علاقة الإخوان بوكالة المخابرات المركزية (CIA)
محمـد السـنان*
عندما تأسست جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928م، من قبل حسن البنا، لم يكن الهدف المعلن هو الولوج في عالم السياسة أو التعاطي معها، بل كان الهدف هو نشر الوعي الديني والدعوة للإصلاح والمطالبة بإدراج التربية الدينية ضمن المنهج المدرسي، مما دفع بالكثير من الناس البسطاء وطلاب المدارس إلى دعمها والانخراط في صفوفها. لكن يبدو أن الانتشار السريع للحركة واكتسابها جماهيرية عريضة بالسرعة التي لم تكن تخطر على بال المؤسس أدى إلى سرعة إقحام التنظيم في الشأن السياسي وتشكيل جبهة معارضة للسلطة ذات نكهة دينية، وقد قام الكاتب البريطاني (جون كيمش) بتنبيه السلطات المصرية في الأربعينات إلى وجود دولة داخل الدولة، مما دفع النقراشي باشا – رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت – لاتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، واعتقال معظم أعضائها، ومصادرة أموالهم.
وكان من تداعيات ذلك القرار قيام الإخوان باغتيال النقراشي باشا ورد الحكومة الفوري باغتيال مرشدهم «حسن البنا». لكن جاء حل تنظيم جماعة الإخوان متأخراً جداً، فقد تمكن التنظيم من التغلغل داخل صفوف الجيش واحتلال أماكن متقدمة فيه، بل إن بعض ضباطه ممن شاركوا في صنع ثورة يوليو عام 1952 قاموا بأدوار فعالة جداً في كسب الدعم الأمريكي للثورة، عن طريق اتصالهم وتنسيقهم المستمر مع الملحق العسكري الأمريكي، وكانوا يعقدون عدة اجتماعات في منزل الأخير الكائن في حي الزمالك التي حضر بعضها جمال عبدالناصر، حيث كان يتركز النقاش حول مساندة الثورة والقيام بالتسليح والتدريب ومقاومة الخطر الشيوعي في الشرق الأوسط، وكانت أمريكا ترى أن بقاء الوضع في مصر على ما هو عليه ينذر بانتشار الشيوعية.
وبعد نجاح الانقلاب عام 1952م بفترة وجيزة بدأت تدب الخلافات بين جمال عبدالناصر ومؤيديه من الضباط الأحرار مع بعض قيادات الإخوان الذين كانوا يحاولوا توجيه بوصلة النظام الجديد وفق منظورهم، وإصرارهم على صياغة دستور جديد في محاولة لأخونة الدولة، بعد أن نجحوا في استمالة اللواء محمد نجيب ضد عبدالناصر للاستفادة من شعبيته الجماهيرية والعسكرية، مما أعطى عبدالناصر المبرر والحجة القوية للتخلص من محمد نجيب، وحل تنظيم الإخوان المسلمين.
في تلك الأثناء كانت العلاقات المصرية السوفياتية قد توطدت، مما أغضب الولايات المتحدة التي وجدت في الإخوان فرصتها لمساعدتهم ومد جسور الروابط معهم سراً لزعزعة وإسقاط نظام عبدالناصر، وذلك من خلال اتصالهم بتنظيم الإخوان عن طريق التنسيق مع بعض الضباط الإخوانيين ودفعهم إلى تصعيد مواجهاتهم مع عبدالناصر والتي تجلت في قيامهم بمحاولة اغتيال عبدالناصر فيما عرف بـ«حادثة المنشية»، التي كتبت نهاية غير سعيدة لتنظيم الإخوان في مصر وإعدام عرابهم (سيد قطب). وبنهاية العقد الخامس الميلادي كانت وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) قد عقدت صفقات سرية مع الإخوان لدعمهم في حربهم ضد الأحزاب الشيوعية في العالم.
وقد نما هذا التعاون إبان الحرب الأفغانية، لكن ما لبث أن تراجع هذا التعاون بعد سقوط حكومة بابراك كارمل المدعومة من السوفيت وسيطرة الحركات الإسلامية على كامل الأرض الأفغانية. ومن ثم تدهورت هذه العلاقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث وجهت لتنظيم القاعدة الاتهامات بضلوعهم في تفجير برجي مركز التجارة الدولية في مدينة مانهاتن بنيويورك بصفته الجناح العسكري للإخوان، ولكن بعد مجيء الرئيس بوش الابن إلى السلطة، وتحديداً في ولايته الثانية كانت الموازين الدولية قد تغيرت وأصبح نفوذ الإخوان المسلمين يتعاظم في القارة الأوربية وبخاصة في ألمانيا وفرنسا، مما أجبر الإدارة الأمريكية على إعادة النظر في علاقاتها مع الإخوان باعتبارهم قوة لا يستهان بها، فقد عمد الرئيس بوش بتكليف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالدعوة إلى عقد مؤتمر في بلجيكا عام 2006م دعيت إليه بعض التكتلات الإسلامية في الولايات المتحدة مثل الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA) 1963م. والجناح الأوربي لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي تعهدت من خلاله الولايات المتحدة بتقديم الدعم لتلك التنظيمات بشرط أن يوافق الإخوان على نبذ منهج العنف في تغيير الأنظمة التي يخطط لإسقاطها كي لا تتهم أمريكا بأنها تدعم الحركات الإرهابية.
ويلاحظ أن الأحداث المتسارعة التي حدثت في تونس ومصر وليبيا لم تكن مفاجئة للإدارة الأمريكية، فقد جاء تحرك الولايات المتحدة سريعاً. حيث لعبت دوراً بارزاً في لقاء بعض قيادات الإخوان المسلمين مع نائب الرئيس المصري المخلوع عمر سليمان، في عمان. وقد راهنت الولايات المتحدة على الإخوان وبقية التنظيمات الدينية في المنطقة كحلفاء يمكن التعويل عليهم في رسم المرحلة القادمة في أفريقيا والشرق الأوسط بعد سقوط الأنظمة الفاسدة والمهترئة، ومن ثم العمل على تسهيل وصول الإخوان إلى سدة السلطة في تلك البلدان، لضمان تنفيذ الأجندة الأمريكية مستبعدة التعاون مع القوى السياسية الأخرى باعتبارها تيارات يغلب عليها التوجه اليساري والمعادي للسياسات الأمريكية وحليفتها المدللة (إسرائيل) في المنطقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وباحث ومؤلف موسيقي
مقال رائع و ثري بالمعلومات .. شكراً استاذ محمد على هذا المقال الرائع..