بعد تكرارهما في الخليج والبحر الأحمر.. «الشاهقة» و«العاصوف» تحت المجهر ظاهرة مناخية تسبب خسائر في الأرواح والممتلكات قد تكون «خطرة جداً»
القطيف: صُبرة
قبل 3 سنوات؛ عرضت شاشة MBC مسلسلها الشهير «العاصوف»، من بطولة الفنان ناصر القصبي. تناول المسلسل درامياً؛ أحداثاً وتحولات شهدها المجتمع السعودي خلال سبعينيات القرن الماضي، منها الطفرة المالية، وما اصطلح عليه بـ«الصحوة»، وما رافقهما من تحولات بنيوية في المجتمع السعودي، وشهد في جزئيه تفاعلاً كبيراً وجدلاً واسعاً.
بعيداً عن المسلسل؛ ماذا تعني كلمة «عاصوف»؟
هي ظاهرة مناخية، تحدث بسبب «محاولة تمازج وسطين مختلفين؛ هواء بارد مع دافئ، فتحدث زوبعة»، هكذا عرفها عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك الدكتور خالد الزعاق، الذي أشار في تغريدات سابقة، إلى أنها تسمى «عاصوفاً» في حال حدثت في البر، أما إذا حدثت في البحر؛ فتسمى «شاهقة مائية».
للظاهرة المناخية تسميات أخرى، منها «التوريندو»، «عمود الماء»، «شيطان الثلج» أو «شيطان الجليد»، إذا حصلت في الأماكن الجليدية، ومنها كندا.
شاهقة مائية تم تصويرها بالقرب من فلوريدا في يوليو 2013.
ظاهرة تتكرر
خلال السنوات الخمس الماضية؛ شهدت سواحل المملكة على البحر الأحمر، وبدرجة أقل الخليج العربي، تكرار حدوث «الشاهقة المائية»، كانت محدودة التأثير. كما يتكرر حدوثها في عُمان وقطر.
وتُعد هذه الظاهرة نادرة الحدوث في المسطحات الضيقة، ويُرجح أن لظهورها المتكرر علاقة بنشاط ظاهرة «النينيو»، ووفرة العوامل المثالية لبناء سحب شاهقة البناء.
وتستغرق «الشاهقة» عادة فترة تصل إلى 20 دقيقة، ويبلغ قطرها حوالى 20 متراً، تسير عادة بسرعة تراوح بين 15 إلى 25 كيلومتراً في الساعة، وقد تتجاوز سرعة الرياح 95 كيلومتراً في ساعة.
ويكثر وقوع هذه الظاهرة خلال فصل الصيف في المياه الدافئة شبه الاستوائية. وتسبب حدوثها في خسائر كبيرة في أماكن أخرى، منها فلوريدا الأميركية، والاسكندرية المصرية، التي تشهد وقوعها بشكل متكرر، مصحوبة بأمطار غزيرة ورياحاً نشطة جداً، تسببت في إغراق قوارب، وانقطاع التيار الكهربائي، ودماراً جزئياً وكلياً للمنازل.
وقد توثر على الطيران والشحن الجوي والشحن البحري، حيث يتسبب الاحتكاك والاصطدام في أضرار اقتصادية كبيرة. وسجلت عدة حوادث، منها تحطم طائرة هليكوبتر تقل 18 راكباً يوم 28 فبراير 2002، نتيجة ارتطامها بعمود ماء.
أيمن غلام.
«الأرصاد» يدرس «الشواهق»
تكرار وقوع «الشواهق المائية»؛ دفع المركز الوطني للأرصاد إلى البدء في عمل دراسة مناخية حول تكرار هذه الظاهرة.
إذ اعتمد الرئيس التنفيذي للمركز الدكتور أيمن غلام، أمس (السبت)، البدء في دارسة تكرار ظاهرة «الشاهقة المائية»، وذلك من قبل الإدارات المختصة في المركز.
وقال غلام، «إن مهام المركز هو استشعار الظواهر الجوية التي تؤثر على المملكة، وتدوينها ومراقبة المستجدات فيها، خاصة النادرة منها»، مبيناً أن الهدف من دراسة مثل هذه الظواهر وتسجيلها مناخياً «لتكون مرجعية يتم متابعة تشكلها في السنوات المقبلة».
وعدّ «الشاهقة المائية» من الظواهر التي تكررت خلال السنوات الخمس الماضية في بعض مناطق المملكة، منها جدة وينبع وجازان، ما يقود للاهتمام بها وبدراستها علمياً، والنظر في المخرجات المحتملة عن سبب تكرراها وتضمينها كظاهرة جوية محتملة في السنوات المقبلة، وإدراجها في السجلات المناخية للمركز.
شاهقة أخرى حدثت بالقرب من شواطئ الأسكندرية قبل سنوات.
وتتكون «الشاهقة المائية» عندما يمر الهواء البارد فوق المياه الدافئة، فيتكون عمود دوَّار من هواء وضباب مشبعين بالماء. وهي مشابهة للإعصار، ولكن الماء هو الذي يرتفع عالياً. وهي خطرة تماماً كالإعصار، حيث يسحب الماء الى الأعلى ليتحول الى غيوم وسحب. وتنتشر هذه الظاهرة في البحار، خصوصاً في المحيط الأطلسي.
قد تتسبب «الشاهقة» في سحب ماء بحيرة أو ماء البحر إلى أعلى حتى قاعدة العمود الدوَّار. وتسبب بعض الأعمدة المائية رياحاً شديدة، قد تصيب السفن بأضرار. وبعضها الآخر لا يضرُّ. وتتسب «الشاهقة المائية» في حدوث أمطار غزيرة. وتحدث «الشاهقة» عادة مع السحب الرعدية التي تكون قاعدتها قريبة من سطح الأرض.
زياد الجهني.
«السوبر سيل»
وفسَّر محلل الطقس، الباحث في الظواهر المناخية زياد الجهني، في وقت سابق، «الشاهقة» بأنها «ظاهرة جوية تحدث نتيجة قوة بناء السحب، أو ما يسمى بسحب «السوبر سيل». قال «تحصل هذه الظاهرة نتيجة زيادة قوة عملية التبادل للرياح داخل السحابة العملاقة، فالسحابة تسبب رياحاً صاعدة رطبة ودافئة، غالباً تكون في مركز السحابة، ورياح هابطة باردة من قمة السحابة، وغالباً ما تكون في أطراف السحابة، وهي التي تثير الغبار والأتربة».
وأبان أنه حين تشتد عملية الصعود والهبوط بشكل كبير، نتيجة الفروقات الحرارية بين السطح والعلو، تبدأ الرياح الباردة في الهبوط بشكل دوراني عنيف، وتكون الرياح الرطبة الصاعدة في مركز هذه الرياح الهابطة، وبذلك تتشكل الشاهقة المائية (التورنيدو). وتحتاج هذه الشاهقة لكي تتكون أن تكون المياه دافئة، أي أعلى من 26 درجة مئوية.
ولفت الجهني، إلى أن تأثير «الشاهقة» غالباً ما يقتصر داخل المياه، لأنَّها بمجرد أن تقترب من اليابسة تبدأ بالضعف والتفكك، ويقتصر خطرها على القوارب والسفن الصغيرة.