سعيد الشبيب.. صوت البسطاء.. شاعر الولاء.. رحل مخلفاً حمدي واخوته.. وابتسامة رثى من يعرف ومن لا يعرف محولاً أناس عاديين إلى شخصيات رفيعة.. من دون اصطناع
أم الحمام: ليلى العوامي
في أم الحمام؛ لا يعتبرون سعيد معتوق أحمد الشبيب، مجرد شاعر مفوه، يقف خلف منصة احتفالات مواليد أهل البيت عليهم السلام، ليلقي قصائد المديح، على غرار كثير من شعراء المناسبات في هذه البلدة الواقعة جنوب غرب محافظة القطيف.
هو عدسة بزوم واسع تلتقط صور البسطاء والمهمشين، في أبيات شعر..
هو كتلة ابتسامات تمشي على قدمين، لتبث المحبة والبهجة في قلوب من حوله..
على مدار 4 عقود، وربما أكثر؛ كتب آلاف القصائد، بالفصحى والعامية، خاض مئات المُساجلات، خرج منها «محبوباً» و«أخاً» ممن ساجلهم.. فلقد كان أبو حمدي «فارساً نبيلاً»..
هل نستغرب أن يلف الوجوم أم الحمام وبقية مدن وبلدات القطيف، منذ عصر أمس، فور انتشار خبر وفاته، وخلال تشييعه وإكرامه؟
شاعر.. ابن شاعرة.. شقيق شاعرة وحفيد شاعر
عن 64 سنة، و6 أيام رحل الشبيب، فهو من مواليد 29 اكتوبر 1957، في عائلة عُرفت بالعلم والأدب. أمه فهيمة إبراهيم آل شبيب (أم سعيد)، شاعرة أهل البيت، صاحبة ديوان «لهبات الأحزان ومحرك الأشجان في مراثي النبي والأئمة عليهم السلام»، المتوفاة عام 1397هـ. شقيقته خادمة أهل البيت المرحومة سلمى معتوق الشبيب، شاعرة لها ديوان. ووالده الحاج معتوق أحمد الشبيب، وأخوه المرحوم جعفر الشبيب، المتوفى في الثالث من أغسطس 2021. جده شاعر أهل البيت الملا حسين الشبيب، خصص شعره لإمام الحسين (عليه السلام).
تلقى دراسته سبعينيات القرن الميلادي الماضي، في مدارس «أرامكو» برأس تنورة، كما انتسب إلى الشركة، لينتقل للعمل في القطاع المصرفي في الثمانينيات، وتحديداً في البنك السعودي الهولندي.
بدء كتابة الشعر بالعامية، ثم انتقل إلى الفصحى. ولكنه لم يهجر العامية. وبدء يقرض الشعر العمودي عام 1987. وله قصائد بالنبطي، منها: يحسين انخلقنا اوياك، هلا ابعشاق مبدأهم، غدير عيدك أكبر. وبالفصحى: وهي تهويمة عاشق، مناجاة أم البنين (عليها السلام)، أأطرق بابك بعد الغياب، ما السر؟ زهرة الفردوس، أما وهن العظم منها، صلاة الحسين، هو المصطفى، رضاها رضاها، خذي القوافي، مواسم حزن كربلائية، ألهمتنا، علي الأكبر يفتح نافذة، إلى سيدتي أم البنين.
برز شاعراً على مدى أربعة عقود. وطبع ثلاثة دواوين: أمل عند مصب النهر، جنى الجنتين، زهرة الفردوس. ولديه عدة دواوين (ربما ستة) لم تُطبع بعد.
كما نشط شاعراً على شبكة الانترنت، وتأثر بشعره الكثير من شعراء وشاعرات المنطقة، ومنهم: نجوى مهدي الناصر، صاحبة ديوان «انثى على اجنحة الليلك». وهو أحد الأعضاء المؤسسين لمنتدى «أبو البحر الخطي» في أم الحمام؛ أقدم الأندية الأدبية في المنطقة. امتاز بغزارة العاطفة، ومشاركاته الاجتماعية والدينية.
رثائيات تكشف سيكولوجية شاعر
في 14 مارس 2014؛ كتب ابن عمه بدر شبيب الشبيب، مقالة جاء فيها «ربما يأخذ عليه البعض الحضور الكثيف في المناسبات الرثائية الخاصة، إذ قد يرون في ذلك «ابتذالا» للشعر. هذا ما حدا به إلى الرد في ديوانه الأخير «جنى الجنتين»، فكتب يقول: كثيراً ما يستغرب البعض من كثرة قصائد الرثاء لدي في من أعرف ومن لا أعرف، وهنا وددت أن أبين السبب الرئيس وراء ذلك.
وبرغم أنه لخص السبب في كون الشعر نعمة تستحق الشكر، ورثاء الأحبة والمؤمنين شعراً هو مصداق للشكر، كما يقول؛ فإني لا أرى في ذلك سبباً كافياً. المسألة من وجهة نظري أعمق، وتذهب بعيداً في سيكولوجية الشاعر ذاته.
الشاعر سعيد معتوق الشبيب، أحد أكثر الشعراء التصاقاً بالناس العاديين، يألفهم ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، ويتأثر بما يحدث لهم حتى لو لم تكن بينه وبينهم معرفة عميقة. وعندما ينفعل لحدث ما فإنه يستطيع بسرعة أن يدخل يده في جيب قلبه لتخرج قصيدة آية في الشعر من غير سوء.
الشاعر سعيد عندما يكتب في من يعرف ومن لا يعرف؛ فإنه لا يتكلف أبداً، لأنه يمتلك القدرة العجيبة على التقاط أنفَس ما في الشخصية المرثية، ومن ثم التركيز عليه والدوران حول محوره. ففي كل قصيدة رثاء تراه يختار وينتقي مجموعة من الصفات المميزة للفقيد، والتي تجعله أهلاً للذي يُقال فيه، فكأنه لا يهمه الاسم بقدر ما تستهويه المزايا القابلة للاكتساب والتعميم. فأغلب من كتب فيهم رثاءً هم أناس عاديون، ولكنه تمكن من تحويلهم إلى شخصيات ذات مستوى رفيع، ليس باختلاق واختراع صفات ليست فيهم، بل من خلال مقدرته الفذة على الغوص فيها واستخراج جواهرها.
فجر السبت الماضي 8 مارس 2014؛ انتقل والدي العزيز إلى رحمة الله. لم يكن (رحمه الله) شخصية اجتماعية مرموقة يُشار لها بالبنان، كان شخصاً بسيط التفكير والحياة، ولعله أحد المصاديق للكلمة المأثورة: «عليكم بدين العجائز»، فقد كان متمسكاً بدينه أشد التمسك؛ يؤدي فرائضه، ويحرص على صلة رحمه، القريب منهم والبعيد، ويقدم ما يمكنه من خدمات للآخرين. يفعل ذلك لوجه الله تعالى. كان مقلاً في كلامه جداً، ومع هذا كانت أفعاله تقول عنه الكثير.
كعادته؛ التقط سعيد الشبيب بعدسته الشاعرية مجموعة من الصور التي استوقفته في حياة الوالد، وأودعها ببراعة في قصيدة جميلة تكشف عن إنسانية شاعر مخلوق من طينة الحب.
أخيراً أقول: كي نبادل هذا الشاعر حباً بحب، فإن علينا أن نسعى لاقتناء ديوانه والمساهمة في نشر شعره. وهنا أجدها فرصة أدعو فيها ذوي المرثيين في الديوان للمساهمة في توزيعه على نطاق واسع لاشتماله على ذكر فقيد أو أكثر لهم، وتلك لعمري لغة جميلة في الحب».
ارتبط بالقرآن صغيراً
حسين منصور الحرز، ممن كانت لهم صلة وثيقة بالراحل، صلة نسب، وأخرى قرابة شعر، رثى الشبيب كاتباً «ترجل فارس الشعر بعد أن بلغ المدى. ولا أدري ماذا أكتب عنك من سيرة عطرة وكلك عطر سيرة وجميل سريرة قل نظيرها، فلقد رافقتك وعرفتك وأنا طفل صغير منذ نشأتي إلى توفاك الله. ما رأيناك إلا جميلاً. ولم نر منك الا جميلاً، لقد كنت الأخ والصديق، وزوج الأخت والنسيب القريب والنبض الذي يسري بين ضلوعنا، والحب الذي يؤالفنا، والقلب الذي يحوينا بنبله وجميل دفق مشاعره».
سأل الحرز نفسه «ماذا اقول في من ارتبط بالقران منذ طفولته، ورضع الولاء لأهل بيت العصمة (عليهم السلام)، فنشئ صادحاً مغرداً في حبهم بأجمل روائع في سماء الشعر. رحمك الله أبا حمدي، ورحم الله اخاك جعفر، فكلماتي عاجزة أن تعبر عن مقدار حزني وعظيم مصابي بفقدكما، وعند الله نحتسبكما».
صاحب ابتسامة
رئيس جمعية أم الحمام الخيرية زكي أحمد آل عباس، قال راثياً «بعيون دامعة وقلوب حزينة راضية بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة علم وشاعرً فذ من شعراء بلدتنا الغالية أم الحمام، صاحب ابتسامة، خادم أهل البيت؛ الحاج سعيد معتوق الشبيب (أبو حمدي)، الذي تميز بمكانته الاجتماعية والثقافية ومشاركاته في الفعاليات الدينية والمناسبات الاجتماعية».
وعزا آل عباس نفسه، كما عزا كل محبي الراحل، سائلاً الله العلي القدير «أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهم ذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون».
شاعر عملاق
وصف عبدالله حسن آل شهاب، الراحل بأنه «شاعر عملاق، لم يترك مناسبة صغيرة ولا كبيرة؛ إلا وله فيها قصيد، وفوق هذا فالرجل طيب وخلوق، وذا قلب أبيض ناصع عطوف، كريم، محفز مشجع، إنسان نبيل، يقف على قمة شامخة من الأخلاق والسجايا والصفات الجميلة. واقعاً فقدنا قامة كبيرة، وإنسانً بمعنى الكلمة».
جلساته فاخرة بالضحكات
وصفه الشاعر حسين المنجور، بـ«شاعر التواضع والأخوة والروح الملائكية. كان قريباً لدرجة أن تراه فيعاملك كأنك كنت معه البارحة، ولسنوات طوال كانت جلساته فاخرة بالضحكات والابتسامات، وكأنها واجبه ليزيح هموم الآخرين، رغم تعب السنين على ملامحه».
لن يتذكر المنجور شاعره، لأنه «لا يُنسى حتى يتذكر.. البارحة فقط كان يتواصل لأجل الشعر والأدب، وهو يشيد بهذا الشاعر وتلك الشاعرة، وكأنه ممتلئ فخراً بأهله وأدباء منطقته، هو أخ أكبر لكل من عرفه، وأخ أصغر أيضاً بروحه الطفولية الشاعرة.. لهذا؛ فالكلمات لا تفيه حقه، بل تتصاغر تجاه مكانته في نفوسنا.. ولهذا أيضاً؛ نهتز لرحيله ونضطرب، وكأن رحيله أسقط حجراً من كياناتنا».
روح نبيلة
الحزن لم يقتصر على أم الحمام، فمن العوامية قال الشاعر فريد النمر «الأستاذ الشاعر أبي حمدي سعيد الشبيب، شاعر بروح نبيلة ومحبة، يمتلك من كاريزما الفضلاء الكثير، تتجسد في تعامله الودود المحب لجميع أطياف المنطقة على تنوعهم. كان لي صاحباً وصديقاً وأستاذاً في الشعر. كثيراً ما شجعنا على الحضور من خلال الشعر».
تعلم النمر من الراحل «روح الزهد في وكسب الأصدقاء، رجل مثقف ومتدين، ووفي لأصدقائه في الوطن وخارجه، وحريص على مشاركتهم مناسباته؛ أفراحهم واتراحهم، ليس بالحضور فقط، بل بالقصيدة السامقة التي تفي غرضها. وكان ذاكرة لكثير من المناسبات الشعرية المقامة. ولا يلبث بين الحين والآخر يذكرنا بها، كلما تقادمها الزمن. رحمه الله رحمة الأبرار الصادقين يا رب العالمين».
هكذا كان أبو حمدي
سمع حسين آل عمار، باسم الشاعر الشبيب، منذ بداياته الشعرية عن طريق صديقه الشاعر العوامي محمد أبو عبدالله، يقول «لطالما كان يأتي على سيرته، ويتحدث عنه، فكنتُ مأخوذًا به وبشخصيته (رحمه الله) فقط مما أسمعه من صديقي أبو عبدالله».
بعدها بسنوات قليلة، شارك آل عمار في أمسية بأم الحمام، يقول «إن لم تخني الذاكرة؛ تبادلنا الأرقام في ذلك اليوم. ومن حينها ونحن نتواصل عن طريق «واتساب». كان (رحمه الله) متواضعًا، لا يفرض عليك آراءه الشعرية، ولا يغلظ النقد عليك، بل يمدحك دائمًا، ويشحذ من همتك، ويعظّم قدرك مفتخرًا بك، حتى لو كان عطاؤك قليلًا».
يؤكد أنه «لم يحدث مرة أن اختلفنا على شيء، أو احتد النقاش بيننا على قضية ما على الإطلاق، حتى حين نشرتُ مرةً أبيات شعرية كانت كتبتهم زوجتي في محاولات أولى، فقد أثنى عليها تشجيعًا ودعمًا، فهكذا هو يرحمه الله، نعم الرجل، ونعم المعرفة. أسأل الله الكريم أن يتغمده واسع جنته، ويعرف بينه وبين أوليائه. إنا لله وإنا إليه راجعون».
كائن اجتماعي
ومن صفوى؛ استحضر الشاعر ياسر آل غريب، الراحل، قال عنه «من الأسماء التي عرفتها مع دخولي عالم الشعر. جمعتنا منصات الاحتفالات الدينية في قرى وضواحي القطيف. الكتابة عنده ضرب من الأريحية؛ فتراه يلقي قصيدة بحس فكاهي حيناً، وتراه حيناً آخر يلقي قصيدة رثائية.. وفي كل الحالات يؤثر بأسلوبه المباشر الموجه للناس عامة، فهو يبتعد عن الغموض والإبهام نهائياً».
وقال آل غريب «إن رحيله أعاد شريط الذكريات التي ربطتني معه على مدار 20 عاماً وأكثر. ومع رحيل الشعراء نفهم معنى الصمت أكثر.. أبو حمدي كائن اجتماعي، لا يلقي قصائده وكفى، بل يشجع، يبدي اهتمامه ويتواصل معنا، وما ابتسامته إلا بوابة المشاعر الصادقة».
روح متفردة
ومن التوبي؛ رثاه الشاعر علي مكي الشيخ، بالقول «روح متفردة بين كل الشعراء في القطيف، يمتلك خلقاً يحتوي من خلاله كل من تعرف عليه. تواضعه الكبير يخجلك كثيراً، يتفاعل مع كل شاعر يلتقي به، لا يتردد عن أي دعوة توجه له للمشاركة، همه الوحيد إحياء ذكر أهل البيت (عليهم السلام)، يُعد الجميع إخوانه. تراه إذا اهتم بأحدهم؛ يكتب له الأبيات التشجيعية.. وربما سجلها بصوته ونشرها.. وكثيراً ما كان يتصل شخصياً، ليسأل عن الكبير والصغير، امتلك روح ملاك. وبرحيله فقدنا أبوة الشعر، وحنان الأدب، وعطف الأرض الوفية لأبنائها».
الصورة الواردة في التقرير منن صفحة الراحل في فيسبوك.
اقرأ أيضاً:
أم الحمام تختتم نهارها بخسارة شاعر.. سعيد الشبيب في ذمة الله
رحم الله اخونا الغالي ابو حمدي بواسع رحمته واسكنه فسيح جنانه مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين
الشاعر خالي سعيد الشبيب الاب الروحي للجميع حنون وعطوف في بدايتي مع المنتديات الادبيه كانت معه وكان لي خير موجهة وناصح لا يكل ولا يمل وكنت استمتع بمساجلاته الشعريه التي تعطي بقيه الشعراء الروح والاستمراريه بلا كلل او ملل
خالي ليس مجرد خال بل أب وأخ وصديق حتى مع جميع الاسرة واحفادي يضحكهم تاره ويشجعهم تاره واخر صورة ارسلها لي يتذكر فيها حفيداتي قبل 3 ايام فقط
رحمك وربط على قلوبنا بالصبر والسلوان