برّ المطار خطف أرواح 7 شبّان من القطيف في 10 سنوات حماسة "التطعيس" و "التفحيط" تعمى عن بيئة الرمال الخادعة
القطيف: شذى المرزوق
مشاركة: أفراح آل شويخات، أحمد حبيب، يُمنى العبيدي، ديسك صبرة
لم تكن خسارة شابّ في عمر الورد من مدينة صفوى أمس هي الأولى التي تحدث في الرمال المحيطة بمطار الملك فهد. بل ليست الثانية، ولا الثالثة، ولا ولا.. بل ويمكن القول إنها ليست أقلّ من الوفاة المأساوية العاشرة خلال أقل من 10 سنوات.. وكلُّ هذه الوفَيَات من محافظة القطيف وحدها.
ففي كلّ عامٍ، تقريباً، تحدث مأساة، ويسقط شابٌّ في مقتبل العمر من “قَصّة طعس”، أو حُفرة، أو منحدر، ويحدث ألمٌ لا يمكن احتماله لأسرة من القطيف.. تحديداً. وخلال رصد أجرته “صُبرة” من مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات نشر أخبار الوفيات؛ وقفنا على ما لا يقلّ عن 10 شبّان توفّوا بسبب حوادث في “برّ المطار”، من عام 2013 إلى عام 2022.
التطعيس القاتل
بقدر الجمال الذي يبدو عليه بر مطار الملك فهد في بدايات فصل الشتاء، بقدر الألم والحسرة التي قد تشعر بها بعض أسر محافظة القطيف، لأنها فقدت ابناً أو عزيزاً مغامراً، أراد صعود مرتفعات البر بسيارته، ضمن هوايات يُدمنها الكثيرون من شبّان المحافظة.
ففي بدايات أكتوبر وما يليه من كل عام، يشهد بر المطار تزايداً في أعداد مرتاديه من أبناء المحافظة، يدفعهم اعتدال الأجواء، التي تحول النزهات الصيفية للبحر، إلى نزهات برية، تفضل معها الأسر التخييم، وبخاصة فئة الشباب الذين يستغلون فضاء البر الواسع في ممارسة هوايات “التطعيس”، واستعراض سياراتهم المعدلة، مع التفحيط، وركوب الدراجات النارية.
تفريغ طاقة
مثل هذه الممارسات غير محصورة في بر مطار القطيف فحسب، وإنما هي موجودة في أغلب المناطق التي توجد فيها مرتفعات الرمال، ومعها يكتظ الشباب لمشاهدة استعراضات الشباب، وهذا ما يحدث في بر المطار مساء كل يوم خميس من كل أسبوع، ويستمر حتى نهاية نهار السبت.
ويقول هواة البر إنهم في حاجة إلى المساحات الواسعة، لممارسة تلك الهوايات، التي لا يمكن ممارستها بحرية داخل النطاقات العمرانية، خوفاً من التسبب بإزعاج لساكني البلدات التي يعيشون فيها، أو التسبب بأضرار وكوارث جراء أي حادث قد يقع هنا أو هناك، خاصة أن مثل هذه الممارسات تصاحبها متابعة وتجمهر الشباب من مختلف الأعمار.
لا أمان في المكان
ومع أن الأسباب السابقة، التي يرددها الشباب صحيحة، ومتفق عليها، إلا أن المتعة التي يعيشها ممارسو هوايات “التطعيس والتفحيط” والشعور بالقوة والتميز بفعل تشجيع المتجمهرين وهتافتهم، وهم يخترقون الكثبان الرملية الناعمة بسياراتهم ذات الدفع الرباعي، لا تعني بالضرورة أن هناك أماناً كاملاً في محيط الميدان الذي يمارسون فيه الهوايات، وكثيراً ما يشهد البر حوادث مؤلمة، راح ضحيتها عدد كبير من الشبان، أثار فقدهم الحسرة والأمن في الأوساط المجتمعية.
السلامة في الاستعداد
ويلخص مصطفى عبد رب النبي، وهو أحد هواة التطعيس من مرتادي البر، أسباب وقوع الحوادث في البر، إلى السيارات غير المجهزة، وقلة الوعي بالضوابط. ويقول “أضف إلى ذلك التحدي غير المسؤول من قبل قائد المركبة، ورغبته في إظهار إمكاناته وقدراته الخارقة”.
عبد رب النبي
وأكمل “يجب أن تكون السيارات أن تكون مجهزة ومعدة إعداداً مناسباً لممارسة مثل هذه الهوايات، سواء كان الاستعداد على مستوى حماية هيكل السيارة، أو الإطارات المناسبة، أو الفحص الداخلي، وحتى تزويدها بمعدات السلامة والاحتياطات الإسعافية”.
احتراق سيارة
وتابع “كما أن لنوع السيارة دوره في المشهد، فمثلاً السيارة من نوع “سوبر” غير مناسبة لهذه الأنواع من الهوايات، لأنها ثقيلة عند ممارسة التطعيس، هذا الثقل سيجعلها مائلة إلى جانب ما، فيما الجاذبية تسحبها باتجاه الأسفل، ما يجعلها سهلة الانقلاب، أيضاً ينبغي التأكد من توصيلات البنزين والزيت، إذا لم يتأكد منها سائق السيارة ويفحصها، فقد تسبب في اشتعال مركبته، وهذا ما حدث لي شخصياً، إذ اشتعلت بي السيارة بسبب غفلتي عن فحص البنزين والزيت بسبب السرعة، ولكن الله لطف”، مشدداً على “وجود طفايات حريق في السيارة داخل البر”.
وقال “كما أن القيادة تحتاج إلى دراية وتمكن، فيجب أن يعرف السائق متى يخفف من السرعة، ومتى يضغط الفرامل للتوقف أو للتخفيف أو متى يجب زيادة السرعة وهكذا”.
التحدي عن جهل
وذكر عبد رب النبي أن “أغلب الحوادث هي بسبب التحدي والمكابرة لشاب مبتدئ أو عنيد، يود الاستعراض تحت اسم “المرجلة” على حساب حياته ومن معه.
وقال “أرى شباباً يجهلوا تقنيات القيادة وممارسة هذه الهوايات في البر، ولكنه يكابر ويتحدى مجازفاً، فهو يرى أنه من العيب أن ينزل من المنحدر بشكل كامل، ويجعل السيارة تتوقف في منتصف الطريق، ثم يعاود الصعود من جديد، فتجده في منتصف رحلة النزول من الأعلى، يعود مجدداً للصعود من جديد من جانب آخر، وهذا قد يتسبب في انقلاب السيارة، كما أن البعض يرى أن عليه أن يقلد السيارة المعدلة التي تمارس التطعيس بشكل لافت، فتتحول المتعة إلى حادث، كما أن البعض يجازف بالنزول من منحدرات جديدة عليه، ويجهل خارطة المكان وطبيعة المنحدر، فتقع الحوادث”.
هيكلة السيارة
وشدد عبد رب النبي على أهمية اتباع عوامل الأمن والسلامة، وقال “لابد من ارتداء أحزمة الأمان مع وجود الرول كيج (حديد داخلي، يتم تفصيله لحماية هيكلة السيارة داخلياً). وقال “الرول كيج دون حزام، يعني احتمالية أن يندفع الجسد بقوة إلى خارج السيارة، أما أن تضع الحزام ودون رول كيج، فهذا يعني أن وقوع أي حادث، قد يتسبب في تقييدك داخل السيارة، وقد يتسبب بموتك أكثر من نجاتك، ما لم تكن السيارة مهيأة بهيكل حماية لا يسمح بأن تضغطك السيارة بداخلها”.
نهاية مأساوية
ولفت عبد رب النبي إلى أن تعليمات سلامة المركبة، ومن فيها، بدأت تأخذ منحى إيجابياً واهتماماً عالياً، في السنتين الأخيرتين. وقال “أصبح الشباب مهتمين بها أكثر مع ارتفاع عدد الحوادث التي تقع في البر، ومع ذلك ما زال البعض يمارس الهوايات البرية من باب العناد والمكابرة لا من باب المتعة، يبدأها باستعراض وتنتهي بمأساة”.
واستشهد بـ4 حوادث شهدها بنفسه في البر خلال السنتين الأخيرتين، وقعت 3 منها بسبب التفحيط أسفل المنحدر، أثناء ممارسة التفحيط ، والحادث الأخير بسبب انقلاب سيارة أثناء التطعيس”.
السبب الأول
من جانبه، ذكر علي الشويخات أن التهور في طريقة ممارسة التفحيط هو السبب الأول في قائمة أسباب الحوادث في البر، بل قد يكون السبب الأكثر شيوعاً.
الشويخات
وقال “البر بيئة خادعة، يظن الشاب فيها أن بإمكانه القيادة بحرية، وممارسة التفحيط في مجال أوسع عن الشارع، لكن الواقع مختلف، ففي البر يقع الكثيرون في شرك المكان المفتوح، و “يفحط” لدرجة انقلاب السيارة، بعد أن يفقد القدرة على التحكم فيها، فضلاً عن أن رمال البر الناعمة قد تبتلع إطارات السيارات، فتتسبب في “تغريز” عجلاتها بشكل مفاجئ، وإن كان بعيداً عن الجموع، يقضي ساعات وساعات حتى يتمكن من اخراج السيارة من الرمال، وكثيراً ما يحمل مرتادو البر معهم احتياطات لسحب السيارات العالقة، وهذه الحالة يقع فيها العائلات أكثر، كونها تبتعد عن مكان تجمع الشباب، بالإضافة إلى الغرق في التربة الطينية، وهذه الحالة تزداد مع موسم الأمطار”.
وأكمل الشويخات المفاجآت غير السارة التي قد يصطدم بها بعض ممارسي هواية التطعيس أو التفحيط “قد تبدو الأرض مستقيمة وقوية، وفجأة تجد أن المركبة وقعت في وسط منخفض، يبدأ بسحب المركبة ومن فيها للأسفل، وهنا تحتاج إلى قائد متمكن ومساعدة فورية، ويفضل أن يكون مرتاد البر عارفاً بجغرافية المكان”.
دبابات طائرة
وأوضح الشويخات أن أغلب مرتادي البر من القطيف حفظوا الطريق بداخله حتى بات مرسوماً، ويكون التجمع غالباً في “قصتين” معروفتين، وتعني القصة المرتفع من الرمال، حيث يمارس في الأولى هواية تطعيس السيارات، وفي الثانية ركوب الدراجات، والثانية هي الأخطر، كون قائد الدراجة يأتي بأقصى سرعته من أسفل إلى أعلى، وهو ما يتسبب في ارتفاع الدراجة عن مستوى سطح الأرض، كلما صعد إلى أعلى المرتفع، وبالتالي يكون جسد قائد الدراجة أكثر خفة، وهو ما يسهل من عملية فقد السيطرة وفقد التوزان، ومع عودة الدراجة للهبوط، هنا يكمن الخطر، فالبعض قد لا يسيطر عليها، فينقلب أو حتى يندفع الجسد طائراً في مكان، والدراجة النارية (الدباب وهو إما من نوع بانشي أو صحراوي) في مكان آخر، اذا كانت السرعة جنونية، حيث يفقد القدرة على التحكم بها بعد هبوطها، فهي تحتاج إلى سرعة إدراك للتعامل معها، وتثبيتها بمجرد ملامستها الأرض من جديد”.
منحدر التطعيس
وأكمل الشيويخات “أما منحدر التطعيس، فأغلب الحوادث تقع أسفله، وتتركز في التفحيط، بينما “المنحدر الرملي” قليلاً ما يقع فيه حادث ما لم يكن قائد المركبة جديداً على المكان، كون الطريق مرسوماً للتطعيس، ومع كثرة الممارسة، يعتاده السائقون عن ظهر قلب”.
وأردف تقع الحوادث إما لمبتدئ لا يعرف دهاليز وخفايا البر، وطرقه، فيجد نفسه أمام منحدر مفاجئ، أو لمتهور أراد الاستعراض بالنزول من منحدر خطر للاستعراض، قد تصيب معه مرات ويخفق مره هذه المرة قد تكلفه الكثير.
مواقع الخطر
وأشار الشويخات إلى أن بداية البر، وتحت المنحدر الرملي، حيث التجمع المعتاد لشباب البر هما المكانان اللذان شهدا نسبة حوادث عالية فالمكان الأول عند بداية الدخول للبر يكون سبب الحوادث فيه هو عدم استواء الأرض ما بين ارتفاع وهبوط في مستوى الأرض نفسها، فتقع الكثير من المركبات في حوادث تصادم أو انقلابات، وبعضها إزاحة تتسبب في عدم توازن المركبة، ثم انقلابها، أما المكان الثاني (أسفل المنحدر الرملي)، فهو مكان استعراض السيارات بالتفحيط وسط تجمهر كبير جداً.
أكثرية الحوادث
ومن زاوية أخرى قال محمد حبيب شويخات إن “قلة الوعي هي سبب وقوع حوادث البر، وعدم الانتباه، وذلك بسبب أن البر مفتوح، ولا يوجد تنظيم ولا ترتيبات لممارسة القيادة، فتجد السيارات من كل صوب في الميدان، ومع السرعة، تقع أكثرية الحوادث”.
وقال “من النادر وقوع حوادث انقلاب للسيارة في القصّات (المنحدرات)، وبمجرد ما تقع السيارة في حفرة، تنحل عجلتها، ويقع الانقلاب.
إلى رحمة لله
شبان من القطيف فقدوا حياتهم في “بر المطار” بالترتيب حسب وقوع الحوادث:
ـ السيد محمد السيد هاشم السيد محمد الشرفا
- العمر: 25 سنة
- صفوى.
- تاريخ الوفاة: 18 ربيع الأول 1444
ـ قاسم علي عبدالله المغرور
- العمر: 19 عاماً
- القطيف، الدخل المحدود
- تاريخ الوفاة: 15 جمادى الأول 1443
ـ مهدي زكي مهدي آل توريت
- القطيف، المجيدية
- تاريخ الوفاة : 6 شعبان 1442
ـ السيد علي السيد هشام السيد رضي المقبل
- القطيف،(الشويكة
- تاريخ الوفاة : 1 جمادى الأول 1441
ـ محمود ناجي عيسى السبع
- العمر: 28 عاماً
- سيهات
- تاريخ الوفاة : 18 صفر 1440
ـ طفل من أسرة الفرج
- العمر: 7 سنوات
- العوامية.
- سقوط سيارة يستقلها 9 أشخاص في حفرة وحل.
- تاريخ: الوفاة 5 ربيع الثاني 1438
حسن علي البوري.
- العمر: 37 سنة.
- الجارودية.
- حادث انقلاب دبّاب رباعي.
- تاريخ الوفاة: 2 ربيع الثاني 1433.
اقرأ أيضاً
[تحديث] مأساة صفوى.. ضحية “الطعس” في الـ 25 وتوفي في موقع الحادث