ماذا بعد “رئةٌ ثالثة”..؟
زكية العبكري
لا أحتاج لـِ (رَبَّةُ الإلهام) لأكتب عن لقاء (رئةٌ ثالثة) الذي لم يغِبْ عن أذهاننا لحظة واحدة بعد مضي ما يقارب أربعةَ أشهرٍ عليه.
ولأننا بصدد (يوم المعلم) فلابد أن نستحضره (كتابةً) بلغةٍ فارهةٍ نمسك فيها بناصية المشاعر.
(رئةٌ ثالثة) هذا اللقاء الذي احتفت فيه مجموعة من الأمهات بمعلمات بناتهن من الابتدائية التاسعة بالقطيف بعيدًا عن ثقلِ البهرجة، قريبًا من زخم المعنى بكل تجلياته.
فلم يكن احتفاءً تقليديا، لا..
بل مشروع عملنَ عليه كفريق عمل واحد، بدهشة طفلٍ وبحماس يافعٍ وباندفاعية مجازفٍ.
مشروع قدم رسالة مجتمعية مفادها: أن المعلمَ رقمٌ عالٍ وأيقونةٌ بإمكانك أن تكتشف من خلالها العالم الأرحب حينما يكون مخلصًا لرسالته.
تستودعه قطعةً منك وأنت مطمئن الروح وهادئ البال.
لقاءٌ وجدتني فيه (زكية) التي نبتت لها أجنحةٌ وهي تسعى لتحضير فقراته فباتت تكتب وتكتب وتكتب ولا تهدأ..
تقفز فكرة، فتتلوها أخرى تسرق منها النوم أحيانًا فما أن تصل إلى سريرها حتى تلمع فكرة جديدة فتهرع لتسجيلها قبل أن تهرب لتواكب قطار أفكارها الليلي الذي لا يهدأ أبدًا.
ماذا بعد (رئةٌ ثالثة)؟
الذي أخذَ بعدًا اجتماعيًا، وإطارًا واسعًا
وصدىً أوسع، مؤكداً على أهمية التقدير في حياة الفرد..
لعله كان متنفسًا للجميع
لقاءٌ فاضت فيه المشاعر بما يشبه الطوفان
فما نكاد نخرج من دهشةٍ، حتى نقع في انبهار.
وصلتنا بعده شلال من رسائل التهنئة وتصفيق حار وردات فعلٍ فاقت التوقعات بمسافاتٍ بعيدة، كلها استحسان وإعجاب وترحيب وفخر..
والآن.. أعود لسابق عهدي وأستحضر الذي مضى مع معلمات ابنتي (حور البيك).
وكأني أفتش عن نهر حنان (فتحية الفشخي) المتدفق.
وهدوء (آسيا المخلوق) الخجِلْ.
وسَكِيْنَة (مديحة الزين) اللافتة.
وسرعة بديهة (زينب الهاشم) المرتقبة.
وطغوة مشاعر (أمامة الربابي) الحانية.
ونقاش (خيرية الجراش) العميق الذي لا يخلو من الشفافية…
وطينية (هند الزين) العفوية.
وحماس (عبير الأحمد) الذي قل نظيره.
وطمأنينية (خلود العرادي) المتغشية طالباتها بالرحمة واللطف.
وعطاءُ (صالحة المهر) وسمو خُلقها.
يقينًا كله خير؛ أن العدوى بين معلمات الابتدائية التاسعة تسري… والقادم أجمل بإذن الله..
والآن أنقل لكم مشاعر الأمهات اللاتي كنّ معي في الدائرة القريبة أثناء التحضير لهذا اللقاء:
والدة الطالبة: بتول هجلس
(رئةٌ ثالثة) اسم على مسمى. فبعد قفزة التعليم في الدراسة عن بعد لمدة عامٍ وتنوعه عاماً آخر ما بين المنصة والحضوري الجزئي ثم الحضور الكلي احتاجت أرواحنا أن تتنفس. نعم أن نتنفس بعمق نحن كأمهات فضلاً عن الجانب الآخر معلماتنا العزيزات اللاتي أسرن قلوبنا قبل قلوب صغيراتنا بأخلاقهن وتواضعهن وطريقة تعاملهن.
كنت أردد دائما لم تمر سنة دراسية ألقة، حافلة بالازدهار على صغيرتي، كسنة 1443ه في فصل (رابع 3) إذ كانت فيها جميع معلماتها بلا استثناء تُدرسنَ بحبٍ وعطاء.
(رئةٌ ثالثة) كانت فكرته تكريماً مستحقاً لمربيات فاضلات عن جدارة لكنه تحول إلى ليلة عرسٍ كانت فيه كل أم وكل معلمة وكل ضيفة بمثابة عروس تتلألأ جمالاً.
كانت ليلة مشاعر صادقة بعيدًا عن كل الرسميات.
والدة الطالبة: فاطمة أبو السعود
حينما قرأت (رئةٌ ثالثة) طافت بِي الذكريات للّحظةِ التي حدثتني فيها (زكية) عن (رئةٌ ثالثة)..وإلى مشاعر الترقب والانتظار للّيلةِ المنشودة، لطالما رسمتُ في مُخيلتي تصوراتٍ عن ذلك اللقاء، وصوراً لِمعلماتٍ كُنا البلسم الشافي لِجروح التعلم عن بعد.. حتى جاءت ليلة أجمل من ألف ليلة، بقينا بعدها أياماً وليالي نتلذذ بحلاوة ذلك اللقاء.
يا معلمات الصف الرابع دُمتم لنا كياناً جميلًا ولا حُرمنا عطاؤكن.
والدة الطالبة: ورد الدار
“كان الحفل بهيجاً “هذه الجملة التي أستطيع أن أصف بها تلك الليلة الاستثنائية.
حفل بهيج والسعادة فيه مُعْدِية، استشعرتها في ابتسامة الجميع وأريحيتهنّ.
والدة الطالبة: دانة الحاج
في صباح يوم جميل حدثتني رفيقة الدرب السعيد (أم حور) عن فكرتها لتكريم المعلمات في ظل الأزمة العالمية التي كان يمر فيها -وباء كورونا – فقابلتها بالموافقة والتأييد لهذه الفكرة المميزة والتي أطلقت عليها (رئةٌ ثالثة)
بعدها انطلقت مجموعة من الأمهات بحماس وسعادة وحب لتكريم هؤلاء المعلمات فقد كنا جند يحملن راية النور لتسليمها الطالبات ليتمكن من النهوض بقوةٍ رافعات اسم وطننا الغالي عالياً أمام العالم أجمع وبجدارة، لم يكن احتفالًا عاديا للمعلمات فقد كان مميزاً نظير ما قُدم وبذل منهن لمواصلة مسيرة التعليم، لقد كانت الأمهات قريبات من صغيراتهن لمساعدتهن في الدخول لبوابة العلم والمعرفة عبر منصة مدرستي بقيادة المعلمات اللاتي سمع الجميع حرصهن واهتمامهن وكلماتهن الحنونة وتشجيعهن وصبرهن على الطالبات بمختلف مستوياتهن كان حفلاً نشر السعادة للجميع امتد أثره أياماً في النفوس فلم تفارق الابتسامة ملامحنا.
كل عام وكل معلمة ومعلم بألف خير.
والدة الطالبة: رقية الموسى.
ماذا أقول وماذا أكتب؟ فقد حار القلب.
منذ ُ(رئةٌ ثالثة) وأنا لم أنسَ هذا الحدث وما زال الشعور بداخلي ينبض، بوجود نخبة من المعلمات المتميزات اللاتي مررن علي ولن أنسى عطائهن اللامحدود وصبرهن على الطالبات وأمهاتهن.
وها نحن من جديد نتعرف أيضًا على نخبة جديدة من المعلمات كفوءات ومعطاءات
شكرًا شكرًا قليلة في حقهن فهنّ رمز العطاء العظيم.
والدة الطالبة: روان العوكار
المشهد الحاضر في ذهني حتى الآن هو انبهار المعلمات باللحظة وترقبهن للحظة التي تليها أثناء سير البرنامج في ذلك اللقاء الاستثنائي، إذ وجدت الدهشة في أعينهن مما مسح وخفف عني جهد التحضيرات التي بذلناها خلال شهرين كاملين ليظهر العمل بهذا القدر ويصل للحضور بأبهى صورة كما خططنا له.
والدة الطالبة: سجى كرانات
أعجز عن وصف شعوري في تلك الليلة المليئة بالجمال. ففيها أُلفة الأرواح النقية وفيها تغذية وقيمة جمالية منعشة للروح، شعرت بأنها منبع الجمال والرقي والطاقة الإيجابية.
حقيقةً لم أشعر بالمعلمات إلا أخواتاً لنا، فلم تكن هناك حواجز تمنعنا من البوح عما في خاطرنا.
فالكل امتاز برحابة الصدر، وكانت الأعين شاهدة على سعادة القلوب.
والدة الطالبة: معصومة الماحوزي.
رجعت بي الذاكرة لتلك الأيام ونحن نتحضر لهذا اللقاء ونترقب لحظة الالتقاء بالمعلمات اللاتي رسمنا لهن ملامحاً في قلوبنا تباعاً لأصواتهن الحانية التي تملكتنا.
وأتذكر في ليلة اللقاء كنت جالسة في الصف الثاني ناحية الباب وكلما دخلت إحداهن وهي تمسك بيدها (نبتة البامبو) فز قلبي وعرفت أنها من ضمن المعلمات.