عبدالله الشماسي.. النزيه الذي أحبّ سيهات ووضع قواعد تطويرها على «قاري» تجول ورسم تنمية عنك.. فكرمته بإطلاق اسمه على حي "الشماسية"
على «قاري» (عربة)، يجره حمار؛ تنقل بين أحياء الديرة، الطابوق (العمال)، المنتزه، النقا والخصاب، ومنها يوجه حماره صوب عنك، التي كانت حينها تتبع لبلدية سيهات.
طوال ساعات دوامه الرسمي وما بعدها، لم يكن يكلّ أو يملّ عن متابعة كل صغيرة وكبيرة في الشؤون الخدمية في نطاق خدمات البلدية، ذات الإمكانات المحدودة حينها، والتي تولى رئاسة بلديتها قبل 40 عاماً، وحتى عام 1970.
بعد أكثر من نصف قرن؛ فإن في كل حي من أحياء هذه المدينة وأيضاً جارتها عنك، بصمة خلفها عبدالله سلمان عبدالله الشماسي، بما فيها الأحياء التي أُنشئت بعد ترجله عن رئاسة البلدية، والتي تولاها بتوصية من أمير المنطقة الشرقية حينها الأمير سعود بن جلوي.
منتزه سيهات العام؛ أبرز إنجازاته وأشهرها، إذ كان له فضل كبير في إنشائه، وحماية أرضه من التحول إلى أملاك خاصة، بعون ودعم من رجالات سيهات.
في ملف سابق؛ عرضت «صُبرة» قصة منتزه سيهات. هنا؛ تقدم الزميلة شذى المرزوق، للقراء بعضاً من سيرة من وقف خلف ولادته.
سيهات: شذى المرزوق
من التجارة إلى البلدية
مهدي الفرج، نشأ صغيراً في كنف خاله عبدالله الشماسي، بعد وفاة والده محمد حسين الفرج، يصفه «كان خالي رجلاً مثقفاً عصامياً بنى نفسه بنفسه، واجتهد في عمله بإخلاص، مؤدياً هذا العمل بكل أمانة، ذا شخصية قوية لا يثنيها أمر عن اتخاذ القرار الذي يراه صائباً».
يشير الفرج، إلى أن خاله كان في سنوات شبابه موظفاً في الجمارك، مضيفاً «لم أكن جئت بعد إلى هذه الدنيا، ثم دخل عالم التجارة، من بوابة محل ملابس جاهزة. وكنت يومها طفلاً لا يتجاوز الخامسة، كما أخبرتني والدتي. وبعد سنواتٍ؛ عندما رأت الدولة الحاجة لتأسيسِ بلديةٍ في سيهاتَ؛ أوصى أمير المنطقة الشرقية حينها؛ سمو الأمير سعود بن جلوي (رحمه الله)، لدى مقام صاحب الجلالة المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، باسم عبدالله بن سلمان بن علي الشماسي، لرئاسة البلدية».
إن كانت التواريخ التي يقدمها الفرج وبقية المتحدثين في هذا التقرير، حول سنوات عمل الشماسي في البلدية دقيقة، فإن الشماسي تولى رئاسة بلدية سيهات عام 1930، أي قبل توحيد المملكة العربية السعودية بعامين، وتحديداً في 23 سبتمبر 1932.
هنا؛ نواجه «معضلة»، إذ لم يكن الأمير سعود بن جلوي تولى إمارة ما بات يُعرف لاحقاً بـ«المنطقة الشرقية»، والتي أسندت إليه إدارتها بعد وفاة المغفور له والده الأمير عبدالله بن جلوي، عام 1934.
قلعة بلدة عنك في محافظة القطيف 1946-1954. (مصدر الصورة: حساب Classic79 في «تويتر»)
إنارة وحديقة.. و«وفاء عنك»
يفصلّ الفرج في الحديث عن سنوات عمل خاله الشماسي في البلدية، ومنجزاته الخدمية «عمل على شق طريق سيهات الرئيس الذي يربطها في القطيف (بات يُعرف لاحقاً بطريق الملك عبدالعزيز)، وتركيب أعمدة إنارة فيه لأول مرة. ولحبه الشديد للزراعة؛ أسس حديقة، مازالت موجودة».
وأشار إلى التطوير الإداري للبلدية في عهد خاله، «كان التطوير يجري مجراه، وينمو باضطراد، إذ أعطى وقته وجهده لعمله طيلة سنوات خدمته، حتى أنه لم يأخذ إجازة سنوية قط. ثم أضيفت إلى مسؤولياته الإدارية بلدية عنك آنذاك، وبعض القرى الجنوبية الغربية التابعة لريف القطيف (أم الحمام، الجش، الملاحة».
هنا؛ يستحضر الفرج «وقفة وفاء» من أهالي عنك، نحو الشماسي، «إذ سجلوا حياً في مدينتهم باسم «الشماسية»، تخليداً لذكراه ووفاءً له».
وهو ما أكده لـ«صبرة» بعض أهالي عنك، مشيرين إلى وجود حي قديم لازال يُعرف باسم «الشماسية»، لكنه يحمل الآن اسماً رسمياً آخر «البدر».
خبر نشرته قافلة الزيت عام 1964 عن تخصيص «أرامكو» أرضاً لتكون مخططاً تنظيمياً في مدينة سيهات.
مخطط الطابوق
خلف الشماسي ذرية تتمثل في ابنة وحيدة؛ فهيمة، يقول ابنها، وسبطه سعيد الشماسي «حين تولى جدي رئاسة البلدية كانت حينها تقع في مبنى صغير، بشارع الديرة، عند بنك الرياض حالياً»، مضيفا «عمل خلال تلك السنوات على تدشين منتزه سيهات، وتركيب أنابيب الصرف الصحي في حي العمال (الطابوق القديم). كما تسلم مخططاً خاصاً للحي من شركة «أرامكو»، في سابقة على مستوى المنطقة».
أضاف «بقي رئيساً حتى عام 1970، وتوفي بعد تقاعده بخمس سنوات 1395، بعد أن تدهورت صحته إثر إصابته بـ«اللوكيميا»، وكنت مرافقاً له أثناء فترة علاجه في لندن، التي استغرقت حوالى 3 أسابيع، وتوفي بعد عودته بفترة وجيزة، وتحديداً يوم 24 من شهر ذو الحجة عام 1395هـ (1975)».
تطرق سعيد الشماسي إلى علاقة جده «الوطيدة» بالكثير من أعيان سيهات ورجالاتها، والتي تجلت خلال فترة مرضه، وعلى رأسهم: الشيخ الحاج علي السيهاتي (رحمه الله)، حيث كان تربطهما علاقة قوية، وكان يزوره باستمرار برفقة ابنه الشيخ عبدالله السيهاتي.
منتزه سيهات الذي كان للشماسي دوراً بارزاً في تأسيسه.
قصة إنشاء المنتزه
الناشط الاجتماعي محمد علي الخليفة، مؤسس لجنة «سيهات جميلة»، تحدث عن دور عبدالله الشماسي في إنشاء المنتزه، قال «استولت فكرة إنشاء المنتزه على جل اهتمامه حينها، فبعدما دُفن البحر؛ خشي أن تفقد المدينة الأرض التي كان مُخطط لها أن تكون مشروع منتزه، وأن تُتخصص منحة، لكنه سعى للاحتفاظ بها وزرعها، وتشجيرها وتوسيعها، بلا تخطيط دقيق. كان يسعى فقط إلى استغلال هذه القطعة بشكل سريع، قبل أن يتم التصرف فيها».
في السياق نفسه؛ شرح الفنان علي السبع ما جرى حينها «بعد أن رُدم البحر شرق سيهات؛ تم استغلال القطعة الساحلية في مشروع المنتزه، الذي اهتم به الشماسي (رحمه الله)، بعدما حصلت سيهات على مكان سيكون بمثابة كورنيشاً، وفق نموذج تصميمي جديد على المنطقة حينها، وعلى مستوى عال من التقدم. واعتقد أنه كان المشروع الترفيهي الأول في المحافظة، على هذا المستوى».
حي النور (الطابوق سابقاً) في سيهات.
خيرة رؤساء البلدية
وصف جاسم الحكيم، عبدالله الشماسي بأنه «من خيرة رؤساء بلدية سيهات، ففي فترة رئاسته كنت شاهداً على الكثير من الأمور التاريخية وقتها، فأنا ممن سكنوا حي الطابوق، وكان منزلنا الأساسي هناك، وذلك في نهاية الخمسينيات، حيث ماء البحر يصل إلى بيوتات الحي، قبل أن ننتقل إلى حي المنتزه الحالي».
وتناول ما حدث في المنتزه، بعدما تم ردم البحر، «عمل الشماسي على إحاطة المنتزه بأعواد من الخشب، لفرض أمر واقع بان هذه الأرض تم استثمارها حديقة، وشجرّها خلال فترة قياسية جداً، لكنها احتاجت جهداً كبيراً لإنهائها».
المنتزه أحدث نقلة نوعية في سيهات وما حولها.
نشطّ.. لا يكلّ ولا يملّ
شهد محمد جعفر المسكين، التطورات الخدمية في سيهات، «حين تم إنشاء المنتزه وافتتاحه كان عمري بين 15 إلى 16 سنة، وكنت ألفت حياة العاملين في «أرامكو» منذ كنت صغيراً، حيث كان والدي يأخذني معه الى بقيق صيف كل عام».
أضاف «ما وجدته بعد افتتاح المنتزه هو أن سيهات لا تختلف كثيراً عن عالم «أرامكو» المُنفتح المُستقطب للجميع بأريحية، خصوصاً بعد الجهد المبذول من الشماسي في إنشاء المنتزه، وهو موقف لا يُنسى له».
تابع المسكين «استحدث أمور جديدة على سيهات، كان أول من عمل على مد أنابيب الصرف الصحي في قلب سيهات (الديرة)، وحي الطابوق، وبذلك خدم المدينة بشكل كبير».
أضاف «كان نشطاً، قلما تجده في مكتبه في مبنى البلدية، بل هو دائم الحركة كثير التنقل، حيث كانت وسيلة النقل في بداياته «بالقاري والحمار» يطوف بهما من حي إلى آخر، يشرف بنفسه على النظافة، يعتني بأهم تفاصيلها، ويحث شبابها على الاستثمار في أراضيها».
الشماسي كان يوصي بالاستثمار في أراضي سيهات. (مصدر الصورة «ويكيبديا»)
نصيحته: اشتروا الأراضي
يعود المسكين، إلى تلك الحقبة الزمنية، ليقول «كنا نعيش حال من التكتل السكني، ونعاني من قصر النظر فيما يتعلق بالأراضي واستثمارها، وهو أكثر الجوانب التي صب الشماسي فيها جل تركيزه، حاثاً أهالي سيهات على شراء الأراضي، حيث كانت قيمة شراء أرض لا تتجاوز 200 ريال».
وعوداً للمنتزه؛ أبان أنه كان عبارة عن «أرض خشي الشماسي أن تؤخذ بين ليلة وضحاها، فسعى إلى الحيلولة دون ذلك، من خلال تواصله مع الجهات المعنية، لمعرفة مستجدات ومخططات الأراضي».
ويروي أن رئيس البلدية الشماسي «تلقى اتصالات يستفسر: ما مخططاتك للأرض المردومة مقابل البحر؟ فكانت إجابته: ستكون منتزها لسيهات. وهناك عمال يشتغلون على تشجير الأرض، وبالفعل أرسل مباشرة عمالاً لتشجيرها في وقت قياسي جداً. واتذكر أن العمل كان لا يتوقف؛ ليلاً ونهاراً، حتى تم تشجير المساحة، واحاطتها بشكل تام، حتى لا يتم استثمارها في أمر غير ما كان مُخطط له».
ولفت إلى أن الشماسي كان «مخلصاً في عمله، ذو نظرة بعيدة المدى. واتذكر في هذا الصدد مُشادة له حول سيهات، بعدما تم بث نشرة إذاعية، واستبدل المذيع كلمة سيهات بإذاعة الدمام، فاحتد لذلك، وطالب بذكر اسم سيهات، لأنه كان يطمح ويطالب أن تكون حدود المدينة من شارع الإمارة في الدمام جنوباً (الملك عبدالعزيز حالياً) حتى عنك شمالاً، لكنه لم يحظ بالمساعدة لتحقيق رؤياه هذه».
تكاملت جهود رجالات سيهات؛ فكان المنتزه.
جهود رجال سيهات
من جهته؛ لفت عبدالكريم المطوع، إلى تكامل جهود الشماسي مع جهود آخرين من رجالات سيهات، قال «إنه في تلك الفترة؛ كان الشيخ علي السيهاتي رئيساً للمجلس البلدي، الذي ضم في عضويته والدي عبدالله المطوع، وجعفر الحمود وغيرهما (رحمهم الله)، وكانت لهم مبادرات لطرح أفكار تطويرية تخدم سيهات، إضافة إلى عدد من رجالات سيهات والمهتمين في الشأن العام، منهم الحاج عبدالوهاب المعلم، والذين مثلوا مجموعة من الشباب الطموح الذي يطرح أفكاره ويسعى لتنفيذها، ومنها فكرة ان يكون للمدينة مساحة تكون بمثابة منتزه، من بين أفكار ومبادرات كثيرة عملوا عليها، وقد لقيت فكرة المنتزه استحساناً واستجابة كبيرة من الشماسي الذي ساهم في تحويلها إلى واقع».
جزء من قلعة سيهات قبل اندثاره.
مُحب لا يملك إمكانات
يتذكر عبدالله الدبيس، أن الشماسي أبان رئاسته البلدية «كنت أراه باستمرار يجوب أحياء سيهات، ماراً بسوق السمك، مشجعاً ومحفزاً على الاستثمار في الأراضي، كان مُحباً لسيهات، ورغم الإمكانات المادية القليلة؛ إلا أنه اجتهد – مشكوراً – في عمل الكثير لخدمة الأهالي».
وهو ما يتفق عليه المدير التنفيذي لجمعية سيهات؛ حبيب محيف، الذي أشار بدوره؛ إلى أن الشماسي طوّر المنتزه، والخدمات كافة في سيهات، مُعتبراً أنه «من الشخصيات التي خدمت البلدية بنزاهة عالية، وبروح وطنية عالية».
عين الكعيبة في مدينة سيهات. (مصدر الصورة موقع «المعلومات»)
هكذا تجاوز معضلة شح الموارد
من جهته؛ قال جعفر عبدالمحسن النصر «عندما لمعت فكرة إنشاء هذا المتنزه في ذهن الشماسي؛ لم يكن لديه من الإمكانات ما يسعفه في تنفيذ مشروعه سوى مساحة الأرض التي باستطاعته توفيرها من تلك المساحات الشاسعة الواقعة على مشارف ساحل البحر، على شكل مستنقعات في المناطق المحاذية للبحر آنذاك، مثل حي الخصاب، وشرق مدينة العمال (حي النور حالياً)».
فماذا عن المورد المالي الذي سيمكن الشماسي من تحقيق طموحه بإنشاء حديقة كبرى في سيهات؟
يجيب النصر «لم تكن هناك مخصصات مالية محددة لهذا المشروع. وهو إن أراد مخاطبة قسم الشؤون البلدية والقروية التابع لوزارة الداخلية وقتذاك؛ سيدخل في متاهات البيروقراطية التي قد تستغرق سنين طوال. وليس هناك من ضمانة في أن يوفق في الحصول على مُبتغاه باعتماد بند مالي لهذا المشروع في ميزانيات البلدية للسنوات المقبلة».
إذن؛ ما الذي يجب عليه فعله إزاء هذا المأزق، وهو (الشماسي) المتحمس لمشروعه والمصمم على تنفيذه؟
يواصل النصر سرديته «فكر الرجل، واتخذ قراره، متحملاً المسؤولية. لم يكن أمامه من سبيل سوى أن يستخدم الوفورات المالية من البنود الأخرى لميزانية بلديته، ليوظفها في تنفيذ هذا المشروع، ولو بشكل بسيط: سور متواضع، تخطيط الحديقة من الداخل، الممرات، أماكن الجلوس، زراعة العشب، التشجير، إلى آخر ما يستطيع القيام به في حدود تلك الإمكانات المالية المتواضعة».
هنا؛ يذكر أن النظام المالي للدولة «لا يسمح بنقل مبالغ من بند إلى آخر، وإن بقيت وفورات في أي بند من بنود الميزانية؛ فتعاد إلى وزارة المالية، ولا يجوز استخدام تلك المبالغ لأغراض غير تلك التي خُصصت لها».
فهل تجاوز الشماسي النظام أو ارتكب مخالفة يستحق المساءلة عنها؟
لا يجزم جعفر النصر بذلك، يروي «قيل إنه خضع وقتها للتحقيق في تلك «المخالفات». ذلك ما قاله الرواة. فإن لم تصح روايتهم؛ فينطبق عليهم القول «وما آفة الأخبار إلا رواتها».
يختم بالقول «على كل حال؛ حقق الرجل طموحه بجرأته في اتخاذ القرار النابع من إخلاصه وأمانته للمهمة المنوطة به، مُنكراً لذاته، بعيداً عن أي مصالح شخصية. خلد له ذكرى جميلة، بهذه الخدمة الاجتماعية الجليلة التي يتذكرها بكل خير من عاش تلك الحقبة الزمنية من مراحل التطور التي شهدتها البلاد. وها هو الجيل الحاضر، كما هي الأجيال السابقة، شاهداً على أحد المنجزات الهامة في تاريخ بلدية سيهات».
حول عبدالله الشماسي والمنتزه؛ اقرأ أيضاً:
سيهات قبل 53 سنة.. «عبدالحليم» ونادية لطفي يُغلقان أول سينما خاصة في الشرقية
شكرا لصبرة وللاستاذة شذى على نشرها هذا البحث عن خالي الوحيد المرحوم عبدالله الشماسي. الذي كنت انا اصغر ابناء اخواته ، وبحكم العمر حيث كنت صغيرا خلال سنوات عمل المرحوم في البلدية لم يكن لدي معلومات اضافية نوعية تغني البحث، ولكني اتذكر موقفا حدث بين المرحومين والدي وخالي، فحينما طرحت البلدية اراض للبيع ، وكان سعرها جذاباً آنذاك، وقد اراد والدي شراء قطعة ارض منها، ولكن خالي منعه من ذلك ، وقال له هذه الأراضي مخصصة بالدرجة الاولى لاهالي سيهات وهم اولى بامتلاكها منك. وسلوكه هذا منبعث من موقفه العفيف ونزاهته بعدم استغلال المنصب لمصالح شخصية او لتنفيع اهله والمقربين له.