الوطن: لغةً وعقيدة.. ولاء المواطن.. ورقيّ الدولة
الدكتور أحمد فتح الله*
مفردة الوطن مفردة عميقة وذات أبعاد مختلفة ومترادفات متعددة كلها تحتاج تفكيكًا حتى نعي المفهوم وسيرته في تاريخها، ولكن السطور التالية تحمل موجزًا أو مقدمة للمقاربة اللغوية المستحقة لها.
وَطَنَ بالمكان يَطِنُ و أوطن. والموطن: المكان يحلُّ فيه الإنسان ويقيم. نقول هذا (البلد) موطني. ويقال “الموطن” للمكان الذي تقع فيه بعض الأحداث، كموطن الحرب لمكان الحرب، ويجمع مَوطن على مَواطِن. ومنه قوله تعالى: {لقد نصركم اللهُ في مَواطن كثيرة}،
(التوبة:35)،
فمَواطن الحرب مقاماتها ومشاهدها. (معجم ألفاظ القرآن الكريم).
وَطَن: (country)، (home(land
الوطن في اللغة هو: المنزل تقيم فيه، وهو موطن الإنسان، ومحله يقال: أوطن فلان أرض كذا، وكذا أي اتخذها محلاً ومسكنًا يقيم فيه (لسان العرب)، ومنزل الإقامة من الإنسان، ومحله وجمعها أوطان (تاج العروس).
أمَّا في الاصطلاح، لا يبتعد استعمالها كثيرًا عن المعنى اللغوي. ففي (معجم المصطلحات السياسية الدولية) “الوطن هو البلد الذي تسكنه أمة يشعر المرء بارتباطه بها، وانتهائه إليها”. وفي الزمان المعاصر، تم تفعيل هذا الارتباط بالحصول على “الجنسية”، أو “رابطة الجنسية”، وأصبحت هي “الهوية” التي تميزه في العالم السياسي اليوم.
مُوَاطِن
أمَّا “مُوَاطِن” (citizen)، بضم الميم وكسر الطاء، ومؤنثه “مُوَاطِنَة” فتعني الفرد المقيم في المكان (المَوْطِن)، والجمع “مُوَاطِنُون” و”مُوَاطِنَات”، ومن هذا تأتي مُوَاطَنَة (citizenship).
مُوَاطَنَة
“مُوَاطَنَة“، بفتح الطاء، فهي: “اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن” (الموسوعة العربية العالمية، 1996م، ص 311)، وفي عرف علم الاجتماع هي مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الفرد (المُواطن) “الولاء”، وتتولى الدولة “الوطن” الحماية، ويرعى (يحمي) هذه العلاقة القانون”.
(قاموس علم الإجتماع، محمد عاطف غيث، 1995م، ص 56).
ومفردة “انتماء“، وكذلك، “علاقة” فيهما بُعْدٌ نفسيٌّ وجدانيّ، ولذلك ينظر إليها البعض، على سبيل المثال فتحي هلال وآخرون، من منظور نفسي بأنها “الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية“،
(تنمية المواطنة لدى طلبة المرحلة الثانوية بدولة الكويت، 2000م، ص 25).
وبناءً على هذه المقاربات، يعرفها (معجم المصطلحات السياسية) بأنها تعني “أن كل المواطنين في المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات، وتعتمد المواطنة على المساواة والحرية والمشاركة والمسئولية الإجتماعية) كل الناس فوق تراب الوطن سواسية دون أي تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي.
(معهد البحرين للتنمية السياسية، 2014).
وَطَنِيَّة (patriotism)
تختلف تعريفات “الوطنية” باختلاف المناهج الفكرية، لذا تراوحت بين كونها “عقيدة” يُوَالى بِها ويُعَادى، وكونها عاطفة (وجدانية) بعيدة عن التوجه الديني، والبعض يدرجها داخل إطار العقيدة الإسلامية،
(مجموعة الرسائل، حسن البنا، ص 26).
ولكن تُعَرِّفُها (الموسوعة العربية العالمية) بأنها “تعبير قويم يعني حب الفرد وإخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن. ويوحي هذا المصطلح بالتوحد مع الأمة” (1996م، ص 110).
كما تُعْرف بأنها “الشعور الجمعي الذي يربط بين أبناء الجماعة ويملأ قلوبهم بحب الوطن والجماعة، والاستعداد لبذل أقصى الجهد في سبيل بنائهما، والاستعداد للموت دفاعًا عنهما” (المصدر نفسه).
ويقول الأصمعي عن حب الوطن: “سمعت أعرابيًّا يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل، فانظر كيف تحننه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه”. وفي مكان آخر يقول: “ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات، الإبل تحن إلى أوطانها، وإن كان عهدها بها بعيدًا، والطير إلى وكره، وإن كان موضعه مجدبًا، والإنسان إلى وطنه، وإن كان غيره أكثر نفعًا”.
(مفهوم الوطنية في ضوء الكتاب المبين والسنة النبوية، عبد الرحمن قصاص، ص 16).
مختصر الكلام
الوطن ليس مجرد مكان، بل المكان الذي يربط الجغرافيا بالتاريخ، والأرض بالفضاء، والفعل بالمعنى، واللغة بالعقيدة. كلمة وطن من الكلمات العميقة التي تهتز لها أبدان من يعيها بمجرد نطقها أو سماعها. يقابلها في اللغة الإنجليزية كلمة Home التي تترجم حرفياً إلى “بيت” (مسكن، سكن)، للإشارة إلى دفء المكان، وشدة تعلق الشخص بالذكريات والرابط الأسري، وأقرب كلمة في اللغة العربية تماثلها هي “دار”، وديَّار”، وقد جاءت في القرآن الكريم بإشارة مهمة بأن خسارة الوطن عظيمة، والقتال لأجله، هو قتال في سبيل الله، كما في قوله تعالى: {قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا} (البقرة: 256)، فمن أسباب الفداء الإخراج من الوطن (الأم)، أو الخروج قهرًا وظلمًا، فالديَّار (الوطن) شعور لا يفهمه إلا من تَغَرَّب، فنراه يبكى حنينًا إليه، ويبكي عندما يعود إليه ويُقُبِّلُ ترابه ممرغًا روحه برائحته!
فالوطن طاقة تدفع للحب والفداء وللتفاؤل والعمل والانتاج رغم كل المآخذ والنواقص والرغبة في الكمال، وبهذا تشترك مفردة الوطن مع مفردة “الأم“، لذا يقال “الوطن الأم“، فهل يتخلى عاقل عن أمه لأي عيب فيها؟، إن كان عيبًا بالفعل، وإلا الأوهام كثيرة والطموحات أكبر من حامليها، ومن يطلب الكمال يسعى إلى تحقيقه، إن كان يفهم حقيقة “حب الوطن“.
*أستاذ اللسانيات التطبيقية في جامعة الملك فيصل سابقاً، باحث في اللغة والتاريخ.
ويعرفها معجم المصطلحات السياسية بانها تعني (ان كل المواطنين في المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات وتعتمد المواطنة على المساواة والحرية والمشاركة والمسؤولية الاجتماعية فكل الناس فوق تراب الوطن متساوية دون اي تمييز بسبب الدين او الجنس او اللون او المستوى الاقتصادي او الانتماء السياسي )
هذا لي الموضوع فاذا فقدت هذه المساواة بسبب التصرف العمدي للسلطة الحاكمة فهل يعود للوطن حقوق على من ضيعت حقوقهم
نعم يبقى للوطن حق وهو ازالة الظلم وارجاع الحقوق الى محلها