بنت الدِّبْدابة.. الأصابع تلعب وحدها.. الحسُّ يبتكر سيرة معصومة آل حمدان من أول "سفّة" إلى معرض ميلانو للحرف اليدوية
المنتج التقليديّ قطعة حديثة..
بعُقدة الخوص الموروثة منذ آلاف السنين
القطيف: ليلى العوامي، أمل سعيد
في حيّ ريفيّ صغير اسمه “الدبدابة”؛ شمال قرية “صفوى” التي صارت مدينة لاحقاً؛ نشأت “معصومة”. وهذا الاسمٌ منتشرٌ كثيراً في قريتها، وفي محافظة القطيف. في “الدبدابة”؛ تفتّحت عيون “معصومة” على نخيل واحة صفوى الممتدة من كثبان الدهناء غرباً حتى “سبخة” البحر شرقاً..
جنة من جنان الأرض. مياه أنهار الماء من “داروش”، و”الوسطية”، و “الجنوبية”، وقنوات الريّ المتدفقة نحو البساتين. تجدُّد مواسم الرطب واللوز والتين والعنب والرمان و “البمبر” و “الكعكع” و “الكنار” و “التوف ـ التوت ـ التكّي”.
وجوه الكادحين العائدين بصيد البحر، أو الذاهبين إلى “خَرَاف” رطب النخيل.
حركة “النخلاويات” في البساتين وبيوت “العشيش”، وأعمال “السفّ”، وجلسات “التربُّع” والأصابع وهي تلعب معاً لتكرار عُقد “الخوص”، في ضوء النهار، وتحت أضواء “اصراجات” الليل..! عاملات في الظلّ من خطوط إنتاج، شريكات للرجال في مواجهة قسوة الرزق وتحصيل الرغيف..!
من جيل إلى جيل
ما كانت فلاحات صفوى تفعله؛ انتقل إلى أصابع “معصومة”، من تعليم والدتها فاطمة علي حسين آل دهيم، وهكذا تجري الأمور في مجتمع الفلاحين. كلّ جيل ينقل معارفه ومهاراته وخبراته إلى الجيل التالي. كانت والدتها تسفُّ “الخوص”، لتأخذ منتجاتها ـ أسبوعياً ـ إلى بيع في سوق الخميس، في القطيف. و “معصومة”؛ تعلّمت لتسفّ فتبيع أيضاً. إنها ابنة “أسرة منتجة”، كما هو حال الأسر الحرفية. لكنّها لم تتطوّر، في البداية، كمُحترفة، حسب كلام أمها عنها. إلا أنّها أتقنت لعبة الأصابع بالتأكيد، ثم خمل نشاطها سنواتٍ طويلة، ولم تستأنفه؛ إلا حين تجاوزت الثلاثين..!
طموح الأمّ المُنتجة تطوّر إلى ت
فكير تجاري يعرف ماذا تحب النساء
أسرة منتجة
عادت إلى حرفة الجدّات والأمّهات؛ من باب الأسر المنتجة الذي تبلور، في السنوات الأخيرة، ضمن برامج الدعم الاجتماعي في بلادنا. هي لا تجيد السفّ فحسب؛ بل هي “حنّاية” مطلوبة في أفراح نساء القطيف. وهي “خياطة” مهتمة بأزياء الزمن المنسيّ، وبالذات في إعداد الخِمار المعروف بـ “المِشْمَر”، و “الثوب الهاشمي” الذي انتقل عبر الزمن من ثقافة العراق إلى مجتمع القطيف.
ويبدو أن شيئاً ما كان كامناً في داخلها؛ حسّها البصري عالٍ، ومهارات يديها أدقُّ من “حرفية” نمطية قادرة على سفّ المنتجات. وطموحها أبعد من صانعة حُصر وقفف ومراوح، وقطع خوصية يعرضها السفّافون للبيع. إلا أن الطريق طويل، ولا بُدّ أن تعبره بإثبات قدرتها على السفّ التقليدي أولاً، وضمن القواعد الموروثة. ثم بعد ذلك تكسر القواعد بطريقتها، ومن أجل ما تُريد..!
أسلوب جديد
الذين يشترون منتجات الخوص؛ واقعون تحت تأثير نوستاليجي حنينيّ. إنها جزء من الموروث العميق. وما كانت تريده “معصومة” هو الخروج عن المألوف؛ بجعل الخوص قطعاً فنية ذات معنىً حديث. والبداية؛ هي المجسمات الخوصية. فكرة لم تكن الأمهات والجدات يبالين بها، أو حتى يفكرن في أبعد من تلوين الخوص قبل السفّ.
لكنّ مجتمع القطيف رحّب بها، ووجدت منتجات “معصومة” قبولاً من المهتمين بالخوصيات. وفتحت الفعاليات المتنوعة في المنطقة الشرقية لها باباً لعرض ما تسفّه أصابع “معصومة” من باقات ورد ملونة، ومجسّمات، ولوحات تُشبه أعمال “الكولاج” في التشكيل..!
بعد المجسّمات؛ فكّرت “معصومة” بشكل تجاري أكثر. صنعت حقائب نسائية من الخوص. حقائب ذات جيوب داخلية، ومقابض، وذات أقمشة، وجلد أيضاً. وملوّنة ومزخرفة.. من الخوص. النسيج الهش الضعيف تطوّر من “قفة” إلى حقيبة، بعد أن نجحت معصومة في جعله أزهاراً.
تطريز الخوص.. مشكلة تحوّلت
إلى حلّ فني.. باستخدام التقنية
وبعشق طفلة عمرها 9 سنوات، وحب يتجدد مع مراحل العمر، ما زالت “معصومة” تمارس مهنتها في صناعة منتجات سعف النخيل بمهارة واتقان، وجعلا منها أبرز الحرفيين والحرفيات في هذا المجال في صفوى والقطيف، وربما المملكة أيضاً.
وبعد صبر طويل، وبحث عن طرق لإثبات الذات، تلقت معصومة، البشرى باختيارها ضمن نخبة فنانين يمثلون المملكة في المعرض العالمي “ارتيجانو ميلانو” في إيطاليا، هدفهم الأول نشر ثقافات المملكة وتراثها في إيطاليا التي تتوسط القارة الأوربية.
وترتكن معصومة على خبرة تصل إلى 17 عاماً في التعامل مع سعف النخيل وصناعة منتجات الخوص. ويُحسب لها أنها أول من أدخلت باقات الورد إلى الخوص، بابتكار طرق جديدة لم تكن موجودة من قبل، أثمرت اليوم عن منتجات حديثة، لفتت الأنظار إلى ما تصنعه يداها.
تدريب المدربين في إثراء
شكر
وقدمت معصومة شكرها إلى وزارة الثقافة، وهيئة التراث، على اختيارها، وللرؤية الوطنية. وقالت “هذه المشاركة هي نتاج تشجيع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للفنانين السعوديين والحرفيين، ودفعهم إلى نشر أعمالهم، والوصول إلى العالمية”.
ولا تقتصر خبرة معصومة على صناعة منتجات سعف النخيل، وإنما امتدت إلى صناعات تراثية أخرى، امتلكت أسرارها، وقدمت فيها منتجات نالت إعجاب الكثيرين، مثل الحناء، والخياطة، إلى جانب خبرتها في التطريز على الخوص، باستخدام ماكينات خاصة.
تطريز الخوص
وتقول معصومة “بدأت سفّ الخوص منذ أن كان عمري 9 سنوات، فكنت أساعد أمي في “تقشيم” الخوص، وبعدها، تعلمت طريقة السفاف القديم، وهنا قررت أن أكون مختلفة عن الآخرين بابتكار أفكار جديدة، حتى أكون صاحبة مبادرات تستطيع تطوير منتجات الخوص القديمة المتعارف عليها”.
وتُكمل “أعتبر أول سيدة تدخل الورد إلى منتجات سعف النخيل، وأول من صنع فوانيس من الخوص، لتعلق في الممرات التراثية داخل مدينة صفوى، وهو ما لفت الجميع إلى منتجاتي”.
فلسفة خاصة
تمتلك معصومة فلسفة خاصة بها في ممارسة أعمال سعف النخيل. وتقول “هذا العمل هو موروث جميل، قدم الجمال والتراث إلى هذا البلد المعطاء، وأشعر بالحزن لأن الناس يتركون هذا الموروث، تحت مزاعم واهية، بأن العالم من حولنا صعد إلى القمر، ونحن مازلنا نصنع منتجات من سعف النخيل، ولهذا السبب تحديداً، تمسكت بهذه الصناعة إلى الآن، وسعيت إلى الابتكار فيها، بإدخال أفكار جديدة إليها، حتى أثبت للجميع أن كل المجالات التراثية قابلة للتطوير والتحديث بحسب مستجدات العصر”.
وتتابع “ابتكرت الكثير من الأشكال والتداخلات في منتجات سعف النخيل، واخترعت أشياءً لم تكن موجودة، فإلى جانب إدخال باقات الورود على منتجات سعف النخيل، صنعت الثريات، وطورت صناعة الشنط، ونسجت السجاد بالزخارف، وصنعت الأشكال الهندسية المتشابكة”.
شاركت في فعاليات رسمية وكُرمت
شيء خاص
تقول معصومة بفرح “أستطيع التأكيد اليوم أنني نجحت في صناعة شيء خاص بي، وهو تطريز شعاري على الحقائب النسائية التي أصنعها، هذا النجاح جاء بعد فشل تجارب كثيرة، وخسارات مالية، وتبديل أدوات في الماكينة الإلكترونية التي استخدمها”.
وتضيف “أُقر بأن هذا النجاح تأجل بعض الشيء، ولكنني تسلحت بالإصرار، فمازلت أعشق الخوص، وأطمح في تدريس أسراره للأجيال المقبلة، وتسجيل الابتكارات التي أنفذها باسم المملكة”.
مهن التراث
خلال الـ17 عاماً التي قضتها معصومة في ممارسة المهن الحرفية والتراثية وتطويرها، كان لها مشاركات مختلفة في العديد من المناسبات. وتقول “شاركت مع جمعية العمل التطوعي في العام 2019، في مناسبة يوم التمريض العالمي، ومهرجان “ربيان الشرقية”، واليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، واليوم الوطني في مركز صحي غرناطة، والملتقى السنوي الثامن لمستجدات أبحاث الجمعية الأميركية للأورام”.
وتُكمل “كما كانت لي مشاركات أخرى مع فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة في محافظة القطيف، من خلال مهرجان “ربيان الشرقية”، وأسبوع البيئة، الذي كان بعنوان “نحمي بيئتنا لرفاه مجتمعنا” في العام 1440، قبل أن أشارك في فعالية مع نادي الحي بالثانوية الأولى بحزم أم الساهك، ونادي الإبتسام بأم الحمام في فعاليات الأسبوع الترفيهي للطفل عام 1440، ومشاركة مؤسسة التخييم الفني في مهرجان “حلوة يا بلادي”، المقام في نادي الابتسام في أم الحمام، خلال عيد الفطر المبارك عام 1440، ونادي الصفا الرياضي، وفريق مُشاة صفوى للسيدات في فعالية “امش لأجل صحتك”، الذي عقد عام 2019.
مشاركات
ولا تقتصر مشاركات معصومة على ما سبق، وإنما كان لها مشاركات أخرى، منها فعالية بعنوان “كلنا أسرة”، نظمها مستشفى الولادة والأطفال في الدمام في اللقاء السنوي الترفيهي لمرضى الرعاية، وشاركت متطوعة في مبادرة ملتقى المحبة والسلام، الذي أقيم في نادي ذوي الإعاقة في المنطقة الشرقية، وتطوعت مرة ثانية مع فرع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في المنطقة الشرقية (سابقاً) في مهرجان سفاري بقيق لمدة 10 أيام، ومرة ثالثة مع جمعية العطاء النسائية الخيرية في القطيف، في معرض “صنعتي 2018″، وأشرفت على أركان السيدات المنتجات والمقام بمعرض الظهران الدولي في عام 2018”.
كما شاركت معصومة أيضاً في مهرجان “ماراثون الألوان الخيري” في كورنيش القطيف عام 2018، ومع “صحة الشرقية” في تفعيل يوم التمريض العالمي عام 2019 في دار الرعاية الاجتماعية للمسنين في الدمام، قبل أن تتعاون في خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة في فعالية اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، التي أقيمت في مركز التأهيل الشامل للإناث في الدمام، ومع قسم أورام الأطفال، والقسم الترفيهي في مستشفى الملك فهد التخصصي في الدمام، ضمن فعالية اليوم العالمي لسرطان الأطفال عام 2019.
وحصلت معصومة خلال مسيرتها على شهادات شكر وتقدير، منها شهادة حصلت عليها من ملتقى الثلاثاء الثقافي، لاهتمامها بالتراث، ونسج المشغولات التراثية منذ 15 عاماً.
———————
بنت الملا صالح
نشأت “معصومة” في منزل والدها الخطيب الواعظ المعروف في صفوى؛ الملا صالح أحمد عبدالله علي آل حمدان. ولد والدها سنة 1336هـ؛ أي بعد دخول القطيف الحكم السعودي بـ 5 سنوات، وتوفي سنة 1418هـ، عن عمر 82 سنة.
تعلم القرآن الكريم والكتابة على يد السيد هاشم السيد شرف المير، في سن التاسعة، ثم هاجر مع والديه إلى البحرين ومنها إلى العراق وقضوا فيها عاماً كاملاً، ومن ثم عادوا الى البحرين واستقروا بها خمس سنوات. وخلالها تردد على الملا عطية الجمري وتعلم منه الخطابة.
وبعد عودة الأسرة إلى صفوى، بدأ الملا صالح في صعود المنبر، وقصده الناس لسماع مواعظه ومجالسه.
كان، أيضاً، معلماً للقراءة والكتابة وقواعد اللغة العربية وبعض مسائل الفقه، كما كان مرشداً في حملات الحج كحملة الشماسي في القطيف وحملة الخويلدي.
———————
المعلّمة الأولى
تعلمت “معصومة” حرفة السفّ على يد والدتها فاطمة علي حسين آل دهيم، وهي بدورها تعلّمت منذ سن مبكرة على يد والدتها. كانت الأمّ عملية، وتعدّ منتجاتها بهدف الاستخدام، لكنّ أكثر ما تصنعه تبيعه على الناس، وتسوّقه في سوق الخميس التا
ريخي في مدينة القطيف.
كان الناس يقبلون على الشراء، ولذلك تذهب، أسبوعياً، ومعها “زنبيل” كبير، وفيه قفف صغيرة ومراوح. وكان المروحة الواحدة ريالين. وقد استمرّت على ذلك سنواتٍ طويلة، حتى توقفت مع تقدمها في السن. وما زالت الحاج فاطمة تمارس السفّ كنوع من التسلية وتزجية الوقت.
التقرير برعاية
أنا سعيدة بك يابنت بلادي وفخورة خصوصا أنك من بلدتي الحبيبة صفوى
الى الامام والاعلى دائما
ماشاء الله أنتي فخر لكل السعوديات عامة والصفوانيات خاصة بارك الله فيكي وسددخطاكي
نفخر بك دائماوالى الأعلى إن شاء الله.