بحيرة اتيتلان ــ غواتيمالا
أحمد زكي الصالح
غواتيمالا بلد غني بالثقافة المستمدة من حضارة المايا، التي سكنت أمريكا الوسطى منذ حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، والتي كانت واحدة من أكثر الحضارات كثافة في تاريخ البشرية.
فاليوم، كل من الآثار القديمة والمعتقدات الشعبية والفولكلور الفريد ومجموعة من اللغات المختلفة تحدد الأهمية للتراث الثقافي لدولة غواتيمالا والتي تعد تمثيلًا للتوفيق بين المعتقد الديني للأكثرية الكاثوليكية الناتجة عن الاستعمار الأسباني والاندماج الروحي المرتبط بحياة المايا إذ ما يقارب النصف من السكان في غواتيمالا هم من شعب المايا.
تعتبر بحيرة اتيتلان في المرتفعات الغربية لغواتيمالا، بالنسبة للعديد رحلة عبر الزمن، والمكان الأمثل للتعرف على ثقافة السكان الأصليين الذين جعلوا الجبال المحيطة بالبحيرة البركانية منازل لهم ففي أعماق المنحدرات البركانية، تمتد البحيرة لأميال و التي على ضفافها تسعة قرى لمجتمعات مختلفة من شعوب المايا الأصلية.
كل قرية على البحيرة لها نظامها المجتمعي الخاص ولكنهم جميعاً يشتركون في اللطف والكرم والقيم العائلية والانتماء للمكان والتاريخ.
الوصول إلى القرى يتطلب استخدام القوارب الخشبية المصنعة محلياً والتي لا تبحر إلى أن يكتمل العدد بها .وواحدة من أكثر الصور جمالاً حول بحيرة اتيتلان والملاحظة بمجرد الوصول هي الملابس التقليدية الزاهية حيث تفتخر النساء باستخدام الأصباغ الطبيعية والأساليب التقليدية في نسج الأقمصة و التنانير الأرجوانية المطرزة بالورود والمنسوجة بشكل مزخرف بأدوات تقليدية. بينما الجيل الأكبر من الرجال يرتدي السراويل المخططة، والأحزمة المطرزة العريضة، والقمصان الجبلية الملونة بينما تخلى الشباب عن الملابس التقليدية إلى حد كبير باستثناء في المهرجانات والمناسبات.
ومن أبرز سمات شعب المايا في بحيرة اتيتلان هي مبادراته المجتمعية وعلى رأسها مبادرات جمعية الصوت التعاونية للقهوة في قرية “سان خوان” وهي جمعية ذات تأثير اجتماعي تدعم التنمية المستدامة من خلال أنظمة إنتاج ومعالجة وتخزين وتسويق البن العضوي وتقديم المساعدة التقنية والمالية لشركائها من المزارعين المحليين أصحاب الأراضي الصغيرة المنتجة للقهوة.
سان خوان قرية هادئة تتميز بكونها أكثر أصالة عن باقي القرى الأخرى ولذلك فهي قليلة المطاعم والمقاهي وكثيرة المحلات الحرفية اليدوية المحلية ودكاكين الاستطبابات العشبية الشعبية التي هي أيضًا جزء مهم من الثقافة والتقاليد لشعب المايا.
إلا أن من بين المطاعم المحلية قليلة العدد هناك؛ يبرز مطعم فريد من حيث الفكرة التي تعزز الاندماج الاجتماعي والعمالي للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في سان خوان والبلديات المجاورة إذ أن جميع العاملين في المطعم من ذوي الإعاقة ويعود عائداته إلى مجتمع المعاقين في البلدات المنتشرة حول البحيرة ويقدم يوميًا أطباقاً نباتية ذات نكهة مميزة يتم حصادها من المزرعة مباشرة.
قرية “سان بيدرو” المجاورة لقرية سان خوان السابقة الذكر أصبحت وبهدوء رائدة وطنية في أحد أكثر التحديات البيئية إلحاحاً في العالم “التلوث البلاستيكي”. فقد أصدر عمدتها حظراً غير مسبوق وغير متسامح مع المواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة والذي كان بدافع الضرورة للحفاظ على البحيرة، ولم يقتصر الحظر على كونه قراراً مفروضاً بل جاء مدعوماً بوعي مجتمعي جراء حملة تثقيفية وتوعوية شاملة من بلدية القرية، اذ تَنْقَّل المسؤولون من منزل إلى آخر لتثقيف السكان حول إدارة النفايات والخطر البيئي المترتب على استخدام البلاستيك حتى نجحوا بجعل القانون الذي ينص على حظر المواد البلاستيكية ذات الاستخدام لمرة واحدة عرفاً محلياً.
الآن في سان بيدرو وسان خوان وباقي القرى التي على ضفاف البحيرة، يأتي اللحم الذي يُشترى من السوق ملفوفاً بأوراق الموز، وخبز التورتيلا يجلب ملفوفاً في مناديل من القماش، والسلة المطاطية القابلة لإعادة الاستخدام والمصنوعة يدوياً من قبل الحرفيين المحليين هي الغالبة عند التسوق للشراء من البقالة أو محل الخضار.
تكتسب زراعة البن إضافة إلى الذرة أهمية كبيرة في اقتصاد بحيرة اتيتلان، ولا عجب أن تحظى القهوة بمكانة ورمزية ثقافية لدى الأهالي هناك، شبيهة بمكانتها لدينا مع اختلاف الطعم بين الاثنتين، لذا كم كانت تجربة جميلة مشاركة العائلة التي استضافتني من شعب المايا قهوتنا السعودية الشقراء.
مقابلة السكان المحليين، والسكن معهم ومشاركتهم نمط عيشهم اليومي؛ تظهر التفاصيل الرائعة للثقافات الأخرى، وتعطي تقديراً أعمق لتنوع طرق المعيشة والتفكير، وتزيد فهمنا لنمط حياة وثقافة الشعوب الأخرى.