[الحلقة الأولى] ثُنائية “السادة” و “العَوَام” في مجتمع القطيف قراءة لغوية في مجتمع ما قبل النفط
حبيب محمود
لا يُناقش سكان القطيف المسألة الإثنية الخاصة بـ “السادة” على نحوٍ مجهور. تلك واحدةٌ من أشدّ المسائل حسّاسيةً وإثارة للمشاكل، في حسابات الناس. يُمضون الأمور على حالها، تاركين نزاعات حملة لقب “السادة” ضامرةً ـ وحية ـ فيما بينهم، وعلى ذمم الأسر التي توارث أبناؤها الألقاب والمكانة.
وكما هو حال الحواضر الإسلامية التقليدية؛ يتمتّع المنتسبون إلى بني هاشم بتفضيلٍ اجتماعي راسخ في وجدان الناس امتداداً لفعل تعبّدي يجعل من “المودة في القربَى” أمراً مفروغاً منه. السادة هم السادة، فقيرهم وغنيّهم، رجلهم وامرأتهم، كبيرهم وصغيرهم.
ويحصل الجميع على لقب “سَيّدْ” أو “سَيْدَهْ” قبل النداء أو الإشارة الاسم..!
ألقاب
وفي الصكوك والسجلاّت القديمة كانت أسماؤهم تُكتب مركّبة ترسيخاً للتبجيل؛ فيُكتب ـ مثلاً ـ السيد محمد بن السيد عباس بن السيد علي، حتى ينتهي الاسم بالعائلة. حتى كناياتهم تحتفظ بلقب السيد؛ فيقال: أبو سيد محمد، أبو سيد صادق، أم سيد أحمد.. وهكذا تترتّب الصيغ.
التبجيل ولّد صيغةً سائرة ساجعة تقول: “إذا بغَيْتْ السعادهْ؛ عليك بِمْصاحَبْ السادة”. ومعناه؛ أن صُحبة الساده تولّد السعادة. هذه الهالة أحاطت بالأسر المنتسبة إلى البيت النبوي الشريف؛ وقسَمت الناس ـ عرقياً ـ إلى شريحتين: سادة وعَوَام. بحيث يتمايز العرقان تمايزاً إثنياً تتبدّل بفعله الامتيازات. ومن ذلك؛ لو تزوجت امرأة من العوامّ هاشمياً؛ فإنها تُكنّى ـ تلقائياً ـ بـ “أم السادة”، أو “أم هاشم”، حتى وإن لم تُنجب. ويُكنّى حتى السيد العِزِب، أو العقيم، بـ “أبو هاشم”، أو “أبو السادة”..!
عُرف لا شرع
وعلاوة على ما يتمتع به السادة من حقوق فقهية، كحُرمة التصدّق عليهم، وواجب إعطائهم الخُمس؛ فإن دائرة التبجيل اتّسعت لتشمل كثيراً من مظاهر الحياة والسلوك الاجتماعي. فقد امتنع الناس عن أشياءَ اعتبروها حقاً (عُرفياً لا شرعياً) محصوراً في السادة وحدهم. من ذلك شكل اللباس، فقد كان السادة يرتدون “الغِتَر” الخضراء والسوداء، وغيرهم يمتنع عن ذلك تمييزاً واحتراماً للسادة.
ومن ذلك؛ استخدام أسماء بعينها لأبناء السادة دون أبناء العوَام:
عَـلَويْ:
اسم يحصل عليه مَن أمه وأبوه من السادة. ويُنادى ـ في هذه الحالة بأحد اسمين: سيد علوي، أو علوي. وهذا الوصف ولّد “علويين” آخرين ليس لهم علاقة بالسادة، فمن كانت وأمه وأبوه من عشيرة واحدة يقال له “علوي أسرته”. ومثلاً؛ إذا كانت الأم والأب من آل محمود؛ فإن الابن يُقال له “علوي آل محمود”، تشبّهاً بالعلوي السيد..!
هاشم:
اسم لا يمكن أن يحصل عليه إلا “سيد”، ويستهجن الناس: من يُطلق اسماً على ابنه وهو من غير السادة.
ميرزا
الكلمة فارسية، وأصلها “الأمير زاده”، وهو اسمٌ يُطلق على من أبوه من العوام وأمه من السادة. وقد يكون “ميرزا” اسماً ولقباً، أو لقباً فحسب، فيقال: ميرزا محمد، لقباً واسماً معاً، أو قد يُسمّى “ميرزا”.
مبالغة الحصر
وهناك أسماء كانت بعض البلدات والقرى تبالغ في حصرها في السادة، مثل: أمجد، أزهر، أيمن، نجيب، شريف، أشرف، عدنان.. إلخ
وينطبق الحال على أسماء الإناث أيضاً، مثل: علوية، هاشمية، بتول، شريفة، نجيبة.
يُتبع