أبو مسعود “الزوري” يكشف الأسرار: سرقة أطفال من تنزانيا وبيعهم في الخليج من مسقط إلى دار السلام 8 أيام من سماء سوداء وبحر بلا قاع

الزور: أمل سعيد، ليلى العوامي

بتمرة واحدة تستميل طفلاً، فيسافر معك إلى أي مكان، حتى أنه يمكنك الاتّجار به، وبيعه في سوق النخاسة التي كانت رائجة في بعض حواضر الخليج قبل عقود طويلة.

البحار علي بن مسعود بو فلاسة؛ واحدٌ من شهود تلك المرحلة البغيضة، فقد سافر عبر بحر العرب والمحيط الهندي إلى سواحل أفريقيا للاتّجار في الأخشاب، لكنّ تجارة جانبية شاهدها بأم عينيه، ويتحدث عنها بامتعاض، هي تجارة البشر، وبالذات الأطفال الجائعين..!

الحلقة السابقة

سردت الحلقة السابقة قصة “أبو مسعود”، وقصة عشيرة “بو فلاسة” التي جاءت إلى قرية الزور سنة 1311هـ، وعمّرتها، قبل أن تتسلسل الهجرة منها خلال الخمسين سنة الماضية.

وتناولت القصة عمله في الغوص والصيد في شواطيء تاروت وراس تنورة والجبيل، وكذلك عمله في الأسماك في القطيف، وشحن الأسماك إلى الكويت. ففي النقطة الأخيرة؛ دخل مرحلة سفر مختلفة عن كلّ تجاربه السابقة في البحث عن اللؤلؤ وصيد الأسماك..!

سفر السواحل

بعد التحاقه بالعمل في نقل الأسماك إلى الكويت؛ التقى علي بن مسعود بو فلاسة برجلٍ هناك اسمه اسعيد كلاتي، وهو من آل بو فلاسة. وحين عرف كلٌّ منهما الآخر من نسبه؛ نصحه كلاتي بترك العمل في الأسماك؛ ودعاه إلى تجربة “سفر السواحل”.

كلمة “سفر السواحل”؛ تعني ـ عند بحّارة الخليج ـ الإبحار الطويل إلى بحر العرب، وزيارة “مسقط”، ثم الإبحار إلى شواطيء أفريقيا للعمل في نقل بضائع من تنزانيا إلى أسواق الخليج.

ما زال “أبو مسعود” شابّاً وقتها؛ وقد أغراه العرض؛ بعد تكرار الإلحاح، فعاد إلى الجبيل، واستخرج جواز سفر.. يقول وقتها كان الجواز خاصاً بسفرة واحدة فقط. ثم سافرتُ إلى الكويت، والتقيت الرجل، وانتظرنا حتى “ضربت الروعة وهي نجوم الثريا، ثم أبحرنا من الكويت إلى “مَسْكَتْ”، واستغرقت الرحلة خلال 4 أيام، في سفينة شراعية”.

وبعد الاستراحة في مسقط، عاد أبو مسعود ورفاقه إلى مغامرة أعمق وأبعد.. ركبوا البحر إلى شواطيء أفريقيا.. “ثمانية أيام بلياليها في عرض البحر، تحتك ماء وفوقك سماء، لا ترى شيئا غيرها، إلا أن يكون ضوءاً قادماً في الليل من لنج آخر”.

ويُكمل وصفه السماء “قبة سوداء وتحتها بحر ليس له قاع”.. يضيف “واصلنا الإبحار حتى لاح برّ أفريقيا”.

تنزانيا أرض خضراء، لكنّ أهلها فقراء.. كان سفرنا تجارة، لجلب أنواع مطلوبة من أخشاب أشجارها الطويلة جداً.. أطول من بناية ذات 3 طوابق.. يُسقطون الأشجار ويعدونها للتصدير، ومنها خشب “الدنچل” الذي يُسمى ـ أيضاً ـ بـ “الچندل”، وخشب “الأبياص” و “المنجرور” و “الساي”.

سرقة الأطفال

لكنّ من التجّار من يجلب بضاعة بغيضة من سواحل دار السلام وتانغا وموباسا.. يقول أبو مسعود “في سواحل أفريقيا الناس فقراء لا يملكون شيئاً، إذا أعطيت طفلاً منهم تمرة، فسوف يشعر بالامتنان لك، ويركب البوم ـ السفينة ـ ولا ينزل، فقط لأنه وجد من يُطعمه..!”.

يُضيف “وببساطة يقبل السفر معك على أمل أن يضمن قوته، تاركاً أهله دون أن يُدرك ما ينتظر مستقبله المظلم”.

بهذه الطريقة كان بعض التجّار يستغلون جوع الأطفال في تلك البلاد الفقيرة، كانوا يسرقون الأطفال ويأتون بهم إلى بعض حواضر الخليج ليبيعوهم عبيداً، كان ذلك قبل تحرير الرقّ في الخمسينيات الميلادية.

هي تجارة مربحة وسهلة، حتى أن بعض الشعراء يفاخر بجلبه 7 أطفال درّت عليه ربحاً يزيد عن مكسبه في عامين.. يقول:

يا كوس هبّي من حدره طلايع نُوْس

هبي على سفرة سواحل بِعْيِلْهْ

ربي رزقني من الخدم سبعة روس

أحسن من يوشة حورين وشحنة قندلة

والمعنى هو أن قائل البيتين يتمنّى هبوب الطلائع المناسبة للسفر إلى السواحل البعيدة بعجَلة، فسبق أن رزقه الله ـ كما يقول ـ 7 رؤوس من البشر جلبت عليه ربحاً يعادل ربح عامين في التجارة المشروعة..!

ومع ذلك؛ يسمّي ذلك “رزقاً”…!

زواج خاسر

ومن الأمور التي لفتت الشاب بوفلاسة أثناء سفره إلى أفريقيا هو زواج بعض البحارة هناك، يقول “كان معنا شخص اسمه اسعيد الجندو من الشارقة تزوج هناك، حاولنا ثنيه عما هو مقدم عليه، لكنه لم يستمع لأحد، تعرف على امرأة وتزوجها، وما لبث أن تركها على أمل أن يرجع لها في سنته القادمة، لكنه تأخر في الذهاب إليها وحين ذهب رأى طفلاً شعر أنه ابنه، كلمه ولم يرد عليه، تبعه إلى دخل في المكان الذي كانت تسكن فيه زوجته، لكن لم يكن بيتاً من سعف كما تركه بل أصبح قصراً..

ويستدرك البو فلاسة “بقيت في سفر السواحل 3 سنوات، ذهبت خلالها 3 مرات إلى سواحل أفريقيا، وكانت الوجهة تانقا ودار السلام”.

دليل البحارة

كل هذا السفر على سفن شراعية، لا محركات فيها.. وكان النوخذة قديماً يستهدي في البحر على ما يُعرف بـ “الديرة” والساعة البوصلة، ثم أتت “النايلة” الإنجليزية، وهي حسابات فلكية خاصة بالملاحة. وهناك بحّارة عرب كانت لديه “نايلتهم”، مثل عبدالوهاب القطامي، وراشد بن فاضل، وسيد خليفة من البحرين أيضاً.

بلادي عزيزة

عاش أبو مسعود قرابة 85 سنة، ويقول إن عمره الرسمي أكبر من الحقيقي، مع ذلك؛ في ذاكرته الشيء الكثير ليحكيه عن حياة الزور والبحر والبحارة والسفر عبر لجج الموج منذ ما قبل المحركات..

وعلى الرغم من مغادرة آل بو فلاسة الزور التي عمروها منذ 132 سنة؛ فإنه بقي متمسكاً بالأرض التي نشأت عليها بعض أسلافه هنا، في جزيرة تاروت، بجوار سنابس ودارين.

يقول إن من أسباب هجرة أهله عنها هو شركة أرامكو التي التحق بها كثير منهم، وبنوا بيوتاً لهم في الدمام والخبر، وبعضهم هاجر إلى البحرين وقطر والإمارات، وبقي هناك، مع بعض التواصل المتقطع بين فينة وأخرى..

والآن؛ هو آخر من بقي من آل “بو فلاسة”.. ويكرر:

بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ

وأهلي وإن ضنُّوا عليَّ كرامُ

اقرأ ايضاً

آخر شُهود قرية الزَّوْر: 132 سنة لقصة وُلدت قبل الحكم السعودي بـ 8 سنوات

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×