفيروسات، والاحترازات، تحولت إلى شخوص بشرية ترمز إلى واقع الجائحة. المحترزون والمهملون، شخوص أيضاً، والمعالجون، وفي النهاية ينتصر الشفاء على الإصابة.

عمل مبدعٌ بمعنى الكلمة أبدع إخراجه “علي، د” الذي أخرج أيضاً فيلماً وثائقاً عُرض في الحفل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×