الأمم المتحدة.. عجوز في السابعة والسبعين…!
حبيب محمود
من الناحية العملية؛ ليس ثمةَ فرقٌ بين الأمم المتحدة ـ الآن ـ وبين عصبة الأمم أواخر ثلاثينيات القرن الماضي. اسحبوا ذلك على الناحية القانونية أيضاً، فلم يعد للمنظمة الدولية أيّ إجراء “مُلزم” لأيّ دولةٍ، إلا حين تُصادق الدول الخمس معاً، وحين تريد جميعها تنفيذه..!
وفي الأزمة الروسية الأوكرانية؛ تبدو المنظمة الدولية عجوزاً في السابعة والسابعين فعلاً؛ عجوزاً غير قادرة على إدارة شؤون العالم؛ وحماية السلام، وتحاشي الحروب الكُبرى.
من الناحية الأخلاقية؛ لن تتفق دول مجلس الأمن في الأمم المتحدة على شيءٍ يتعارض ومصالح بعضها. وما يمكن تطبيقه في دولةٍ؛ يُرفَضُ مثله في دولة أخرى. وهنا تبدو روسيا ـ الدولة القادرة على استخدام الفيتو ـ أزمةً في ذاتها، ضمن الدول الخمس المتحكمة في أمن العالم.
هذا يعني أن الأمم المتحدة عاجزة قانونياً. ومنحرفة أخلاقياً؛ وفاشلة عملياً.
ومثلما أخفق 58 عضواً في عصبة الأمم في الحيلولة دون وقوع الحرب العالمية الثانية في أواخر الثلاثينيات؛ فإن قرابة 200 دولة عضواً في الأمم المتحدة أشدُّ إخفاقاً ـ الآن ـ في تحقيق الأمن والسلام الدوليّين، وحماية الشعوب من النكال.
المنظمة الدولية التي تقف واهنةً أمام جموح الدول الكبرى حين تقرّر غزو دول أخرى؛ لا يمكن أن تكون إلا مقهىً سياسياً مشغولٌ رُوّاده بأوراق القرطاسية وأجهزة الحاسب. المنظمة التي يتحكّم 5 أعضاء فيها بمصير 200 دولة؛ لا يمكن أن تكون أيّ نوعٍ من أنواع الامتداد الديموقراطيّ الذي تتباهى به الدول الخمس نفسها..!
المجتمع الدوليّ برمّته؛ خانعٌ لإرادات فردية، مغلّفة بطبقة من الشوكولاته. هذه الطبقة اسمها “الأمم المتحدة”. وأسفل الطبقة “الحكومات المتحدة”، ومن بين كل الحكومات؛ هناك 5 حكومات فحسب لها السطوة الساطية على كلّ مؤسسات المنظمة الدولية، بدءاً من اليونسكو إلى مجلس حقوق الإنسان الذي ما زال عاجزاً ـ هو الآخر ـ عن اتخاذ قرار “ملزم” لأية دولة في أي شأن من الشؤون الحقوقية، إلا حين تقرّر الدول الخمس ذلك معاً.
وحتى لو قرّرت الحكومات الخمس؛ فإن عرقلة القرار سياسياً؛ أسهل من توقيعه في مجلس الأمن بحبر 15 دولة. فكيف يمكن معالجة أزمة روسيا والناتو تحت سقف مجلس الأمن، وإحدى دوله طرفٌ مقابل 3 دول أخرى في المجلس نفسه: أمريكا، وبريطانيا وفرنسا..؟
أما العضو الخامس، الصين، فوضعها يكاد يُفصح عن بقية ما لم تُفصح عنه بكّين.. الميل إلى الاتحاد الروسي قبالة الناتو..!
إذا كانت الأمم المتحدة، ومعها مجلس الأمن، قد تعاملوا معاً في إدارة “الحرب الباردة”؛ فإن المنظمة الدولية اليوم تبدو في وضعٍ مخيفٍ يُخاف منها عليها أصلاً.
فعلياً؛ لا وجود لشيء اسمه “الأمم المتحدة” إلا في المباني والموظفين. الموجود، فعلياً، هو خمس دول تلعب بالعالم، كما لعب المنتصرون في الحرب العالمية الأولى بعصبة الأمم، ووجّهوا قراراتها وإجراءاتها صوب مصالحهم.