[مقال] جلال الجارودي: تحشيشات منطقية !

جلال الجارودي

 

كثيراً ما أفكر ما هو الشيء الذي يستحق السؤال وجدير بالإجابة. فإذا ما رأيت أثنين يأخذان بعضهما بالأحضان دلالة على أنهما لم يتقابلا منذ مدة طويلة، ثم تأخذهما الجدية إلى أقصاها ويتحدثان؛ أفكر ما هو الموضوع الذي شد حديثهما بحيث لو استمع إليه طرف ثالث لوجده مثيراً..

.وإذا ما ذهبت إلى مجلس شيخ، وحضر أثناء الجلسة شيخ آخر، ينشد انتباهي إلى الشيخين وما يقولانه، وعادة ما أصاب بالإحباط إذ يكتفي الضيف بالتبسم طوال الجلسة، وإذا خرج وشيعه الشيخ إلى الخارج فإنه عادة ما يكون سبب الزيارة دعوة لزواج أو خطوبة، وأما إذا تحدثا فإن حديثهما يكون همساً عن دروس معينة أو كتاب في الأصول على وشك الطبع وعليه تعليقات مهمه!

أما في العمل فإذا ما دخلت فجأة على المدراء، وهما متخذان وضعية الجدية التامة، فأخمن أن موضوعهما عن معاملة سياسية، أو معاملة قد تودي بسمعة الوزارة بأكملها؛ فما الذي يثير المدراء أكبر من ذلك وينشدان إليه ذلك الحد.

ليست كل الاسئلة بالطبع مثيرة وتجذب الانتباه؛ فالمفارقة العجيبة بالأمس القريب، قرأت سورة الشعراء، وهي سورة يمكن اعتبارها سورة قصصية مليئة بالحوارات بين الأنبياء وأقوامهم، وإذا ما ركزنا على ردود الأقوام، نجدها مجرد حياد عن القضية الأساسية التي جاء بها النبي، فالنبي جاء بقضية كبيرة عن التوحيد ونبذ الشرك وعبادة الاصنام، وردود أقوامهم عبارة عن حجج من نوع أنت بشر مثلنا، وكيف نتبعك وقد اتبك الارذل، وتعال لأنواع المغالطات والحجج الغريبة التي يقولها فرعون وهو الذي يدعي أنه إله، ألم نربك صغيراً، وأنت ساحر، ومجنون وبلغ بفرعون الغرابة بمكان حينما غضب لأن السحرة آمنوا بموسى بدون إذنه!

هذه الخواطر عن أهمية السؤال واستحقاقه للإجابة تأخذ أحياناً حيزاً كبيراً لدي لدرجة أن يوم الأحد – أول يوم في الدراسة – فكرت طوال الطريق من العمل إلى البيت في ما الذي سيسأله الآباء أبناءهم بحيث يكون سؤالاً منطقياً جداً، سؤال يمثل قضية منطقية لا تجد فيه تنافراً بين المحمول والموضوع على رأي المناطقة، هل سيسألونهم أين جلستم في الفصل ؟ قد يبدو هذا السؤال جيد ولكن الإجابة ليست فيها فائدة، إذ أنهم جلسوا ولا يمكن تغيير مقاعدهم الآن؟ هل سيسألونهم كيف عرفتم الباص؟ وهذا أيضاً سؤال لا فائدة منه، ما الذي بعد أن يعرفوا كيف عرفوا الباص!

هل سيسألونهم عن انطباعهم في اليوم الأول؟ هذا سؤال جيد بالفعل فإذا ما جاوب الأبناء بإجابة فيها تشاؤم سارع الآباء بعرض تجاربهم والتخفيف عنهم، وسؤال يتبعه سؤال أخضعه للمنطق، بحيث رأيتني سهوت عن المحاضرة في السيارة واقتربت من البيت!

وبعد..

يقول أحد المناطقة: اسأل سؤالاً حقيقياً، سؤال من يبحث عن الحق لا عن مجرد تبرير لما يعتقده سلفاً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×