أول استثمار في تعليم بنات القطيف سقط خلال 6 أشهر مستثمر من جدّة فرض 15 ريالاً على كلّ طالبة.. والآباء سحبوا بناتهم
القطيف: شذى المرزوق
على الرغم من توقيع 11 شخصية اجتماعية في القطيف تعهّداً بسدّ عجز مدرسة البنات الأهلية التي أسسوها؛ لم يكن استمرار العمل في المدرسة مجدياً من التمويل. لكنّ تزايد أعداد الفتيات في صفوف المدرسة التي كان مقرّها عمارة القطري في حي البستان؛ أغرى بالاستثمار في تعليم البنات.
المستثمر جاء من مدينة جدة؛ في خطوة منه لتطوير التعليم في المحافظة، وتوفير الإمكانات اللازمة، إلا أنه لم يلتفت إلى أن ما صنعه الثقل على الآباء، برفع قيمة الأقساط عليهم من ريالين إلى 15 ريالاً.
كان الأهالي يعلقون آملاً على “وعد” رئاسة مدارس لبنات “المكتوب” في خطاب رسمي، تلقّاه السيد حسن العوامي في شهر شعبان 1380هـ. وتضمن الوعد تحقيق مطالبهم بفتح مدرسة حكومية للبنات في وقت لاحق، ووعدٍ آخر بتقديم إعانة مالية للمدرسة الأهلية.
وفوق المتاعب المالية؛ كان هناك تحدٍّ آخر، هو وجود رفض اجتماعي لفكرة تعليم البنات من أساسها، لدرجة أن أحدهم قال “على جثتي تتعلم البنات”…!
10 سنوات
وبحسب ما ذكرته بتول بنت السيد حسن العوامي، وهي إحدى أوائل الطالبات منذ التأسيس سنة 1378هـ، فقد بدأ القسط الشهري لتعليم البنت بريالين فقط، قبل أن يتصاعد بشكل متسارع، مع ازدياد عدد الطالبات، والحاجة إلى معلمات، فضلاً عن تكلفة إيجار مقر المدرسة.
وتقول العوامي، “ارتفعت أقساط الدراسة في بيت القطري إلى 5 ريالات”. وتضيف “لا عجب أن تجد طالبة بعمر 10 سنوات نفسها تدرس بجانب طالبة في عمر 7 سنوات”، مضيفة “الالتحاق للدراسة كان الهدف الأبرز منه ـ آنذك ـ تشجيع الأهالي على تعليم بناتهن ضمن مبادرة لكسر الأفكار الجامدة الرافضة لتعليم النساء، باعتباره أمراً غير مألوف، يستنكره الكثيرون من أهالي المحافظة وقتها”.
على حثتي
واستشهدت بتول بعمتها نرجس السيد باقر العوامي، وقالت “كان جدها في مقدمة المعارضين لفكرة تعليم البنات، على النقيض من ابنيه السيد حسن والسيد علي، اللذين تصدرا لتمكين البنات تعليمياً ودفعا بابنتيهما (بتول وبهجة) للدراسة”.
وتكمل “فيما بقي الجد معارضاً لفترة طويلة، متمسكاً بنفس الرد “تتعلم على جثتي”، وبالفعل بعد وفاته، هرعت عمتي لتلقي التعليم، ولحقت بنا في المدرسة ذاتها، حيث كنا نحن الأصغر منها عمراً، قد تجاوزنا الفصول الدراسية التي انضمت لها بمراحل متقدمة”.
المستثمر الأجنبي
ومع ازدهار المستوى التعليمي في فترة ما، كانت فيها المدارس قليلة في المملكة، علا صيت مدرسة القطيف، وبرز اسمها، فكانت وجهة للاستثمار التعليمي، من هنا تقدم مستثمر، ممثلاً في “المدرسة النموذجية في جدة” بطلب إدارة وتشغيل مدرسة القطيف، لتكون فرعاً آخر للمدارس النموذجية التي تديرها، وتعهد المستثمر، بتأهيل الفصول الدراسية، وتزويدها بالكراسي والطاولات والسبورات، وتزويد المدرسة بإدارية متمكنة، ومعلمات، وكتب دراسية، ومراييل للطالبات، كما طرحت “نموذجية جدة” فكرة تسويقية لجذب الطالبات للتعليم من خلال تشغيل حافلة دراسية تتولى نقل الطالبات من منازهلن إلى المدرسة، وهو ما وجده المستثمر وسيلة تشجيعية لاستقطاب فتيات القطيف للانضمام إلى الدراسة، وبالتالي ارتفعت الميزانية المالية للمدرسة، مع زيادة الطالبات وقيمة الأقساط.
مدة تشغيل “نموذجية جدة” لمدرسة القطيف لم تتجاوز 6 أشهر، وجاءت النتيجة على غير ما توقعه المستثمر الجديد، حتى بعد رفع الأقساط إلى 15 ريالاً، وكانت قيمة المريول 15 ريالاً أخرى، فيما كانت هناك قيمة أخرى للكتب الدراسية التي لم تكن تُوزع مجاناً للطالبات آنذاك، وشملت كتب الحساب، العلوم، اللغة العربية، الدين، وكراسات الخط العربي، بالإضافة إلى ما تشتريه الطالبة من دفاتر، ومنها دفتر لمادة التعبير، والمستلزمات الدراسية التي تحتاجها.
التعليم المجاني
التكاليف التي رسختها “نموذجية جدة” لم يكن كل أولياء الأمور يستطيع دفعها والالتزام بها، وهو ما دفع الكثيرين منهم لسحب بناتهم من المدرسة، التي أرهقت كاهل أولياء الأمور في مدة قصيرة جداً، منذ تسلم إدارة نموذجية جدة مهمة تشغيل المدرسة، وهو ما دفع المستثمر إلى الانسحاب باستثماراته من المشهد.
ووسط ذروة التحديات، التي استمرت نحو شهرين، جاء القرار الرسمي الذي أنقذ فكرة تعليم البنات من الاندثار، بتحويل مدرسة القطيف إلى حكومية للبنات في المحافظة، وقبل القرار كانت عملية التعليم مستمرة، رغم كل التحديات والظروف والمتغيرات التي أحاطت بالمدرسة، وانتقالها من مدرسة “أهلية”، إلى مستثمر تشغيلي، حتى وأصبحت مدرسة حكومية، التعليم فيها مجاني.
بيع المشغولات
واسترجعت العوامي ذكريات أكثر عن تلك الفترة “كانت هناك مديرة للمدرسة اسمها حكمت، ومن المعلمات أتذكر أم هاني التي كانت تستلم قيمة الأقساط الدراسية، وتحفظها، وهي معلمة للتربية الفنية والرسم والخياطة، ومعلمة أخرى اسمها ميسر، وازداد عدد المعلمات بين 5 إلى 6 معلمات من جنسيات عربية”.
وقالت “أتذكر أيضاً أن المدرسة كانت تقيم معرضاً سنوياً للمشغولات اليدوية، تتحول معه الفصول إلى قاعات عرض بعمل وتنسيق الطالبات، وتفتح المدرسة أبوابها للزوار من مختلف الجنسيات، بمن فيهم موظفات أو زوجات موظفي شركة أرامكو، لزيارة المعرض والوقوف على نتاج الطالبات، وقد يشتري الزوار بعضاً من المشغولات، سواء الفخاريات المزينة، أو سلال الخوص، أو القطع والمفارش المطرزة، وحتى الرسومات التشكيلية التي تبدع في رسمها الطالبات، ومع ذلك، كانت أغلبية الطالبات لا يقبلن ببيع مشغولاتهن، ويفضلن الاحتفاظ بها”.
شهادة دراسية
وأكملت العوامي “كنا وقتها طالبات في الدفعة الأولى، وقد أتممن المرحلة الثالثة الابتدائية، ولم يكن آنذاك توجد شهادات موثقة تفيد إنهاء المرحلة الدراسية للطالبات من الدفعات الأولى، وبعد التحول إلى مدرسة حكومية، قامت إدارة المدرسة بتوجيهنا إلى المرحلة التي بعدها (الصف الرابع الابتدائي)، فأكملن السنوات الثلاث الأخيرة، وكل مرحلة نحصل على شهادة تفيد اعتماد وانجاز واتمام الدراسة للفصل الدراسي ذاته، والانتقال للمستوى الذي يليه، فيما نالت الطالبات المستجدات على شهادات دراسية منذ أول الفصول، حتى تخرجنا عام 1383م”.
وتابعت “توزعت الطالبات الست من أول دفعة تعليم بين من تزوجت، ومن سافرت، ومن أكملت دراستها لاحقاً، وبين من اكتفت بالشهادة الابتدائية، ومن أكملت المراحل المتوسطة أو الثانوية وتوقفت، فيما توجهت أخريات إلى إتمام الدراسة الجامعية، حيث أن مستوى الشهادة لم يكن عاملاً مؤثراً ومانعاً للحصول على وظيفة، بل العكس، قد تتولى أي طالبة منصباً وتتوظف وهي بشهادة المتوسطة فقط”.