[سيرة طالب 3] في حضرة السيّد العارف
الشيخ علي الفرج
المرجع السيد عبد الأعلى السّبزواري (1329هـ- 1414هـ) من الفقهاء البارزين في مذهب الإمامية، صنّف كتبًا منوّعة، منها:
– مهذّب الأحكام في بيان الحلال والحرام (30 جزءًا).
يعتبر من أكبر الموسوعات الفقهية الاستدلالية.
– مواهب الرحمن في تفسير القرآن (14 جزءًا).
يحوي هذا التفسير الكثير من المعارف والعلوم الإسلامية ويعتبر من أهم تفاسير الشيعة.
– تهذيب الأصول (مجلّدان) في علم أصول الفقه، يتميّز بالاختصار والتهذيب، وقد دُرِّس هذا الكتاب عدّة مرّات في الحوزات.
الصّمت عنوانه
والسيّد السبزواري من الفقهاء الذين ساروا في طريق السير والسلوك، حتى عدّ واحدًا من العرفاء البارزين، وتجلّى أبرز أثر واضح للعيان على شخصيته في صمته مع الناس، فكان لا يتكلم إلّا في حال الضرورة القصوى.
وفزنا بالصلاة خلفه في أحد مساجد حي الحويش القريب من حرم أمير المؤمنين (ع) عدّة مرّات، ولم نكن نسمعه إلا في أذكار الصلاة عندما نكون في الصفوف القريبة منه.
بروتوكل الزيارة
وشخصية عالم يترقّى في سيره نحو الحقّ المطلق، لا بُدّ أن تهفوَ إليه النفوس وتحرص على التشرّف بزيارته مرّات ومرّات؛ لتكحّل نواظرها بطلعته المهيبة وتنال شرف وبركات دعواته بقضاء حوائجها على يديه، وهذا ما كان منّا؛ إذ تشرّفنا بزيارته عدة مرّات فترة إقامتنا في النجف.
فكان الزوّار يدخلون المجلس العام أولاً ليجدوا من أبنائه حفاوة الاستقبال وفائق التقدير والاحترام، ثم بعد ذلك يستأذنون من السيّد العارف الذي يكون عادة جالساً في غرفة خاصة، فإن أذن لهم فتحوا المجال للقائه، ليرى الزائر هالة النور التي تغشى وجه الفقيه الرباني، وصورة مصغّرة من هيبة الإمام المعصوم وجلاله، ليأخذ بيده الشريفة مصافحاً ومقبّلاً، ثم يتراجع الزائر مباشرة إلى حيث مكانه في المجلس العام.
وفي المجلس العام تنشرح صدور الزائرين أكثر بالاجتماع مع أبنائه، ومن أبرزهم النجل الأكبر (السيّد محمد السبزواري) الذي اقتدى بأبيه المرجع في سيره وسلوكه العرفاني، وكان يعدّ من رجال الدين وأساتذة الحوزة في النجف الأشرف، يتولّى تدريس مرحلة السّطوح العالية، ثم شدّ الرّحال إلى إيران، وهناك بدأ تدريس البحث الخارج، حتى كان على موعد مع القضاء الذي لا يُردّ ولا يؤخّر، ففارقت روحه الحياة الفانية في شهر ذي القعدة 1414هـ إثر حادث سير أليم وقع له بين قم وطهران.
قصص ومواعظ
ومما كان يدور من أحاديث في المجلس العام، ما كان ينقله لنا الابن الأكبر من مواعظ أبيه وقصصه الغريبة، حقا هي غريبة، وهنا أنقل لكم ثلاث قصص، أنقلها راوياً كما سمعتها، بغضّ النظر عن اعتقادي بصحة حدوثها أو مجانبتها للحقيقة، وليس في ذلك حرج.
الخادم وسورة الحشر!
في أيام دراسة السيّد عبد الأعلى السبزواري في النجف كان يذهب إلى مدرسة اليزدي كلّ يوم للدراسة، ويرى في كلّ مرّة يدخل الحوزة الخادم المسؤول عنها يقرأ سورة الحشر عن ظهر قلب، مع أنّه أمي لا يقرأ ولا يكتب.
ذات مرّة أراد السيّد إشباع فضوله عن حال هذا الخادم، فسأله عن سبب حفظ هذه السورة بالخصوص!.
فأجابه الخادم:
سأخبرك عن سبب حفظ هذه السورة؟!
فالقصة العجيبة هي أننا في يوم من الأيام عزمنا أن نذهب من النجف إلى كربلاء؛ لزيارة الإمام الحسين (ع)، ولما وصلنا إلى شطّ نهر الفرات، كنّا بحاجة ماسّة إلى قارب ينقلنا إلى الضفّة الأخرى من النهر، فانتظرنا طويلاً لعدم توفر القارب. وفجأة وجدنا قارباً جاهزاً يُقلّنا إلى حيث نريد بدون أجرة مقابلة.
سلّمت على صاحب القارب، وبعد الرد عليَّ مباشرة سمعته يقرأ بداية سورة الحشر، وأنا أستمع جيّداً للآيات الشريفة، فوصلنا إلى الضفّة الأخرى من الشّط بنهاية تلاوة الآية الأخيرة من سورة الحشر.
وغاب الرجل عن عيني وذهب بقاربه فتأسّفت؛ لأنه ذهب من دون أن أسأله عن اسمه ونسبه وبلده، فبدأت أقرأ سورة الحشر من ذاكرتي أوتوماتكيا؛ فتعجبت لحفظي هذه السورة لأنّي أمي لا أقرأ ولا أكتب، ولست قادرًا على حفظ سورة أخرى، سواء أكانت سورة طويلة أو قصيرة؛ لضعف ذاكرتي مع هرمي، فالتزمت قراءة السّورة في كلّ يوم من حياتي.
مَلَكٌ في صورة إنسان!
وحدّثنا أيضاً نجل السيّد الأكبر، قائلاً:
جاء أحد طلاب العلم لزيارة أبي السيّد المرجع وهو من روّاد مجلسه، فسلّم عليه وهنأ والدي بسلامة وصوله من الحج قائلاً:
الحمد لله على وصولك من الحج هذه السنة، وإن شاء الله تعب مأجور.
فقال والدي:
لم أذهب إلى الحج هذه السنة، وللأسف.
فقال طالب العلم:
سبحان الله، أنا رأيتك في مكة في موسم الحج، وصافحتك، فهل يعقل أنه شخص يشبهك تمام الخلقة والهيئة.
فقال والدي:
من المحتمل أنّ الذي رأيته في الحج هو أنا؛ لأنّ الله يرسل ملكاً في موسم الحج يحج بدلاً من شخص غير قادر أن يحج هذه السنة، وهو في الوقت نفسه كان مشتاقاً لأن يكون ضمن فوج حجاج السنة الحالية.
نحن نأتي لزيارتكم!
وفي مناسبة ثالثة صرّح لنا والدي أنّه كان يزور مرّات عديدة أحد المؤمنين من عوام الناس في أطراف النجف الأشرف؛ لأنّ هذا المؤمن كان ممن حظي بلقاء صاحب الزمان (ع)، ولا يرضى أن نسمّيه أو نعيّن بيته للناس، فلا يعرف هذه الفيوضات إلا القليل جدًّا من الناس.
——-
* المقالات المنشورة في صُبرة لا تعبّر ـ بالضرورة ـ عن وجهة نظرها.