بوصلة ذات أربع اتجاهات: المتسائلون “المحققون”
محمد حسين آل هويدي
بسم الله الرحمن الرحيم: … «74» وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «75» … صدق الله العلي العظيم – آل عمران.
المتسائلون (المستجوبون) صعبو مراس. كما أنهم يستجوبون حينما يطلب إليهم تقديم احتياجات الآخرين. وهذه طبيعة تعيق الحركة. ولكن قد تكون ذات منفعة في بعض الأحيان: ” أنا على استعداد للمساعدة، ولكن عليك أن تقنعني لماذا تستحق وقتي”. هكذا سيرد عليك المتسائل.
المتسائلون جيدون جدا في تحديد وتلبية توقعاتهم الخاصة. لكنهم يقاومون توقعات الآخرين ويشعرون برغبة قوية في التشكيك في كل شيء. وهم يفعلون ما هو منطقي، حتى لو كان يتجاهل القواعد أو توقعات الآخرين. وهؤلاء على عكس المؤازرين تماما في التعامل مع الغير. المتسائل لن يتبع تعليماتك لمجرد أنك رئيسه، حتى ولو في قضية اتبعها الناس على مدة زمن طويلة ورثوها عن آبائهم، عن أجدادهم. هؤلاء في الواقع غصة للكثيرين، ولكن يحملون حسا كبيرا من المنطق والعقلانية لأنهم يتساءلون ويريدون معرفة سبب وضع القواعد التي ينفذها الناس بعماية؛ سواء، كانت عادلة أو غير ذلك.
التعامل مع المتسائلين مرهق جدا؛ ولكن في الواقع، قد يكونون أكثر ما يفيدك ويفيد المجتمع. ولولا تساؤلات آينشتاين، لما توصلنا للنظرية النسبية وما اكتشفنا الأخطاء التي وقع فيها نيوتن. هذا النوع من الناس الأفضل في اكتشاف العيوب ووضع خطط لتحسين الواقع. هؤلاء ينغمسون لإيجاد بدائل أفضل. وهم من أفضل الناس المناسبين لإدارة مؤسسة تطمح في الريادة. وهؤلاء ممقوتون في أروقة المؤسسات النمطية ومجالس المجتمعات التي تكره التغيير.
ولكن قد تكون التساؤلات المفرطة عائقا وتسبب شلل في التحليل والانطلاق. هؤلاء يسألون للتأكد من اتخاذ القرارات الصحيحة، أو تلك القرارات التي تؤدي لأقل خسارة ممكنة. وعندما يريد هؤلاء شراء غسالة ملابس، قد يصابون بشلل لاتخاذ قرار، وذلك لأن الخيارات المطروحة كثيرة ولكل منها إيجابيات وسلبيات.
المتسائل بحاجة إلى إقناع وتبريرات واضحة. ولكن، وعلى النقيض، هذا النوع من الناس يكره الاستجواب. وبما أننا مأمورون بأن نحمل الناس على سبعين محمل وبما أن اختلافنا رحمة، علينا أن نكون دقيقين في تفكيرنا وواضحين في مبرراتنا حينما نتعامل مع هؤلاء.
إن كان تصرف هؤلاء في مساءلة الآخرين وعدم رضاهم حينما يتم استجوابهم، يبدو وكأنه مفارقة بالنسبة إليك، فأنت على حق – ولكن تظل الحقيقة أن المستجوبين يميلون إلى الشعور بالإهانة عندما يتساءل شخص ما عن دوافعهم أو تفكيرهم. هذا على الأرجح لأنهم دقيقون جدًا في اتخاذ القرار لدرجة أنهم يشعرون أنه يجب النظر إلى اختياراتهم على أنها منطقية بلا شك.
يحب المتسائلون المشاركة بمعرفتهم. وعليه، يمكنك تجنب إيذاء مشاعرهم من خلال صياغتك للسؤال. مثلا، بدلا من القول: “لماذا تفعل هذا الشيء؟” اسأله: “كيف توصلت إلى هذا الاستنتاج؟”
في الغالب، المتسائلون يجيدون أكثر الوظائف. كما أنهم يسطعون في الأدوار البحثية الثقيلة ووظائف المراجعة التي تتناسب مع طبيعتهم الفضولية وموهبتهم في تحسين الكفاءة. ولكنهم لا ينفعون في الوظائف، أو الأدوار، التي تتطلب قرارات كثيرة ومختلفة، مثل تصميم منزل. ومن الأفضل ترك هذه الوظائف للأشخاص الذين ليس لديهم نزعة للوقوع في شلل يعوق التحليل والتقدم. هؤلاء بكل تأكيد لا يصلحون في المواجهات الحربية الساخنة لأنهم عاجزون عن اتخاذ قرارات سريعة.
يكافح المتسائلون لتلبية توقعاتهم الخاصة، بعيدا عن رأي الآخرين فيهم. ومن المؤكد أنك الآن وأنت تقرأ هذه الأسطر ستسرد بعض الذين تراهم ينضوون تحت هذا التصنيف، ولا تثريب أن تضع معهم كاتب هذه المقالة لأنه يميل لهذا السلوك بسبب الطبيعة التي تحتاجها الأبحاث والأعمال التقنية التي تعتمد كثيرا على التساؤل من أجل التحسين ورفع الكفاءة. وبسبب هذه التساؤلات، تمكن كاتب هذه الأسطر من تحسين أداء برامج حاسوبية لتسريعها 13 مرة دون المساس بجودة المخرجات (أي ما كان يأخذ 13 سنة للإنجاز، أصبح يأخذ سنة واحدة فقط). وكذلك حصل على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بالتوصل لحلول جذرية في التعامل مع البيانات الضخمة التي يمكنها أن تُرَكّع أضخم حاسوب في العالم. وكذلك استبدل كاتب هذه السطور حاسوبا يكلف مليار دولار بنظام جديد بالنسبة للعالم يكلف 270 مليون دولار للقيام بنفس المهام، حتى تغير مفهوم التعامل مع هذه الحواسب عالميا. وتم ترجمة أعماله لجميع لغات العالم.
وللحديث بقية عن باقي الفئات الأخرى …