أبجدية الياسمين لنزار قباني.. قراءة موسيقية

محمد منصور

الزيادة والنقصان في الموسيقى

يستهل الشاعر نزار قباني قصيدته تعب الكلام من الكلام، بقوله:

لمْ يبقَ عندي ما أقولُ

لمْ يبقَ عندي ما أقولُ

تعبَ الكلامُ من الكلامِ

وماتَ في أحداقِ أعيننِا النخيلُ…

والقصيدة مبنية على أسلوب الشعر الحر، وأساسها الموسيقي تفعيلة الكامل (متفاعلن)، فيما تأتي خواتيم(1) مقاطعها على وزن (متفاعلاتن) وهي نفسها (متفاعلن) وبها علة (الترفيل).

ويقسم نزار قباني قصيدته إلى عشرة مقاطع تسير كلها على النمط الموسيقي الذي بيناه، وبالعودة للسطر الأول نجده موسيقيا كما يلي:

لمْ يبقَ عنـْ|ـديْ ما أقولُ

متفاعلن | متفاعلاتن

وتسير القصيدة إلى نهايتها بهذا النمط الموسيقي مع زيادة في عدد تفعيلات الحشو (متفاعلن) من غير انتظام، فيما تبقى خاتمة كل مقطع من المقاطع ثابتة على وزن (متفاعلاتن) مرفلة.

لكن نزار قباني يرتكب في قصيدته خطأين عروضيين يؤديان به إلى الإخلال الموسيقي في القصيدة وهما موطنا نشاز في القصيدة:

الأول- زيادة حرف في قوله:

ماذا سأفعلُ كيـ(ـف) أفكَّ سلاسلي؟

لا الشعر يجديني ولا تجدي الكحولُ!!

والفاء حرف زائد في الوزن، ولا يستقيم الوزن هنا إلا بإسقاط الفاء، فيكون السطر الشعري كما يلي:

ماذا سأفْـ|ـعَلُ كي أفكْـ|ـكَ سلاسلي؟

متفاعلن | متفاعلن | متفاعلن

والثاني- حذف السابع الساكن في التفعيلة (متفاعلن) لتصبح (متفاعلُ)، وحذف السابع الساكن(2) لا يقع في تفعيلة الكامل، وهذا هو المقطع:

الثلجُ يسْـ|ـقُطُ في حديْـ|ـقَتنا ويسْـ|ـقُطُ من مشا|عرنا ويسْـ|ـقُط من أصا|بعنا ويسْـ|ـقُط في الكؤو|سِ وفي النبيـ|ـذ وفي السريـ|ـر فأينَ هُـ(نْ)ـوَ البديلُ؟؟

السطر الأخير وهو “فأين هُوَ البديل” يحتاج لزيادة حرف ساكن بين الهاء والواو، في قوله: فأين هُـ(نْ)ـوَ البديل؛ حتى يستقيم الوزن، وإسقاط الحرف الساكن هنا أدى للخلل الموسيقي لنهاية المقطع.

 

ذوبان (الكامل) و(الوافر)..

في قصيدة: “في الحب المقارن” لنزار قباني، سأشير بإشارتين: الأولى موجزة، والأخرى بشيء من التوسع لأهميتها.

الأولى، يقول نزار في المقطع الأول من قصيدته:

ما بين وجهك والقصيدة

حين أكتب نصها

(شبه كبيرُ)

ويقول في المقطع الرابع من قصيدته:

ما بين صوتك والبلابل

صحبة أزلية

فإلى السماء

مع الطيو..(..ر يطيرُ)

والقصيدة من الشعر الحر على وزن الكامل. وقد جاءت التفعيلة الأخيرة من المقطع الأول مرفلة، وفيه تتحول التفعيلة من (متفاعلن) إلى (متفاعلاتن). فيما جاءت التفعيلة الأخيرة من المقطع الرابع مقطوعة، وفيه تتحول (متفاعلن) إلى (متفاعلْ). وهذا خلط، وإلى هنا أكتفي بإشارتي الأولى.

الأخرى، يقول نزار في المقطع الخامس من القصيدة ذاتها:

(1)

بيني وبين المشمش الحموي

في شفتيك، سيدتي

علاقات مميزة

وأشواق مميزة

وحالات مثقفة

وحالات مراهقة وعاصفة

وحالات من الإبداع تكتبها العطورُ

(2)

وأسفار إلى جزر من الياقوت

تذكرها المراكب والبحورُ

وهذا المقطع من القصيدة يورده نزار مرقما بالرقم (5) أما وضع الرقمين (1) و(2) فهو من عندي؛ حتى أبين إشارتي الأخرى فيما يخص هذا المقطع، وهي أن نزارا يخلط بين وزنين شعريين هنا، وهما الكامل (متفاعلن) وهو المقطع رقم (1) والوافر (مفاعلتن) وهو المقطع رقم (2).

والملاحَظ أن المار بالقصيدة قراءة أو سماعا، لا يلحظ نشازا موسيقيا جراء الخلط والمزج بين البحرين، فلا أثر لبرزخ بينهما أبدا.

ما السبب؟!

أظن أن (الوافر) بصورته المعهودة: (مفاعلتن مفاعلتن فعولن) ما هو إلا صورة مخزومة من صور (الكامل) المرفل: (متفاعلن متفاعلن متفاعلاتن).

وهنا تبيان لما أقصده؛ حيث أضع البحرين، وكيف يتحول الكامل إلى الوافر.

الكامل مرفلا:

متفاعلن|متفاعلن|متفاعلا|تن

والوافر:

مفاعلتن|مفاعلتن|فعولن

وكما نعرف أن الخزم هو عبارة عن زيادة حرف إلى أربعة أحرف أول البيت الشعري، لذلك سنقوم بإسقاط أربعة أحرف من الكامل المرفل، وسنراه يتحول إلى الوافر في صورته المعهودة، كما يلي:

(الكامل) المرفل:

(متفا) علن|متفاعلن|متفاعلا|تن

نسقط الأربعة الأحرف الأولى ليتبقى لدينا:

علن|متفاعلن|متفاعلا|تن

ونقوم بإعادة ترتيبها كما يلي:

علن متفا|علن متفا|علاتن

وهذا هو عينه (الوافر) في صورته المعهودة:

مفاعلتن|مفاعلتن|فعولن

كما يمكننا خزم الوافر بأربعة أحرف ليتحول من:

(…) مفاعلتن|مفاعلتن|فعولن

إلى:

(متفا) مفا|علتن مفا|علتن فعولن

متفاعلن|متفاعلن|متفاعلاتن

 لذلك نمر على هذا المقطع من القصيدة، والذي يمزج بين وزنين شعريين من غير أن نشعر بأي نشاز موسيقي أبدا!!

——————

القصيدة من ديوان أبجدية الياسمين، وصدر بعد 10 سنوات من وفاة الشاعر نزار قباني.

(1) قصيدة الشعر الحر حين تلتزم التقفية يكون العروض هو ذاته الضرب؛ لأنها قصيدة أسطر/أشطر.

(2) حذف السابع الساكن يعرف عروضيا بالكف، ويقع في ثلاث تفعيلات هي:

(فاعلاتن)، و(مفاعيلن)، و(مستفعلن).

 يضع الخليل بن أحمد الفراهيدي كلا من الكامل والوافر في دائرة شعرية واحدة، وهي دائرة المؤتلف، مع بحر ثالث مهمل يسميه المتوفر، ولاشك أن الخليل قد لاحظ شبها كبيرا بين الكامل والوافر حتى يجعلهما دائرة شعرية.

 الخزم: هو زيادة حرف إلى أربعة أحرف على الوزن الشعري كما هو في البيت المشهور (اشدد حيازيمك…).

 هناك من أتى بشاهد شعري فيه خزم بثمانية أحرف، انظر: علتا الخزم والخرم وأثرهما في بناء القصيدة العربية، زكية أحمد إسحاق فطاني.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com