ديموميّة الاتصال بالقرآن الكريم.. ابن مالك الجُيّاني مثالاً
علي آل سيف
القرآن الكريم نهر جارٍ يغترف منه الفقهاء بل وغيرهم من أرباب العلوم والفنون، حتى شهد بذلك أقطاب الفكر في العالم
كالمفكّر الألماني يوهان غوته الذي تُنسب له مقولة: “القرآن الكريم كتاب الكتب”.
نعم العلماء الذين يعرفون القرآن حق معرفته يتصلون بالقرآن اتصالا خاصا ومميزا، فالباحث في سيرة ابن مالك الجُيَّاني ـ على سبيل المثال ـ سوف يجد لمحات كاشفة عن علاقته بالقرآن الكريم، وهي لمحات جديرة بالقراءة والتأمل.
أولاً: أنه ابتدأ دراسته في مسقط رأسه (جُيّّان) بالقرآن الكريم.
ثانياً: أنه حفظ القرآن الكريم قبل تردده على حلقات العلم في بلاده.
ثالثاً: أنه اتصل بجهابذة القراءات فتتلمذ في دمشق على علم الدين السخاوي شيخ الإقراء في عصره إلى أن نبغ في القراءات.
رابعاً: أنه تصدّر حلقات العلم في حلب وصارت تُشد إليه الرحال والتف حوله طلاب العلم حتى صار إماماً في القراءات وعللها.
خامساً: أنه عُيِّن في (المدرسة العادلية الكبرى) ووُلِّي مشيختها وهي تشترط التمكن من القراءات.
سادساً: أنه رحل إلى حماة وشهرته تسبقه متصدِّراً دروس القراءات فيها وبها ألّف ألفيّته النحويّة المشهورة.
سابعاً: أنه اتخذ من الاستشهاد بالقرآن الكريم بمختلف القراءات أساساً للتقعيد النحوي فكان إن أتى بشاهد فمن القرآن الكريم فإن لم يجد عدل إلى الحديث.
ثامناً: أنه كانت له حالات محددة لا يُرى إلا متلبساً بإحداها ومن ضمنها تلاوة القرآن الكريم. فالمطالع لهذه اللمحات والواقف عليها ينبغي أن يلتفت حينئذ إلى أن العمر أثمن من أن يُهدر فيما لا طائل فيه ولا ثمرة منه.
والأسف على طلبة العلوم الشرعيّة كيف أنهم يتبارون في حفظ متن ألفيّة ابن مالك وهو مطلوب بالعرض -مع التنزّل والتسليم- ويُعرضون عن حفظ كتاب الله الذي لم ينقطع عنه ابن مالك طيلة حياته ولا انفصل عن تلاوته ودراسته والاستشهاد به.
ولا يخفى أن حفظ كتاب الله مطلوب ذاتا وابتداءً وفيه الخير والبركة بالدنيا والنجاح والفلاح في الآخرة.