إنتعاشة روح
زهراء محمد |
” تصفية اليوووم … تصفية تصفية تصفية، تصفية اليوووم … تصفية تصفية تصفية “
تسمعه فتظن أن اليوم يوم التصفية ففيه تبدأ وفيه تنتهي، والواقع أنه مذ كانت السّوق وهو يردّد ذات
العبارة.
” كل قطعة عشرة ريال .. عشرة ريال عشرة ريال عشرة ريال عشرة ريال
كل قطعة عشرة ريال .. عشرة ريال عشرة ريال عشرة ريال عشرة ريال “
مناديًا في نفس واحد لايكلّ ولايمل، محققًا الرقم القياسي في النفس الطويل، وصلتُ له فإذا به شريط
كاسيت.
يتناهى لسمعك باسم بصوته العذب :
سيّر يليل الفرح بانغامك علينا
خلّينا ننسى الحزن أرجوك خلّينا
شيصير لو للفرح فد يوم غنّينا
تعبير عن الوفا وشوق الذي بينا
هالليلة نشعل شمع ونعلّق الزينة
بميلاد خير الورى المختار هادينا
تنتشي لذكره الرّوح فيردد اللسان :
اللهم صل على محمد وآل محمد
أنت ورائحة العود التي تحتضنك كلّما مررت بقربها متعارفان متآلفان. الزعتر البري والبهارات المنوعة تحط
على أنفك فتشعل ذكريات سفر منطفئة .
تستوقفك شحاذةٌ هنا وأخرى هناك، وفي ركنٍ ما تسمع من يردّد :
” أمبا رْيال أمبا رْيال أمبا رْيال” كأنّه وعبارته تلك لقطة من فيلم.
أبو نورة وصوته الأنيق يتهادى لسمعك :
” قالت من انت وقلت مجموعة انسان؛ من كل ضد وضد تلقين فيني..
فيني نهار وليل وافراح واحزان؛ أضحك ودمعي حاير وسط عيني “
إيييه .. إيه والله من كل ضد وضد تلقين فيني، تتباطأ رغم عنك فللغناء في الفضاء طعم آخر.
هنا متعة الشمّ والسّمع والبصر والذوق بذات المكان، هنااا سوق السبت.
سوق السّبت المتنقّل ياأحبّة.. منح مدينتنا الطّيّبة مذاقًا أطيب، وحقّ له أن يعد بصمة في سيرتها الذّاتيّة .
فالأسواق الشّعبيّة في كل مكان تعدّ للمدن روحًا، وللمكان ذاكرةً، وللزّمان لوحةً واضحة المعالم تقرأ فيها
النّاس وحياتهم اليوميّة .
وأزعم، أزعم أن الاستكشاف الحقيقي والنّظرة الشّرعيّة لكل سائح لاتتم دون التّسكّع في السوق الشعبي
للمدينة المزارة، فلايحقّ لك التّحدّث عن المدينة كعارفٍ بها إن لم تزر أسواقها فتشم بعطارتها إرث من مضوا
وتحتضن ببخورها أصالتهم وتسمع في نداءات باعتها هويّتهم .
وللأسواق الشّعبيّة مميّزات؛ بضاعةٌ متنوّعةٌ وأسعارٌ معقولةٌ ومكان قريب، وفيها مايخطر بالبال وما لايخطر
فلا عتب علينا إن عدنا محمّلات بما لم نذهب لأجله، فقيمة كل مانحمله بسعر إبرةٍ من مجمّع؛
لذا لن يردّد آدم ممتعضًا :
” ألا ليت ليلى للنصيحة تسمع
وتصغي لقيسٍ عندما تتبضّع
ففي رأسها عند التّبضّع ماردٌ
طويل عريضٌ مستطيلٌ مربّع
تجيء إلى الأسواق من أجل إبرةٍ
وتخرج منها في يديها المجمّع “
وعلى الأماني أغمض عيني متمنّيةً من البلديّة توفير مظلّات دائمة مضاءة بسعرٍ رمزي تقي رزق الباعة من
الشمس والغبار والمطر طيلة العام، أو نقل السّوق إلى إحدى الحدائق العامّة مثلًا لاحتوائها الكهرباء ودورات
المياه مع توفير المظلات بها ..
دعونا نحلم طالما لم تفرض على الأحلام ضريبة بعد، دعونا نحلم ونطرق الأبواب فأغلب الحقائق الملموسة
كانت حلم يقظة، دعونا نحلم ، فلعلّ عنق الحلم يشرئب فيتحوّل إلى واقعٍ جميلٍ ملموس .