كنوز «ثاج» الجبيل تغري الفرنسيين.. أصابع رومر تنبش في أكبر موقع شرق الجزيرة العربية عالم أثري أكد أن المنطقة شهدت قيام ممالك تجارية غنية

القطيف: صُبرة

سنواتٍ طوالاً أمضاها العالم الفرنسي المتخصص في علم الآثار الدكتور جيروم رومر متجولاً بين المواقع الأثرية في المملكة، التي وقعت الجهات المعنية في الآثار فيها، والمركز الفرنسي الوطني للبحث العلمي، الذي ينتمي إليه رومر، اتفاقات تعاون، للتنقيب في المواقع الأثرية في السعودية.

من مملكة دادان والعلا في الشمال الغربي، إلى مملكة ثاج شرقاً، تنقل هذا الفرنسي، الذي نقب ونقب لسنوات في الموقع الأخير ضمن بعثة سعودية – فرنسية، بدأت أعمالها منذ عام 2016.

زبدة ما توصل إليه رومر في ثاج، كشف عنه أول من أمس (الأربعاء)، في ملتقى افتراضي للمكتشفات الأثرية في المملكة، اختتم جلساته أول من أمس، بعد يومين حافلين بـ12 بحثاً وورقة علمية، قدمها 24 من العلماء والباحثين من المملكة والعالم، تناولوا فيها نتائج مشاريع البحث والتنقيب الأثري في المملكة وأبرز مكتشفاتها.

أكبر موقع أثري شرق الجزيرة العربية

اعتبر العالم الفرنسي، خلال مشاركته في الملتقى، الذي ونظمته هيئة التراث، ثاج «أكبر موقع أثري ما قبل الإسلام في شرق شبه الجزيرة العربية، ويحيطها سور بعرض خمسة أمتار».

يقع ثاج على بعد 90 كيلومتراً، غرب مدينة الجبيل، ويتميز ببقايا مدينة قديمة واسعة بشكل استثنائي، ووصفت بـ«كنز الآثار»، لما وجد فيها من قطع أثرية ذهبية فريدة، خصوصاً قطع الحلي والجواهر والذهب التي عثر عليها في أحد مدافن «ثاج»، التي تعود لأكثر من ألفي عام.

وتشير المعلومات التاريخية والأثرية إلى أن الاستيطان في ثاج، يعود إلى العصور الحجرية. وازدهر الاستيطان فيها خلال الفترة الهللنستية التي تمتد من ظهور الإسكندر الأكبر في الشرق عام 332 قبل الميلاد تقريباً حتى القرن الأول الميلادي، واستمر الاستيطان خلال الفترة البارثية المتأخرة والساسانية التي تمتد من القرن الأول الميلادي تقريباً حتى القضاء على الدولة الساسانية عام 640 ميلادي.

مركز حضري

رومر، قال خلال محاضرة نظمت قبل 3 سنوات، حول نتائج أعمال التنقيب الأثري في الموقع، «إن مشروع التنقيب أظهر أن ثاج كانت مركزاً حضرياً رئيساً في القرون الأخيرة قبل الميلاد والقرون الأولى بعد الميلاد».

وذكر أن التنقيب عن هذه المدينة يلقي الضوء على فصل جديد من تاريخ الجزيرة العربية، مشيراً إلى أن المواسم الثلاثة للتنقيب في الموقع من 2016 حتى 2018؛ كشفت أن ثاج تُعد الموقع الوحيد الذي يُعد مدينة على الساحل الشرقي في الجزيرة العربية، وأحد الممالك العربية في فترة ما قبل الإسلام.

رومر أشار إلى أنه في العصور القديمة، كان شرق الجزيرة العربية «مركزاً تجارياً وثقافياً»، وتقع على مفترق طرق الحضارات العظيمة في ذلك الوقت، جنوب الجزيرة العربية وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين والهند، واستضافت مدنها القوافل الغنية والممالك التجارية القوية.

كتابات ورسوم ونقوش

ونفذت البعثة السعودية – الفرنسية، أعمال تنقيب عدة، منها مسح المنطقة الأثرية والمنطقة المجاورة، إضافة إلى التنقيب داخل المنطقة الأثرية، تم خلالها تسجيل وحصر مواقع أثرية، كتابات، رسوم ونقوش حسائية، ومسح وتنقيب في عدد من المدافن والتلال المحيطة بموقع ثاج.

إضافة إلى تنفيذ مسح جيولوجي للموقع والتضاريس المحيطة به، جُمع خلاله عينات لبعض الصخور والتربة من السبخة الشمالية ودراسة منسوب ومكونات المياه بالآبار، وأيضاً تم فتح مجسات اختبارية بطرف السبخة الشمالية لثاج ووسطها لدراسة الترسبات التراكمية للسبخة.

كما شملت أعمال التنقيب في موقع ثاج الأثري منطقتين: الأولى على السور الجنوبي للمدينة الأثرية والبالغ عرضه 4 أمتار، حيث كشف عن بوابة ترتبط ببعض التفاصيل المعمارية، أما المنطقة الأخرى فكانت جنوب سور المدينة؛ اكتشف فيها وحدات معمارية ضمّت إحداها فرناً ربما استخدم لإنتاج الفخار.

مدينة يحرسها سور

تقع المدينة داخل سور بطول 2535 متراً، وعرض المتبقي من هذا السور يصل إلى مترين و30 سنتيمتراً. ويقع داخل هذا السور ما يُسمى بـ«التلال السكنية»، يفصل بينها ممرّات يراوح عرضها بين خمسة وستة أمتار. وكشفت الحفريات التي أجريت في الموقع الأثري عن أقدم فرن للفخار في المنطقة الشرقية، كما كشف عن طفلة بكامل مرافقاتها الجنائزية تعود إلى القرن الأول الميلادي.

وورد اسم ثاج بكثرة في المعاجم وكتب التراث مثل «معجم البلدان» لياقوت الحموي و«بلاد العرب» للعمدة الأصفهاني و«صفة جزيرة العرب» للهمداني و«تهذيب اللغة» للأزهري. كذلك ورد ذكر ثاج في عدد من الكتب والدراسات التي أصدرها عدد من دارسي الآثار الذين عبروا المنطقة الشرقية منهم بلي أثناء مروره بالمنطقة الشرقية عام 1865، ولوريمر الذي اورد في تقاريره حين يصف وادي المياه أن أهم موقع أثري في الوادي هي ثاج. كما زارها ريكمانز وزوجته فيوليت عام 1942، وقدما وصفاً دقيقاً لها.

الدانمركيون مهتمون أيضاً

وكانت ثاج مقصد المهتمين بالآثار ومنهم البعثة الدنماركية عام 1968، أثناء زيارتها لمنطقة الخليج بقيادة الباحث جيفري بيبي، ونقبت البعثة عن بعض القبور القديمة ونشرت عنها في تقرير عن هذه الزيارة عام 1973.

كما زارها هارينغتون وماندفيل عام 1962. وعثر جون مولر عام 1958 على نقش مدون عليه «وجر وقبر» وهذه الكتابة تستخدم في شواهد القبور الاحسائية.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×