[سيرة طالب 8] حرز السيد السبزواوي في أزمة الخليج
الشيخ علي الفرج
هنا جولة عجيبة بتأثير حرز السيّد عبدالأعلى السّبزواري (ره)، وكان ذلك ضمن أربعة مواقف في سفر واحد:
(1)
اضطربت العلاقة بين الجارتين، الكويت والعراق، وأيضاً بين السعودية والعراق، ونحن في النجف الأشرف. والغريب أن نرى آثار ذلك الاضطراب قد امتدّت إلى العلاقة بين المقيمين في العراق.
فضعفت العلاقة بيننا وبين وبعض العراقيين السّاكنين في النجف، وأنا شخصيًّا في طريق الحويش أسمع من بعض البائعين من يطلق عبارات التندّر والسخرية منّا.
وعلى كلّ حال، اضطربت الحياة وظهرت آثار الحزن والكآبة على الجميع، وقد سافر أكثر الطلاب السعوديين، ونحن لم نزل بَعْدُ ساكنين في النجف.
فانتقلت في وقت نومي فقط إلى سماحة الشيخ ميثم الخنيزي، وقد كان يقطن في مدرسة الآخوند الخراساني الكبرى، نتشاور في أمرنا؛ هل نبقى في النجف أو نحزم أمتعتنا استعداداً للخروج من العراق كلّه!.
أطِعْني، تكنْ مثلي
ولمّا كنّا غير متّفقين على رأي واحد، والتردّد والحيرة تعصف بنا، لم يكن أمامنا سوى الاستخارة، فاجتمع الرأي أن نستخير بالقرآن عند *السيد الخوئي* (ره).
وبمجرّد أن كنّا في مجلسه، طلبنا منه الخيرة.
فتح السيّد القرآن، وقال: *”استعجلوا في سفركم”*.
ففوجئنا بعبارته؛ لأننا لم نخبر سماحته أنّ استخارتنا كانت بغرض السّفر أو عدمه.
وفي اليوم التالي عملنا بنتيجة الخيرة دون تردّد، فرحنا نستعدّ لحزم حقائبنا، وكذلك لم ننسَ تغذية أبصارنا وأرواحنا بمشهد الحضرة العلوية، فأسرعنا لوداع أمير المؤمنين (ع)، ومن ثم عزمنا على زيارة السيّد عبد الأعلى السبزواري (ره).
وفي طريقنا إليه وجدنا سيّداً مهيباً من طلبة العلم، وقد عمّر أكثر من ثمانين عاماً، محدودب الظهر يتوكّأ على عصا.
لم أكن أعرفه شخصيًّا وسلّمنا عليه سلام مودّع، وسأله الشيخ ميثم:
*بِمَ تنصحنا في سفرنا هذا اليوم؟*
فأجابنا: خذوا هذا الحرز، يرفع عنكم البلاء، وهو آية قرآنية، قوله تعالى:
*{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً}* [الإسراء: 28].
فسألت الشيخ ميثم عن اسمه، فأجابني: السيّد نعمة الله الجزائري، واسمه يتّفق مع السيد نعمة الله (1050-1112هـ) صاحب كتاب *الأنوار النعمانية*(١).
الحرز المتين
وفي مجلس السيّد السّبزواري قلنا له: إذا أردتم أيّ شيء من القطيف فنحن سنسافر في هذا اليوم!
فقال لنا: سلّموا على الشيخ منصور البيات، وأوصلوا له هذا الحرز *(لا إله إلّا الله الحي القيوم، ذو الجلال والإكرام، ربّ السّماوات والأرض)*، فحفظنا ما أمرنا به السّيد.
ولما عزمنا على الخروج من المجلس تشاورنا في أمر الاستفادة من الحرز؛ لا سيّما وأنّ طريق سفرنا محفوف بالمخاطر، فنحتاج إذن السيّد المرجع، فأذن لنا سماحته.
ومن النجف الأشرف انطلقنا متوجّهين إلى كربلاء العزّ والخلود؛ لزيارة ووداع الإمام الحسين الشهيد وأصحابه (رضي الله عنهم أجمعين)، ففي كربلاء تتوفّر مكاتب السّفر والسّياحة، فكنّا ضمن المسافرين في الحافلة المتوجّهة إلى منطقة الحديثة.
المفاجأة!
وفي طريقنا من كربلاء إلى الحدود العراقية فاجأنا أمران:
*الأول*: آلاف المصريين على الحدود العراقية ينتظرون بلهفة من يُقلّهم في حافلة أو أيّ وسيلة أخرى تخلّصهم من تبعات وآثار الأزمة الخانقة التي فُرضت عليهم.
*الآخر*: أنّ سائق الحافلة التي كانت تُقلّنا لم ينفّذ ما وعدنا به من الوصول إلى قرية الحديثة (تقع بمنطقة الجوف السعودية وبها منفذ الحديثة، أكبر منفذ برّي في الشرق الأوسط، وهي بوابة الدخول الرئيسة إلى الحجاز للحجاج القادمين من بلاد الشام وتركيا وروسيا والشيشان عبر الأردن)، بل توقّف عند الحدود العراقية ليرجع إلى كربلاء.
كنّا في ذلك الوقت حائرين في أمرنا، ولم يكن بوسعنا استئجار سيّارة توصلنا إلى هدفنا، فآلاف المصريين كانوا أشبه بالصقور التي تنقضّ على فريستها، إذ ما تمرّ وسيلة نقل مثل السيارات أو حتى الشاحنات إلّا ويتشبّثون بها.
وفي خضمّ تلك الأوقات الحرجة، تذكرنا حرز السيّد السّبزواري، فهذا أوان الإفادة منه.
اِعقلْها، وتوكّل!
اتفقت مع الشيخ ميثم أن نكرّر عبارات هذا الحرز بإخلاص وتوجّه إلى الله عزّ وجلّ كي يخلّصنا مما نحن فيه، وما إن انتهينا من تلاوته ثلاثين مرّة تقريباً، إذ بسيّارة صغيرة تقف قريباً منّا ويشير إلينا سائقها أن نركب معه، لكنّ حشداً من المصريين انقضّوا على السيّارة كمن وجد ماءً في صحراء قاحلة، والسائق يشير إليهم قائلاً: *لا أريدكم، لا تفتحوا الأبواب!*
فهي مغلقة بزجاجها إغلاقاً محكماً.
استمرّ هذا المشهد المؤلم ما يقرب من خمس دقائق تقريباً حتى تمكّن اليأس منهم فابتعدوا عن السيّارة، ليشير إلينا مرّة أخرى أن نركب معه.
لكنّ عيون ذلك الحشد لم تزل تترقّب تصرّف ذلك السّائق الذي بمحرّد إشارته إلينا، هجموا علينا، وهو يشير إليهم: *لا أريدكم، لا أريدكم!*
فعاد اليأس إلى نفوسهم مرّة أخرى وتركوه.
الانتصار
حتى كانت الإشارة الثالثة منه، ليهجموا بقوة أكبر من سابقتيها، فثار الغبار من معركتنا معهم، كلّ طرف يريد الفوز بالركوب، حتى أمسكنا باب السيّارة وفتحه السائق لنستقرّ داخلها رافعين راية الانتصار بفضل الله ورحمته بنا، وليس بعيداً أن كان ذلك الحرز وسيلة من وسائل نجاتنا وفوزنا بالوسيلة التي توصلنا إلى هدفنا الذي نقصد.
تابع …
_________________
(١) أوعز العلامة محمد باقر المجلسي السيد نعمة الله الجزائري مع مجموعة من العلماء مهمة إعداد مصادر كتابيه المعروفين اللذين يعدّان من الموسوعات الكبرى في علم الحديث عند الشيعة، وهما: *بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول*، كما ساهم بجمع أكثر من أربعة آلاف كتاب قد استنسخهم بيده. [أعيان الشيعة: ج10 ص226].